الإدمان والضغط النفسي والاكتئاب... الشابات الفرنسيات أمام مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي

"إذا شعرتِ أنك تكرهين الجميع، فكري في الأكل. إذا خُيّل إليك أن الجميع يكرهك، فعليك أن تنامي. وإذا كنت تكرهين نفسك، فخذي حماما".هذه هي بعض النصائح التي تم نشرها في شريط فيديو تحت هاشتاغ "نصائح للصحة النفسية" والتي رصدت أكثر من 28 ألف إعجاب و11 ألف مستخدم في مواقع التواصل. فيما تبين التعليقات، من خلال الأسماء والصور، أن معظم المتفاعلين هم من فئة النساء الشابات اللواتي يتحدثن عن مشاكلهن ومعاناتهن الحياتية.اقرأ أيضاالصحة النفسية.. لماذا تعاني النساء أكثر من الرجال؟"أكره نفسي في هذه الفترة"وكتبت إحداهن: "لم أشعر بهذا من قبل. لكنني فقدت الاهتمام بكل شيء منذ أيام". وأضافت أخرى: "أكره نفسي فعلا في هذه الفترة".
تيك توك © صورة من شاشة فرانس24
هذه الشهادات تعكس مضمون دراسة حديثة أجرتها وزارة الصحة الفرنسية ونشرت في 4 يونيو/حزيران 2025. أظهرت ارتفاعا كبيرا في معدلات الاكتئاب والتفكير في الانتحار لدى الفئة ما بين 15 و24 عاما في عام 2022 مقارنة بما قبل الجائحة. وسجلت الشابات النسبة الأعلى حيث صرحت 8.7 بالمائة منهن دون سن 25 بأنهن فكرن في الانتحار.وأشارت الدراسة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل أبرز عوامل الخطر، خصيصا لدى الشابات الأكثر استخداما لها. فبدلا من أن تكون مجرد أدوات ترفيه وقضاء للوقت، تحولت بالعكس إلى منصات تغذي الاضطرابات النفسية وتؤججها.التنمر الإلكتروني أوضحت الدراسة أن "الشابات دون سن الثلاثين يستخدمن الشبكات أكثر من الشباب، ويتعرضن بشكل أكبر إلى التنمر والتحرش الرقميين". كما أظهرت وجود علاقة مباشرة بين انتشار الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي من جهة، وارتفاع نسب الاكتئاب والسلوك الانتحاري لدى الشابات والمراهقات في العالم، من جهة أخرى.اقرأ أيضاالبرلمان الأسترالي يصادق على حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عامافي عام 2020، كشف تقرير تحت عنوان "الحرية في التواجد على الإنترنت" والتي أجرته منظمة "بلان أنترنشيونال" Plan International أن 58% من الفتيات بين 15 و25 عاما تعرضن لشكل من أشكال الإساءة أو التحرش على الإنترنت.وأظهر أيضا وجود تداعيات نفسية خطيرة، مثل القلق، الاكتئاب وانخفاض الثقة بالنفس، وحتى التفكير في الانتحار لدى هاته البنات.
مجموعة صور متلاصقة لشعارات فيس بوك وآبل وغوغل وأمازون أ ف ب
وبحسب الدراسة التي أجرتها وزارة الصحة الفرنسية، فإن استخدام الشبكات أكثر من مرة كل ساعة يرفع خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 24% لدى النساء بين 17 و29 عاما. أما التعرض للشاشات لأكثر من أربع ساعات يوميا فيساهم بنسبة 12 بالمئة.تسويق للمعايير الجمالية وترويج للنحافة المفرطةيضاف إلى ذلك المحتوى على إنستاغرام وتيك توك والذي يُسوق للمعايير الجمالية وفيديوهات تروج للنحافة المفرطة. ولخصت أخصائية التغذية كارول كوتي الوضع قائلة: "لم يعد ممكنا معالجة اضطرابات الأكل من دون التطرق لتأثير وسائل التواصل"، مؤكدة أن هذه المنصات أصبحت عاملا مسببا ومسرعا ومعطلا للتعافي في آن واحد".ويعاني ما يقارب من مليون شخص في فرنسا، أغلبهم نساء بين 17 و25 عاما، من اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية أو الشراهة أو الأكل القهري.اقرأ أيضاشبكات التواصل الاجتماعي... تهديد لوعينا وتلاعب بعقولنا؟وعلى الرغم من أن أسباب هذه الاضطرابات متعددة (بيولوجية ونفسية واجتماعية)، إلا أن الخبراء باتوا يشددون على التأثير "المدمر" للشبكات من خلال ترويج النحافة، والأنظمة الغذائية القاسية، والتدريب البدني المكثف.مؤخرا، أثار وسم "نحيف توك" #Skinnytok موجة انتقادات بسبب تشجيعه على سلوكيات غذائية خطيرة ومؤذية للصحة، ما دفع موقعتيك توك إلى حظره بداية يونيو/حزيران تحت ضغط حكومي.تشويه صورة الجسد واللجوء إلى الجراحةوأمام معايير جمالية غير واقعية يتم الترويج لها عبر مواقع التواصل، تطوّرت لدى العديد من الشابات ظاهرة "تشوه صورة الجسد"، ما دفع بعضهن إلى التفكير في اللجوء المبكر إلى الجراحة التجميلية.ووفقا لدراسة أجرتها منظمة "المدافعون المستقلون عن الأهلية العقلية" (IMCAS) فإن الفئة ما بين 18 و34 عاما أصبحت الأكثر إقبالا على هذه الإجراءات منذ عام 2019، متقدمة حتى على فئة الخمسينيات والستينيات.وفي عام 2023، أشار "مرصد وسائل التواصل" إلى أن 60% من الشابات يشعرن بضغط نفسي كبير لمجاراة معايير الجمال على إنستاغرام وتيك توك.ولا تقتصر الضغوطات على المظهر فقط. بل تشمل أيضا البعد النفسي والذي يتمثل في مطالبة الشابات بالبقاء في حالة سعادة دائمة، وذلك من قبل "مؤثرات" متخصصات في ميدان الصحة النفسية."وجوب العيش في السعادة" أصبح قيدا اجتماعيا جديداوغالبا ما تقدم المؤثرات نصائح مبهمة تجعل متابعاتها يشعرن بالذنب، مثل "فكري بإيجابية لتتحسني"، مما يؤدي إلى ظهور معاناة نفسية معقدة.وبمثل هذه النصائح الرائجة على مواقع التواصل، أصبح "وجوب العيش في السعادة" قيدا اجتماعيا جديدا يشبه قيد "الشعور بالجمال".وإلى ذلك، أظهر تحقيق أجرته صحيفة ذي غارديان بالتعاون مع خبراء في الصحة العقلية أن أكثر من نصف الفيديوهات الـ100 الأكثر مشاهدة على تيك توك، والتي تقدم نصائح نفسية، تتضمن معلومات مضللة.اقرأ أيضاالإغراء الرقمي في كينيا: عندما تصبح وسائل التواصل الاجتماعي نافذة لكسب المال!وفي ظل صعوبة الوصول إلى الرعاية النفسية وارتفاع تكاليفها، يتجه كثير من الشباب إلى الشبكات بحثا عن الدعم. لكن هذا الخيار ليس آمنا دائما، إذ تنتشر على هذه المنصات "نصائح سحرية" يقدمها أشخاص دون أي تأهيل طبي، مثل نصيحة "خذ حماما إذا كرهت نفسك"، أو وصفات غذائية من "خبيرة تغذية شاملة" تجهل أن بعض المكتئبين لا يستطيعون حتى النهوض من سريرهم.معلومات مضللة توهم الناس بوجود حلول سحريةشرحت أخصائية علم النفس أمبر جونستون للغارديان: "يبث تيك توك معلومات مضللة توهم الناس بوجود حلول سحرية. هذا الأمر يزيد إحساسهم بالفشل عندما لا تتحقق هذه الحلول المزعومة".في الخلفية، تُفرض معايير مثالية قاسية على الشابات: جسد مثالي، عقل هادئ، ومشاعر تحت السيطرة. والنتيجة؟ مزيد من المعاناة النفسية لدى من يعجزن عن مجاراة هذه الصورة.هذا، وأظهر التحقيق الذي أجرته جريدة ذي غارديان حول الإقبال الكبير على هذه الفيديوهات إلى الفجوة الكبيرة في الرعاية النفسية. فـ63% من المراهقين يعتبرون من الضروري الوصول إلى معلومات نفسية عبر الإنترنت.كما أظهر تقرير آخر صادر عن Pew Research Center في أبريل/نيسان 2025 أن 34% من المراهقين ( من 13 إلى 17 عاما) يبحثون عن محتوى مرتبط بالصحة النفسية على شبكات التواصل الاجتماعي و9% يقومون بذلك بانتظام.وجدير بالذكر أنه في فرنسا تم إطلاق نظام (الدعم النفسي الخاص بي) «Mon soutien psy منذ 2022. والذي يتيح للمرضى الاستفادة من 12 جلسة مع طبيب نفسي في السنة مع تغطية التكاليف من قبل الضمان الصحي. وأكثر من نصف مليون شخص استفادوا منه حتى الآن.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه