كيف تتخلص من الإدمان على ألعاب الفيديو؟ أحدث الطرق العلمية المجربة - عرب جيمرز

في ظلّ التوسُّع المتسارع لعالم الألعاب الرقميّة، أصبح الإدمان على ألعاب الفيديو واحدًا من أبرز التحدِّيات التي تواجه الصحّة النفسيّة في العصر الحديث، فلم يعد الأمر يقتصر على التسلية المؤقّتة، بل تحوّل لدى كثيرين إلى سلوكٍ قهريٍّ يستهلك الوقت ويؤثِّر على العلاقات والتحصيل الدراسيّ، والحياة المهنيّة.
ومع إدراج هذا الاضطراب ضمن التصنيفات الطبيّة العالميّة، بدأت جهود الباحثين والمختصّين تتّجه نحو تطوير أساليب علميّة حديثة تساعد على التخلّص منه بفعاليّة. في هذه المقالة، نستعرض أحدث الطرق الطبيّة المجرَّبة لعلاج الإدمان على ألعاب الفيديو، مدعومةً بدراسات حديثة، وأمثلة علاجيّة واقعيّة، ونصائح عمليّة موجّهة لكل من يطمح لاستعادة السيطرة على وقته وصحّته وحياته.
فهم الإدمان على ألعاب الفيديو وأسبابه وتأثيراته
يُعرَّف الإدمان على ألعاب الفيديو (أو اضطراب الألعاب الإلكترونية) بأنه نمط سلوكي قهري متعلق بالألعاب الرقمية، حيث يفقد الشخص السيطرة على اللعب ويعطيه أولوية على أنشطة الحياة الأخرى رغم ما يسببه من عواقب سلبية. لقد اعترفت منظمة الصحة العالمية بهذا الاضطراب وأدرجته ضمن التصنيف الدولي للأمراض (ICD-11) منذ عام 2019، مع تحديد معاييره بثلاثة عناصر رئيسية هي: ضعف التحكم باللعب، وإعطاء أولوية متزايدة للألعاب على حساب الأنشطة الأخرى، والاستمرار في اللعب رغم ظهور نتائج ضارة.
كثيرًا ما يُستخدم مصطلح “إدمان ألعاب الفيديو” بالتبادل مع اضطراب الألعاب عبر الإنترنت (Internet Gaming Disorder, IGD) الوارد في دليل الجمعية الأمريكية للطب النفسي (DSM-5) كحالة قيد الدراسة. هذه الحالة قد تصيب مختلف الفئات العمرية من الأطفال والمراهقين وحتى البالغين، وتُقدَّر نسبة انتشارها عالميًا بنحو 3% من السكان (مع تباين التقديرات وفق المعايير المستخدمة).
تنجم أسباب الإدمان على ألعاب الفيديو عن تضافر عوامل نفسية واجتماعية وبيولوجية. من الناحية البيولوجية، تحفّز الألعاب نظام المكافأة في الدماغ؛ إذ تفترض الأبحاث أن عملية اللعب والفوز في الألعاب تطلق مادة الدوبامين التي تولّد الشعور بالمتعة والتحفيز. وهذا مشابه لما يحدث في إدمان المقامرة أو المواد المخدرة، حيث وُجدت تشابهات في النشاط الدماغي بين مدمني الألعاب ومدمني المواد.
من الناحية النفسية والسلوكية، قد يستخدم البعض الألعاب كوسيلة للهروب من الضغوط أو المشاعر السلبية في الواقع – وهي ظاهرة تُعرف بـ”الهروب أو التنفيس” – مما يعزّز نمطًا سلوكيًا غير سوي للتعامل مع المشاكل. كذلك يُعتبر الاندفاع وضعف التحكم بالنفس من العوامل المؤهبة للإدمان، إلى جانب التصميم الجذاب لبعض الألعاب التي تُشجع على اللعب المطوّل عبر عناصر المكافأة المستمرة (مثل نقاط الإنجاز والمستويات). أما العوامل الاجتماعية فتشمل العزلة أو نقص الدعم الاجتماعي في الواقع، مما يدفع الفرد للانخراط أكثر في مجتمع الألعاب الافتراضي.
تتراوح تأثيرات إدمان ألعاب الفيديو بين نفسية واجتماعية وجسدية. على الصعيد النفسي، يعاني المدمن غالبًا من تقلبات مزاجية وقلق واكتئاب وانخفاض في تقدير الذات. وقد يصاحب الإدمان شعور بالذنب أو العجز عند التوقف عن اللعب، إضافة إلى أعراض انسحابية مثل التوتر والعصبية عند منع الألعاب.
اجتماعيًا، يؤدي الإفراط في اللعب إلى الانطواء وضعف المهارات الاجتماعية وإهمال العلاقات الأسرية والصداقات؛ فقد يهمل المدمن الواجبات المدرسية أو المهنية وتتدهور إنتاجيته في الدراسة أو العمل. كما يلاحظ أن المدمن قد يكذب بشأن مدة اللعب أو يتخفى لممارسة اللعب سرًا، مما يفاقم مشكلات الثقة ضمن الأسرة.
صحيًا، يتسبب الجلوس لساعات طويلة أمام الشاشات بقلة النشاط البدني ومشاكل صحية مثل اضطرابات النوم وإجهاد العين وآلام الظهر، وربما زيادة في الوزن. وتشير دراسات حديثة إلى ارتباط الإدمان على الألعاب بمشكلات مثل اضطرابات النوم والأرق، وكذلك سلوكيات عدوانية في بعض الحالات. هذا المزيج من الآثار يؤكد أن الإدمان على ألعاب الفيديو ليس مجرد هواية مفرطة، بل هو مشكلة صحية حقيقية تؤثر على جودة الحياة وتتطلب الاهتمام والمعالجة.
العلاج السلوكي المعرفي (CBT) لإدمان ألعاب الفيديو
يُعد العلاج السلوكي المعرفي (CBT) من أبرز وأوسع العلاجات النفسية استخدامًا لعلاج إدمان ألعاب الفيديو في الوقت الراهن، حيث يقوم هذا العلاج على مبدأ تعديل الأفكار والمشاعر السلبية التي تؤدي لسلوك اللعب القهري، وتعليم المدمن مهارات التعامل مع الرغبة في اللعب والتحكم بالوقت المخصص له.
أظهرت الأبحاث الحديثة أن CBT هو العلاج الأكثر فعالية في تقليل شدة اضطراب الألعاب الإلكترونية وتحسين الأعراض المصاحبة له. ففي مراجعة منهجية نُشرت سنة 2025، تبيّن أن العلاج المعرفي السلوكي ساهم بشكل كبير في خفض حدة الإدمان بالإضافة إلى تخفيف القلق والاكتئاب لدى المرضى، ويساعد CBT المريض على تفكيك الأفكار غير المنطقية المرتبطة بالألعاب (مثل الشعور بالإنجاز الزائف داخل اللعبة) وإعادة بناء نمط حياة متوازن.
عمليًا، يتضمن العلاج السلوكي المعرفي جلسات منتظمة (فردية أو جماعية) مع معالج متخصص. وخلال هذه الجلسات، يتم تعليم المدمن استراتيجيات لإدارة المحفزات والرغبات – مثل تسجيل الأفكار التلقائية التي تدفعه للعب واستبدالها بأفكار أكثر واقعية – كما يتم تدريبه على مهارات حل المشكلات وتنظيم الوقت.
تشير دراسات حديثة إلى نجاح برامج CBT قصيرة المدى في تحقيق نتائج ملموسة؛ فمثلًا، وجدت مراجعة لـ7 تجارب إكلينيكية عشوائية أن برنامج علاج معرفي سلوكي قصير الأمد استطاع تقليل أعراض إدمان الألعاب بشكل ملحوظ لدى المشاركين، وحتى على المدى الطويل، تمت ملاحظة استمرارية التحسّن؛ حيث أفادت دراسات بأن نتائج CBT يمكن أن تستمر لمدة 6 إلى 12 شهرًا بعد العلاج مع بقاء انخفاض الأعراض.
من الأمثلة التطبيقية الواعدة برنامج PROTECT الألماني الذي قُدِّم لمجموعات من المراهقين في المدارس: فقد اعتمد على جلسات جماعية إرشادية تستخدم أساليب CBT للتعامل الصحي مع التكنولوجيا، وكانت النتائج انخفاضًا أكبر في شدة أعراض إدمان الألعاب في مجموعة البرنامج مقارنة بالمجموعة الضابطة بعد عام من المتابعة.
حقق المشاركون في برنامج PROTECT انخفاضًا يقارب 40% في شدة الأعراض بعد 12 شهرًا مقابل 28% فقط لدى من لم يتلقوا العلاج، مما يدل على فعالية العلاج السلوكي المعرفي الجماعي في البيئات المدرسية للوقاية المبكرة. وبالإضافة إلى الجلسات الفردية، يمكن أن تشمل مقاربة CBT العلاج الأسري أو الزواجي لتثقيف أفراد الأسرة حول الاضطراب وتحسين التواصل والدعم في المنزل، كما قد تتضمن العلاج الجماعي الذي يوفر بيئة دعم متبادل بين مدمنين متعافين آخرين لتبادل الخبرات والتحفيز. كل هذه الأساليب تعزز من فعالية العلاج وتساعد الشخص على استعادة نمط حياته الطبيعي بعيدًا عن سيطرة الألعاب.
العلاج الدوائي الحديث لإدمان ألعاب الفيديو
مصدر الصورة من هنا
حتى الآن، لا توجد أدوية معتمدة رسميًا بشكل خاص لعلاج إدمان ألعاب الفيديو، وننوه إلى ضرورة التحقق من طبيب مختص قبل تناول أي دواء، ولكن يجدر بالذكر أن البحوث الطبية الحديثة استكشفت بعض الأدوية المستخدمة لحالات أخرى وتأثيرها على إدمان الألعاب. الفكرة العامة هي معالجة الاضطرابات المرافقة وتحسين التوازن الكيميائي في الدماغ، مما ينعكس إيجابًا على السيطرة على سلوك اللعب القهري.
على سبيل المثال، قد يصف الأطباء أدوية لعلاج الاكتئاب أو القلق أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة (إن كان مصاحبًا للحالة) بهدف تخفيف حدة الأعراض النفسية التي قد تغذي إدمان اللعب. من أبرز الأدوية التي دُرست في هذا السياق:
البوبروبيون (Bupropion): وهو مضاد اكتئاب يؤثر على الدوبامين والنورأدرينالين. أظهرت مراجعة منهجية حديثة عام 2023 أن البوبروبيون كان من أكثر الأدوية استخدامًا في حالات اضطراب الألعاب، وقد أدى إلى تقليل ملحوظ في زمن اللعب اليومي وشدة الأعراض.
بل إن المرضى الذين تناولوا البوبروبيون شهدوا انخفاضًا في أعراض الإدمان بنسبة تتراوح بين 15% إلى 51% بعد العلاج في الدراسات السريرية المختلفة. وفي دراسة أخرى، وُجد أن البوبروبيون يتفوق على مضاد الاكتئاب إسيتالوبرام في تحسين سلوك اللعب القهري لدى المرضى.
وعلاوة على ذلك، أشارت النتائج إلى أن الجمع بين البوبروبيون والعلاج السلوكي المعرفي كان أكثر فعالية من استخدام البوبروبيون وحده؛ حيث ساعدت هذه المقاربة المزدوجة على تقليل الوقت المنقضي في اللعب بشكل أكبر وتحسين السيطرة على الإدمان. هذه النتائج الواعدة تجعل البوبروبيون خيارًا يستحق النظر تحت إشراف طبي، لاسيما في الحالات المصحوبة باكتئاب أو خلل في نظام مكافأة الدماغ.
الميثيلفينيديت (Methylphenidate) والأتوموكستين (Atomoxetine): وهما من الأدوية المنبهة/المستخدمة لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD). أظهرت التقارير أن استخدام أدوية ADHD لدى مدمني الألعاب – خصوصًا أولئك الذين يعانون أيضًا من أعراض فرط الحركة أو ضعف التركيز – يمكن أن يساهم في تقليل شدة الإدمان.
فمن خلال تحسين الانتباه وتنظيم الدوبامين في الدماغ، قد يقل اندفاع الشخص نحو الألعاب كمصدر للتحفيز. على سبيل المثال، تم استخدام الميثيلفينيديت في عدة حالات سريرية في كوريا الجنوبية وساهم في خفض علامات إدمان الإنترنت والألعاب لدى المراهقين.
وينطبق الأمر نفسه على الأتوموكستين الذي ينظم noradrenaline في الدماغ؛ حيث وجدت إحدى الدراسات انخفاضًا في رغبة اللعب القهري عند إعطائه للمصابين الذين لديهم تاريخ ADHD.
مضادات الاكتئاب من فئة SSRIs: مثل فلوكسيتين أو إسيتالوبرام، والتي قد تُوصف لمعالجة الاكتئاب أو القلق الملازم للإدمان. بعض التقارير استخدمت SSRIs لتخفيف أعراض القلق أو الاكتئاب لدى مدمني الألعاب، مما ساعد بشكل غير مباشر في تحسين قدرتهم على التحكم بالوقت المخصص للعب.
تشير مراجعة 2023 إلى أن مضادات الاكتئاب الانتقائية كانت ضمن أكثر الأدوية استخدامًا في الدراسات الخاصة باضطراب الألعاب. ومع أن نتائج فعاليتها المباشرة على الإدمان متباينة، إلا أنها قد تفيد في علاج الحالات المصاحبة (كالاكتئاب) وبالتالي تخفض دافع الشخص للهروب إلى الألعاب كوسيلة للتعامل مع المشاعر.
جدير بالذكر أن الأدوية وحدها ليست حلاً سحريًا لهذا النوع من الإدمان، فغالبًا ما توصي الأدلة الحديثة باعتماد نهج علاجي تكاملي يجمع بين الدواء والعلاج النفسي لضمان أفضل نتيجة، فالأدوية قد تساعد في تهيئة الشخص لتقبّل العلاج السلوكي عبر تقليل الأعراض الحيوية (كالاكتئاب أو الاندفاعية)، بينما يتولى العلاج النفسي تعديل السلوك من جذوره.
وبالطبع، يجب أن يتم استخدام أي دواء تحت إشراف طبيب مختص بعد تقييم دقيق لحالة المريض، لأن الفروق الفردية كبيرة والبحث في هذا المجال لا يزال مستمرًا. في الوقت الحالي، النتائج الأولية مشجعة وتدل على أن مجموعة من الأدوية الموجودة قد يكون لها دور مساعد في خطة علاج إدمان ألعاب الفيديو، لكننا بحاجة لمزيد من الدراسات المحكمة لتحديد فعالية هذه الأدوية على المدى الطويل ووضع إرشادات علاجية معيارية.
العلاج بالواقع الافتراضي (VR) لإدمان الألعاب
مع تقدم التقنيات الرقمية، ظهر العلاج بالواقع الافتراضي (VR Therapy) كإحدى المقاربات المبتكرة في علاج الإدمان السلوكي بما في ذلك إدمان الألعاب. تقوم فكرة العلاج بالواقع الافتراضي على استخدام بيئات افتراضية رقمية تفاعلية لمحاكاة المواقف أو لتطبيق تمارين علاجية بطريقة تجذب المريض.
المفارقة هنا هي استخدام التقنية ذاتها (بيئة رقمية) كجزء من الحل العلاجي بدلًا من كونها جزءًا من المشكلة، وقد أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن إدماج الواقع الافتراضي ضمن برنامج العلاج يمكن أن يحفّز تفاعل المرضى ويحسّن نتائج العلاج.
في إحدى الدراسات الرائدة، قارن الباحثون علاجًا تجريبيًا بالواقع الافتراضي مع العلاج السلوكي التقليدي لمجموعة من البالغين المدمنين على الألعاب الإلكترونية، ووجدت النتائج أن مجموعة العلاج بالواقع الافتراضي أظهرت انخفاضًا ملموسًا في درجات إدمان الألعاب، مكافئًا تقريبًا للانخفاض الذي حققته مجموعة العلاج السلوكي المعرفي التقليدي.
ليس هذا فحسب، بل أظهر التصوير الوظيفي لأدمغة المرضى تحسّنًا في اتصال دوائر المكافأة والانفعالات في الدماغ لدى المجموعة التي تلقت علاج الواقع الافتراضي، أي بعبارة أخرى، ساعد الواقع الافتراضي في إعادة التوازن لنشاط مناطق الدماغ المسؤولة عن الإدمان عبر تعريض المرضى لمشاهد وعناصر محسوبة لتحفيز واستعادة استجابة دماغية صحية.
هذه النتائج مشجعة لأنها تشير إلى إمكانية أن يكون للـVR دور علاجي فعّال يشابه العلاج التقليدي وربما يعززه.
علاوة على ذلك، يحاول المعالجون توظيف الواقع الافتراضي بطرق متنوعة ضمن العلاج، ومن تلك الطرق استخدام بيئة افتراضية خاضعة للرقابة لإعادة التأهيل السلوكي، فمثلًا، يمكن تصميم سيناريو افتراضي يواجه فيه المدمن مواقف مثيرة لرغبته في اللعب (كغرفة بها جهاز ألعاب) ثم تعليمه عبر الجلسة كيفية مقاومة الإغراء وإدارة مشاعره، تحت إشراف المعالج الواقعي الذي يتحكم بالمحتوى الافتراضي.
أيضًا استُخدم الواقع الافتراضي لإدخال مكونات من العلاج باليقظة الذهنية (Mindfulness)، حيث كشفت دراسة حديثة عام 2024 أنه من خلال أربع جلسات قصيرة تستخدم الواقع الافتراضي لتعزيز تركيز الانتباه واليقظة، انخفضت أعراض إدمان الألعاب بشكل ملحوظ لدى المشاركين وتراجع متوسط زمن اللعب في عطلة نهاية الأسبوع مقارنة بما كان عليه قبل العلاج.
الجدير بالذكر أن هذه الدراسة جمعت بين تمارين التأمل الواعي (mindfulness) وبيئة افتراضية جاذبة لتقليل الملل وتحفيز الالتزام، وحققت بذلك نتائج مشجعة رغم صغر عينة المشاركين.
إضافة إلى فعاليته، يتميّز العلاج بالواقع الافتراضي بقدرته على جذب اهتمام الأجيال الشابة المعتادة على التكنولوجيا، مما قد يقلل من معدلات التسرب من العلاج. وتشير ورقة بحثية حديثة إلى أن هذه التقنية يمكن أن تختصر مدة العلاج المطلوبة وتحسّن قابلية المرضى للاستمرار، لأنها ممتعة وتفاعلية. ومع أن تطبيقات الواقع الافتراضي العلاجية لا تزال قيد التطوير والتقييم، فإنها تُظهر بوادر قوية كخيار واعد في المستقبل القريب ضمن منظومة علاج إدمان ألعاب الفيديو.
تقنية التحفيز المغناطيسي للدماغ (TMS) في علاج إدمان ألعاب الفيديو
تشمل تقنيات التحفيز الدماغي غير الجراحية أساليب مثل التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة (rTMS) والتحفيز الكهربائي المباشر (tDCS)، وقد بدأ الباحثون باستكشاف إمكانياتها في علاج الإدمان السلوكي مؤخرًا.
ترتكز فكرة هذه العلاجات على تعديل نشاط الخلايا العصبية في مناطق محددة من الدماغ باستخدام مجال مغناطيسي أو تيار كهربائي خفيف، بهدف تحسين الوظائف التنظيمية للدماغ وكبح جماح الرغبات القهرية.
بالنسبة لإدمان ألعاب الفيديو، فإن المناطق المستهدفة غالبًا ما تشمل القشرة أمام الجبهية الظهرية الجانبية (وهي منطقة مرتبطة بالتحكم التنفيذي وضبط السلوك) بالإضافة إلى دوائر المكافأة العميقة في الدماغ التي يُعتقد أنها مفرطة النشاط لدى المدمن.
الدلائل الحديثة تشير إلى نتائج مشجعة، ففي دراسة تحليلية موسعة نُشرت عام 2023، جرى تقييم 13 نوعًا مختلفًا من التدخلات العلاجية للإدمان الرقمي (بما في ذلك إدمان الإنترنت والألعاب) لدى ما يفوق 3500 مريض، وتوصل الباحثون إلى أن أفضل النتائج العلاجية تحققت عند الجمع بين التحفيز المغناطيسي المتكرر للدماغ (rTMS) والعلاج السلوكي المعرفي (CBT).
هذا المزيج العلاجي جاء في المرتبة الأولى من حيث تخفيف الأعراض وتحسين حالة المرضى، مقارنة بطرق أخرى كثيرة. والمثير للاهتمام أيضًا أن العلاج بالتحفيز المغناطيسي وحده (دون علاج نفسي مرافق) صُنّف ضمن أحد أفضل أربع استراتيجيات فعّالة في تقليل إدمان الإنترنت/الألعاب.
أي أن الرنين المغناطيسي المتكرر أظهر تأثيرًا ملحوظًا حين استخدامه بمفرده أيضًا، وإن كان تعزيزه بجلسات سلوكية يقدم فائدة أعظم. يُعزى ذلك إلى قدرة التحفيز المغناطيسي على تقليل مستوى الرغبة الشديدة (craving) عن طريق تعديل نشاط دوائر المكافأة، وكذلك تحسين التحكم المعرفي عبر تنشيط قشرة الفص الجبهي مما يساعد المريض على مقاومة الإلحاح للعب.
وفي إحدى التجارب الميدانية، طبّق باحثون صينيون تقنية tDCS (التحفيز الكهربائي المباشر، وهي شبيهة من حيث المبدأ بـTMS) على مراهقين مدمنين، فوجدوا أن إضافة جلسات tDCS إلى العلاج السلوكي ساعدت في تقليل الأعراض بمقدار أعلى من العلاج السلوكي وحده.
ورغم أن نتائج التحفيز الدماغي لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن هناك تقارير حالة مشجعة: فمثلًا، أشارت ورقة حالة إيطالية إلى نجاح استخدام بروتوكول rTMS مخصص لاستهداف مناطق التحكم التنفيذي في الدماغ لدى مدمن ألعاب، مما أدى إلى تحسن ملحوظ في قدرته على تنظيم وقت اللعب وخفض مستوى انشغاله الذهني بالألعاب بعد عدة أسابيع من الجلسات.
يوافق هذا التوجه ما أثبتته بحوث إدمان المخدرات، حيث يُستخدم TMS لتقليل اشتهاء المواد المخدرة عبر استهداف نفس الدوائر العصبية. وبالتالي فمن المنطقي تطبيقه على الإدمان السلوكي.
من المهم التأكيد أن التحفيز المغناطيسي تقنية طبية متقدمة يجب أن تجرى تحت إشراف متخصصين في منشآت مرخّصة، كما أن عدد الجلسات ومواضع التطبيق تحتاج إلى تحديد دقيق بحسب كل حالة. ومع أن TMS عموماً آمن وغير مؤلم (الشعور يقتصر على نقرات بسيطة على الرأس)، فقد تظهر آثار جانبية خفيفة كالصّداع أو وخز في فروة الرأس لدى بعض الأشخاص.
لكن بالنظر إلى نتائج الدراسات الحديثة، قد يصبح التحفيز المغناطيسي للدماغ إضافة قيّمة إلى ترسانة العلاجات الطبية لإدمان ألعاب الفيديو، خاصةً للحالات المستعصية أو عند توافر هذه التقنية في المراكز العلاجية المتخصصة. لا يزال المجال بحاجة إلى مزيد من البحث لتحديد البروتوكولات المثلى، لكنه بالتأكيد يمثل أحد أحدث الطرق الطبية المبتكرة المطروحة حاليًا.
اقرأ أيضًا: فوائد وإيجابيات ألعاب الفيديو لدى الأطفال والكبار ودورها في التعليم
التدخلات الرقمية عبر التطبيقات العلاجية لإدمان ألعاب الفيديو
مع الانتشار الكبير للهواتف الذكية والتقنيات المحمولة، برز اتّجاه حديث في العلاج النفسي يعتمد على التطبيقات الرقمية التفاعلية كوسيلة لتقديم العلاج أو الدعم السلوكي عن بُعد. تُسمى هذه الفئة من الحلول بـ”العلاجات الرقمية” (Digital Therapeutics) عندما تكون مبنية على أسس علمية ومُجازة طبيًا.
الفكرة هنا هي استغلال التكنولوجيا لمساعدة المدمن على تعديل سلوكه بنفس الأداة التي ساهمت في إدمانه (الأجهزة الرقمية)، وذلك عبر تطبيقات تقدم برامج علاجية شخصية يمكن استخدامها في أي وقت وأي مكان.
حديثًا، وافقت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على عدد من التطبيقات العلاجية لبعض الاضطرابات النفسية، ففي مايو 2024 مثلًا، تم اعتماد أول تطبيق رقمية علاجي لعلاج الاكتئاب باسم Rejoyn، وهو موجه للأشخاص الذين لا يستجيبون بشكل كافٍ لمضادات الاكتئاب التقليدية.
يمثل هذا إنجازًا في مجال العلاجات الرقمية، ويفتح الباب مستقبلاً لاعتماد تطبيقات مشابهة في مجال إدمان الألعاب عند توفر الدليل العلمي الكافي، وعلى الرغم من عدم وجود تطبيق معتمد خصيصًا لإدمان الألعاب حتى الآن، إلا أن هناك محاولات بحثية جادة لتطوير مثل هذه الأدوات.
إلى جانب التطبيقات العلاجية المباشرة، توجد أيضًا أدوات رقمية مساعدة للوقاية وإدارة الوقت يمكن أن يستفيد منها الأفراد والأسر، فالكثير من أنظمة تشغيل الأجهزة الذكية تحتوي الآن على خواص “الصحة الرقمية” أو ضبط وقت الشاشة (Screen Time) التي تمكّن المستخدم من مراقبة مدة استعماله للتطبيقات والألعاب ووضع حدود يومية.
كما توفر شركات التقنية الكبرى تطبيقات رقابة أبوية مثل Google Family Link ونسخة الأطفال من YouTube (يوتيوب كيدز) وخصائص التحكم الأبوي في أجهزة آبل، وجميعها صُممت لمساعدة الأهل في مراقبة سلوك أبنائهم الرقمي.
أظهرت دراسة نوعية حديثة في 2024 (في إندونيسيا) أن الآباء والمعالجين يجدون فائدة في هذه التدخلات الرقمية لضبط سلوك الأطفال الرقمي وتشجيع العادات الصحية، رغم وجود بعض التحديات المتعلقة بسهولة الاستخدام ووعي الأهل بطبيعة هذه الأدوات.
من هنا، فإن مستقبل مكافحة إدمان الألعاب قد يشهد تعاونًا بين الخبراء الطبيين ومطوري البرمجيات لابتكار تطبيقات أكثر تخصصًا – ربما ألعاب علاجية مضادة للإدمان! – تستهدف تحسين التحكم الذاتي وتعزيز أنماط الحياة المتوازنة.
وفي انتظار ذلك، ينصح الخبراء باستخدام ما هو متاح حاليًا من تطبيقات الدعم (مثل تطبيقات التأمل والاسترخاء، أو تطبيقات تنظيم الوقت) كجزء من خطة التعافي. فعلى سبيل المثال، يمكن لتطبيقات التأمل مثل Headspace أو Calm مساعدة المدمن على تخفيف التوتر وتحسين نومه كعامل مساعد للتعافي، في حين أن تطبيقات تعقب العادات يمكن أن تشجعه على الالتزام بأهداف تقليل وقت اللعب تدريجيًا.
بشكل عام، تمثل التدخلات الرقمية أداة جديدة وواعدة تضاف إلى وسائل العلاج التقليدية. إنها توفر درجة من الخصوصية والمرونة، وتخاطب الجيل الرقمي بلغته المألوفة. ولكن يجب التأكيد على أن فعالية هذه التطبيقات تعتمد على جدية المستخدم والتزامه، ويجب اللجوء لها كمكمل للدعم البشري وليس كبديل تام في الحالات المتقدمة.
ومع التطور المستمر في هذا المجال، قد نرى قريبًا تطبيقات مُجازة خصيصًا كعلاج لإدمان ألعاب الفيديو، مما سيوسع نطاق الوصول للعلاج بتكلفة أقل وعلى نطاق أوسع.
أمثلة لحالات ناجحة في التعافي من إدمان ألعاب الفيديو
إن قصص النجاح الواقعية تعطي أملًا كبيرًا للمصابين بإدمان ألعاب الفيديو وأسرهم، وتبين أن العلاج ممكن والشفاