تتوالى الأخبار بسرعة من الشرق الأوسط. وفي عطلة نهاية الأسبوع، عرضت حركتا حماس والجهاد الإسلامي مقاطع فيديو تظهر الرهائن المُجوَّعين تمامًا في قطاع غزة. وهؤلاء الأشخاص محتجزون لدى حماس، التي تسيطر على قطاع غزة. لقد اختطف مقاتلون من حماس ومنظمات فلسطينية أخرى في غزة، هؤلاء الرهائن في الهجوم الإرهابي الدموي على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
والآن ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتزم السيطرة العسكرية على كامل قطاع غزة ويعيد احتلاله من أجل تحرير الرهائن المتبقين. وفي الوقت نفسه يستمر الجوع والموت بين السكان المدنيين الفلسطينيين في غزة.
ومن جانبه أعرب المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن صدمته من مقاطع الفيديو الواردة من غزة، وقال لصحيفة "بيلد" إنَّ: "حماس تُعذِّب الرهائن وتُرهب إسرائيل وتستخدم أبناء شعبها في قطاع غزة كدروع بشرية".
يذكر أن حركة حماس هي جماعة فلسطينية إسلاموية مسلحة تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية. وتُصنف حركة "الجهاد الإسلامي" كمنظمة إرهابية أيضا، وهناك دلالات على تبعيتها لإيران.
مظاهرة في تل أبيب بتاريخ 2 آب/أغسطس 2025 من أجل المطالبة بإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس ووقف الحرب في غزةصورة من: Ori Aviram/Middle East Images/picture alliance
وكذلك تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر منصة إكس حول "قسوة مطلقة ووحشية بلا حدود" من قبل حماس. وأكد على أنَّ "الأولوية المطلقة" لحكومته هي الإفراج الفوري عن جميع الرهائن المحتجزين في قطاع غزة.
وفيما أكد ميرتس لصحيفة "بيلد" على أنَّ حماس "يجب ألا تلعب أي دور في مستقبل غزة"، أدلى ماكرون بتصريحات مشابهة.فرنسا وألمانيا - غير متفقتين في المسألة الفلسطينية
بيد أنَّ فرنسا وألمانيا تتبعان مسارات مختلفة فيما يتعلق بمسألة الاعتراف بدولة فلسطينية. فقد أعلن ماكرون عن نيته الاعتراف بفلسطين كدولة في أيلول/سبتمبر خلال مؤتمر في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأدانت إسرائيل هذه الخطوة مباشرة بعد الإعلان الفرنسي. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا القرار بأنَّه "مكافأة للإرهاب".
المملكة المتحدة قد تعترف بدولة فلسطينية في أيلول/سبتمبرTo view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video
ومع ذلك تريد الآن أيضًا بريطانيا وكندا الانضمام إلى فرنسا؛ أي ثلاث من الدول المؤثرة في مجموعة السبع. وأعلنت دول أخرى في الاتحاد الأوروبي عن نيتها القيام بذلك. أما الحكومة الألمانية فهي لا تخطط حاليًا لمثل هذه الخطوة، وتعتبر الاعتراف بدولة فلسطينية منطقيًا فقط في نهاية عملية تفاوضية يجب أن تكتمل.
هل فلسطين دولة؟
هناك ثلاثة معايير أساسية يجب تحقيقها لوصف دولة ما بأنَّها دولة، كما أوضح في حوار مع DW خبير القانون الدولي آرون دومونت من معهد قانون حفظ السلام والقانون الإنساني الدولي بجامعة بوخوم الألمانية.
أطفال وأمهات فب يحتجون من أجل الحصول على الطعام صورة من: DW
وتشمل هذه المعايير أولًا وجود أرض محددة بوضوح لهذه الدولة، وثانيًا شعب، وثالثًا حكومة تمارس سلطة الدولة. ويضيف آرون دومونت أنَّ "لقد تم استيفاء معيارين من الثلاثة معايير الأساسية. أما مسألة سلطة الدولة فهي أكثر صعوبة. يمكن القول إنها غير موجودة بعد بالنسبة لدولة فلسطين. وبالتالي، لا وجود للدولة بعد".
ويعتبر الخبير تعريف الاعتراف بدولة ما موضع خلاف بين خبراء القانون الدولي. وبالتالي مسألة وجود دولة فلسطينية بالفعل. وفي حوار مع DW، أوضحت خبيرة شؤون الشرق الأوسط موريل أسبورغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP)، أنَّ الاعتراف المحتمل بفلسطين من قبل دول أخرى لن يكون له في البداية أية تأثيرات تذكر على الحياة العملية لسكان المنطقة. فبعض الدول تقيم الآن علاقات دبلوماسية مباشرة مع فلسطين ممثلةً بالسلطة الفلسطينية .
وقد أعلن الرئيس محمود عباس عام 2013 أنه لن يُشير بعد الآن إلى السلطة الفلسطينية، بل إلى دولة فلسطين. ويُثير الرجل، البالغ من العمر 89 عامًا، جدلًا واسعًا داخل شعبه. فقد أجريت آخر انتخابات منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. وتعترف حكومته، حركة فتح، بدولة إسرائيل.
والاعتراف صعب أيضًا لأنَّ الحدود بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية غير واضحة، وكذلك وضع القدس الشرقية. ومن خلال احتلالها، تسيطر إسرائيل بحكم الأمر الواقع على مناطق واسعة تخضع فعليًا لإدارة السلطة الفلسطينية. وقد أعلنت محكمة العدل الدولية مؤخرًا، في رأي استشاري، أن احتلال الأراضي الفلسطينية - الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة - غير قانوني.
بالإضافة إلى أنَّ غزة تحكمها حركة حماس الإسلامية المتطرفة، التي لا تعترف بدولة إسرائيل. وفي المقابل تخضع الضفة الغربية لسيطرة حركة فتح الأكثر اعتدالًا.
ومع ذلك فقد أشارت الخبيرة السياسية موريل أسبورغ في حوارها مع DW إلى أنَّ: "الاعتراف بدولة فلسطينية سيرسل إشارة إلى أنَّنا لا نطالب بحل الدولتين فقط، بل نريد الآن أن نساهم في ضمان وجود دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. ويتطلب هذا أيضًا اتخاذ إجراءات لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي".
وتعترف الآن 149 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بفلسطين كدولة ذات سيادة. ويقول خبير القانون الدولي دومونت أيضًا: "لا يمكن القول إنَّه يجب على هذا العدد من الدول في العالم أن يعترف بفلسطين وعندئذٍ ستصبح دولة". ومع ذلك فإنَّ حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة يبقى غير محتمل حاليًا، كما أوضحت خبيرة شؤون الشرق الأوسط أسبورغ: "حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة لن يتم في البداية، لأنَّ هذا يحتاج قرارًا من مجلس الأمن الدولي، وهذا القرار يحتاج أيضًا موافقة الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن هذا غير متوقع".
ولكن فلسطين لديها منذ عام 2012 صفة مراقب غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما تقول أسبورغ: "منذ أن حصلت فلسطين على صفة مراقب في الأمم المتحدة، تمكنت من أن تصبح عضوًا في العديد من المنظمات الدولية الأخرى، مثل المحكمة الجنائية الدولية". وصفة المراقب تعتبر بمثابة مرحلة تمهيدية للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
شريكان صعبان: فريدريش ميرتس في عام 2024 (لم يكن مستشارًا في ذلك الوقت) مع بنيامين نتنياهوصورة من: Kobi Gideon/GPO/dpa/picture alliance
التزام ألمانيا تجاه إسرائيل؟
ويزداد الضغط على الحكومة الألمانية من أجل اتخاذها موقف أكثر انتقادًا تجاه إسرائيل. وبعد التقارير عن نية رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو السيطرة عن كاملا قطاع غزة، طالبت ليا رايزنر، المتحدثة باسم حزب اليسار الألماني المعارض، بـ"الضغط السياسي اللازم، بما في ذلك الضغط على الحلفاء". ووصفت موقف الحكومة الائتلافية الألمانية حتى الآن تجاه إسرائيل بأنَّه "إعلان إفلاس السياسة الخارجية الألمانية".
ورغم الدعوات المتكررة للاعتراف بفلسطين، ما تزال جمهورية ألمانيا الاتحادية بعيدة جدًا عن هذا الاعتراف. وتُشير الحكومة الألمانية، من بين أسباب أخرى، إلى التزام ألمانيا الخاص تجاه إسرائيل بسبب المحرقة، ومقتل ملايين اليهود خلال الحقبة النازية. وكذلك اعتبار برلين أمن إسرائيل مصلحة عليا للدولة الألمانية ، وبالتالي استعدادها للعمل من أجل أمن إسرائيل.
وصحيح أنَّ المستشار فريدريش ميرتس قد شدد لهجته تجاه إسرائيل، ودعا إلى وقف فوري دائم لإطلاق النار في غزة، وبسماح إسرائيل بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية للناس هناك؛ ولكنه لا يريد في الوقت نفسه إثارة غضب شريكته المقربة إسرائيل.
والاعتراف بفلسطين قد يكون بحسب تصريح ميرتس "من الخطوات الأخيرة على طريق تحقيق حل الدولتين". وهو لا يَعتبر الاعتراف حاليًا "خطوة صائبة".
أعده للعربية: رائد الباش
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه