Syria News
جاري تحميل الأخبار العاجلة...

آمال ترمب برئاسة ثالثة: مخاوف من خسارة التجربة الديمقراطية

الإثنين، 8 سبتمبر 2025
آمال ترمب برئاسة ثالثة: مخاوف من خسارة التجربة الديمقراطية

خلال الشهر الماضي ألمح الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إمكانية دعمه ترشّح نائبه، جي دي فانس، للرئاسة في 2028، وهو تصريح قد يحمل في طيّاته أبعد ممّا يبدو للعلن.

جاء كلام الرئيس الأميركي عقب تلويحه وفريقه الرئاسي، في أكثر من مناسبة، بإمكانية تبوّئه منصب الرئاسة للمرّة الثالثة في 2028. "سنجد طريقًا لذلك"، قال ترمب في لقاء مع شبكة "إن بي سي" الأميركية في أبريل/ نيسان الماضي. بل ذهب أبعد من ذلك مخاطِبًا حشدًا من أنصاره في لاس فيغاس في فبراير/ شباط الماضي: "يشرفني أن أخدم كرئيس لمرّتين… أو لثلاث مرّات، أو لأربع مرّات".

ورغم أنّ تلك التصريحات المقتضبة تراوحت بين الهزل والجدّ، فإنّها تسببت ـ وما تزال ـ بحالة من الهياج واللغط في أوساط الحزبين الجمهوري والديمقراطي على السواء. يرى الليبراليون فيها "بالونات اختبار" وتكنيكات مُجرّبة في دول عدّة التفّ فيها الحكّام على تداول السلطة في بلدان ديمقراطية، وإنْ كانت هشّة قياسًا بالتجربة الأميركية المتجذّرة. أمّا المحافظون فيبدو أنّ تلميحات الرئيس فتحت شهيّتهم للسيطرة على السياسة في بلاد طالما عُدّت محكومة لقيم الحزب الديمقراطي الذي حسم الصراع الدموي على هوية البلاد خلال الحرب الأهلية.

يمكن إحالة مخاوف الأميركيين تلك إلى ما يُعرف بمتلازمة "البطة العرجاء"، إذ يواجه الرؤساء ـ بقلق واضطراب ـ انتهاء فتراتهم الرئاسية، وفقدانهم للسلطة، وانصراف اهتمام الجمهور عنهم نحو المسؤولين الجدد. ولتجنّب ذلك، يقرّر بعضهم في اللحظات الأخيرة استغلال ثغرات في دساتير بلدانهم وقوانينها تسمح لهم بالالتفاف على المعيقات التشريعية والبقاء في المنصب لمدد قد تطول مدى الحياة.

أمثلة ذلك كثيرة؛ في روسيا، شغل فلاديمير بوتين منصب الرئيس لفترتين بين 1999 و2008، قبل أن يدرك أنّ الدستور يمنعه من الترشّح لمرّة ثالثة، فتحوّل إلى منصب رئيس الوزراء ـ ذي الصلاحيات الشكلية ـ حتى 2012. بذلك بات بوسعه العودة إلى الرئاسة مرّة أخرى ولفترتين جديدتين كان يُفترض أن تنتهيا في 2024. لكن بوتين تنبّه في 2020 واستبق الأمر بتعديل دستوري يتيح بقاءه لفترتين إضافيتين من ستّ سنوات لكلّ منهما؛ أي حتى العام 2036، وهو ما يعني استئثاره بالحُكم لنحو 36 عامًا كاملة.

وفي تركيا، حصل الأمر عينه تقريبًا ولكن معكوسًا؛ فبعد أن أنهى الحدّ الأقصى المسموح دستوريًا لتولّي منصب رئيس الوزراء ـ ذي الدور المحوري في النظام السياسي ـ لثلاث مرّات متتالية من 2003 حتى 2012، تحوّل زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان نحو منصب الرئيس، ذي الصلاحيات الشكلية.

لكن يبدو أنّ تأثير "البطة العرجاء" يعني ـ فيما يعنيه ـ صعوبة تَقبُّل المسؤولين لمناصب وسلطات تقلّ عمّا كانوا يتمتّعون به؛ إذ كان ذلك صعبًا على بوتين، وهو ما يبدو أنّه حصل مع أردوغان أيضًا. فبعد خروجه من رئاسة الحكومة، وللتغلّب على محدودية السلطات الشكلية التي يمتلكها الرئيس وفق دستور 1924، عمد أردوغان إلى تعديل دستوري يوسّع صلاحياته على حساب تلك الممنوحة لرئيس الوزراء، ليُصبح تباعًا الحاكم الفعلي للبلاد اليوم لفترة يصعب التكهّن بحدودها.

تُثير تلك التقاطعات خشية خصوم ترمب تحديدًا؛ فالرئيس المعروف بازدرائه القوانين والبروتوكول السياسي لا يُخفي إعجابه الشديد بأردوغان وبوتين؛ إذ وصف الرئيس التركي بـ"الذكي"، ولم يُخفِ انبهاره، خلال أكثر من لقاء صحفي، بالطريقة التي يدير بها الرئيس الروسي بلاده.

زد على ذلك أنّ الأمر لا ينحصر بتصريحات مازحة عن الرغبة بالبقاء في المنصب؛ ففي أبريل من العام الماضي طرحت "منظمة ترمب" Trump Organization قبعة تحمل اسمه وإلى جانبها الرقم 2028 للبيع على الإنترنت، في إشارة إلى سعيه نحو رئاسة ثالثة. بل إنّ بعض أنصاره ـ وأبرزهم إيلون ماسك الذي انقلب عليه لاحقًا ـ لم يترددوا في نشر صور لقبعات تحمل اسمه إلى جانب الرقم 2032 تعبيرًا عن رغبتهم بولاية رابعة أيضًا.

وفي أبريل من هذا العام، تبيّن أنّ محامي الرئيس ومستشاره الخارجي، بوريس إبستين، كان قد عكف بالفعل على دراسة خيارات تسمح لترمب بالعودة إلى الرئاسة، وفق ما كشفته "وول ستريت جورنال". وقد زادت المخاوف جدّية حين حاولت الصحيفة أخذ ردّ من البيت الأبيض على تلك المعلومات، فلم ينفِ مستشار الاتصال مضمون التقرير واكتفى بالقول إنّ "من المبكر مناقشة الأمر".

في سعيهم لمواجهة ذلك، تطرح وسائل الإعلام الليبرالية والخبراء في القانون الدستوري معضلة الدستور على ترمب، علّها تُطفئ حماسه وتُثنيه وأتباعه عن تغيير شكل البلاد مرّة واحدة وللأبد: ببساطة، الدستور الأميركي يمنع ترشّح الرؤساء لولاية ثالثة.

رغم ذلك، وكما فكّر بوتين وأردوغان بالسبل الكفيلة بتخطّي تلك العقبة ونجحا إلى حدّ بعيد، يبدو ترمب وأنصاره وقد شرعوا بالبحث في بدائلهم الخاصّة.

معضلة التعديل 22 في الدستور الأميركي

يُعدّ تحديد ولاية الرئيس الأميركي بدورتين اثنتين تعديلًا حديثًا في دستور البلاد، لم تُصادق عليه إلا بعد الحرب العالمية الثانية. فالرئيس فرانكلين روزفلت كان قد وصل إلى سدّة الرئاسة أربع مرّات متتالية من 1933 حتى 1945، بعدها صادق الكونغرس على التعديل 22 الذي حدّد المدّة بدورتين فقط. يقول نصّ تلك المادة إنّه "لا يجوز انتخاب أيّ شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرّتين"، وهو ما اعتبره الأميركيون، على نحوٍ بدهيّ ربما، حكمًا قطعيًا بعدم جواز التمديد.

لكنّ أنصار ترمب، وخبراء الدستور المقرّبين منه، يرون في تلك المادة بالذات فرصة للتمديد لا العكس، عبر عدّة طرق، أكثرها مباشرة إجراء تعديل دستوري يسمح ببقاء الرئيس في المنصب. وهو المقترح التشريعي الذي قدّمه بالفعل النائب الجمهوري عن ولاية تينيسي، آندي أوغلس، تحت قبّة الكونغرس في يناير/ كانون الثاني الماضي.

غير أنّ هذا الخيار يصطدم بعدّة عقبات يفرضها الدستور على تعديل مواده؛ إذ يشترط موافقة ثلثي كلٍّ من غرفتي الكونغرس، النواب والشيوخ، ثمّ مصادقة ثلاثة أرباع الولايات الخمسين، أي 38 ولاية. وبديهيٌّ أنّ واقع الانقسام الأيديولوجي الحادّ في الولايات المتحدة اليوم ـ بين الولايات وتحت قبّة الكونغرس ـ يجعل تأمين ترمب لهذا العدد من الأصوات متعذّرًا.

لكن أنصار ترمب في وسائل التواصل وعلى صفحات وسائل الإعلام التقليدية يُجادلون بأنّ نصّ المادة 22 يتحدّث حرفيًا عن عدم جواز "انتخاب" الشخص لمنصب الرئاسة ثلاث مرّات، لا وصوله إلى المنصب بحدّ ذاته، أي إنّ المنع يتعلّق بترشّح الشخص وانتخابه فقط.

وعليه، قدّم بعض مؤيّدي ترمب مقاربة للاحتفاظ به سيدًا للبيت الأبيض تفيد بإمكانية ترشّح أحد أعضاء إدارته للمنصب على أن يترشّح هو نائبًا له، ومن ثمّ يتنحّى ذلك الشخص بعد الفوز ليحلّ ترمب مكانه، مستفيدًا من التعديل الخامس والعشرين، الذي ينصّ على تولّي نائب الرئيس الحُكم في حالة تنحّي الرئيس بسبب الوفاة أو العجز عن أداء مهامه.

ويُشبه هذا السيناريو إلى حدٍّ ما ما فعله أردوغان وبوتين عبر قبولهما مناصب بصلاحيات هامشية مؤقتًا ريثما تتسنّى لهما العودة إلى المشهد والالتفاف على عقبات الدستور.

على أنّ مثل هذا السيناريو يواجه هو الآخر تعقيدات جديّة.

أوّلًا: من الصعب بروتوكوليًا على رئيسٍ أميركي أن يخوض انتخابات كنائب للرئيس، وفي حالة ترمب أن يخوضها نائبًا لنائبه السابق. على أنّ المعروف عن ترمب عدم قابلية سلوكه السياسي للتوقّع، خصوصًا وهو الرئيس الذي لا يبدو مهتمًا بالالتزام بالعرف التشريعي واللياقة الرئاسية محليًا ودوليًا.

ثانيًا: من الصعب العثور على سبب وجيه قد يمنع جي دي فانس، في حال فاز رئيسًا، من أداء مهامه بحيث يضطرّ للتنحّي ليحلّ ترمب مكانه.

ثالثًا: حتى إن أصرّ ترمب على الذهاب في هذا الخيار، فإنّ أساتذة القانون في جامعة نورث إيسترن الأميركية يُجادلون بأنّ الخلاف سينتقل حينها إلى المحكمة الدستورية التي ستبدو "خارجة عن القانون" إن سمحت بذلك. لكن هذا الرأي يعوّل في جوهره على قدرة القانون على لَجْم رغبات ترمب، وهو الرئيس الذي لم يُعر القضاء أيّ اهتمام حين رحّل مئات المهاجرين الفنزويليين إلى السلفادور رغم قرارات محكمة فيدرالية بعدم جواز الترحيل، في سابقة أدهشت ـ وما تزال ـ مؤيّديه ومعارضيه على السواء.

أضِفْ إلى كلّ ما سبق أنّ التعديل الثاني عشر من الدستور ينصّ على أنّ الشخص "غير المؤهّل دستوريًا لمنصب الرئيس لا يجوز أن يصبح نائبًا للرئيس"، على أنّ الخلاف، كما يراه أنصار ترمب على الأقل، يدور أصلًا حول ما إذا كان غير مؤهّل لمنصب الرئيس بالفعل، أم أنّه غير مؤهّل للوصول إلى المنصب عبر الانتخاب فقط، كما يشير النصّ الحرفي للتعديل 22.

في أغسطس/ آب الماضي عاد ترمب ورجّح احتمال عدم الترشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة، فَسَادَ شعورٌ عام بالارتياح في أوساط من يتملّكهم القلق على مستقبل الديمقراطية الأميركية. لكن الرئيس الأميركي المتفرّد في إدارته لسلطاته لم ينفِ الأمر. "هل ستخوض الانتخابات المقبلة؟" سألته مذيعة "إن بي سي" الأميركية. "لا، على الأرجح لا، على الأرجح"، ردّ ترمب ضاحكًا.

لكن المشكلة أنّ المذيعة سألته عن الانتخابات ولم تسأله عن رغبته في البقاء في السلطة؛ فالسؤال الذي يفرض نفسه: هل يفكّر ترمب بالانتخابات أصلًا كأداة للوصول إلى السلطة مجددًا بعد انتهاء ولايته؟ "لا"، يقول جافن نيوسم، حاكم ولاية كاليفورنيا الديمقراطي المعادي بشدّة لترمب. "هل تعتقدون حقًا أنّه يمزح حين يتحدّث عن ولاية جديدة في 2028؟ (…) كيف يمكن لأيّ شخص أن ينفق 200 مليون دولار على صالة احتفالات في بيته، ثم يغادره؟!" يتساءل نيوسم، مشيرًا إلى التحديثات التي يجريها الرئيس على البيت الأبيض.

ترمب بالفعل أطلق مشاريع هي الأضخم خلال قرنٍ على الأقل داخل البيت الأبيض ذي الـ250 عامًا، الذي يُنظر إليه بوصفه "بيت الأمة". من طلاء سقف المكتب البيضاوي بالذهب، إلى ملء الجدران باللوحات ـ وأبرزها لوحته بعد إزالة لوحة الرئيس السابق باراك أوباما ـ ووضع ساريتين ضخمتين في محيط البيت الأبيض، وتجديد دورات المياه، وصولًا إلى قاعة الاحتفالات الضخمة التي ستكلّفه 200 مليون دولار قال ترمب إنّه سيدفعها من جيبه الخاص وبمساعدة بعض المانحين. "طريقة جيّدة لأنفق من أموالي على البلاد"، يعلّق ترمب على بعض تلك المشاريع. فهل حقًا سينفق مطوّر العقارات الملياردير أمواله على بيت قد يؤول إلى ساكن جديد من خصومه؟

لكثيرين في الحزب الديمقراطي وخارجه، الإجابة ليست صعبة: ترمب باقٍ، وتحركاته الداخلية تمثّل "سعيه للتحوّل إلى ديكتاتور"، وفق وصف حاكم ولاية إلينوي، التي سينشر ترمب الجيش في شوارع مدينتها الأهم، شيكاغو، بزعم محاربة الجريمة، رغم انخفاض نسبتها العام الماضي إلى 30%. على أنّ الأكثر إثارة للاهتمام في مثل هذا النقاش هو حدوث النقاش نفسه، وحدوثه في أقدم النظم الديمقراطية في الغرب، وتحوله إلى موضوعٍ صحفي لزيادة المبيعات والإعلانات، ومحض خلافٍ دستوري تقني.

Loading ads...

اليوم، يصل الأميركيون ـ في إطار انقسامهم السياسي واستقطابهم الثقافي الحاد ـ إلى نقطةٍ يداورون ويقاربون فيها فكرة بقاء رئيسهم في منصبه عبر التفافه على الدستور وتجاهله القضاء، من دون أن يملكوا خطةً لمواجهة الأمر، بخلاف تعويلهم على قدرة أدوات الحكم الديمقراطي ومؤسساته في وقف زعيمٍ يعتقدون أنّه لا يرى في تداول السلطة سوى رافعةٍ للاستيلاء عليها.

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه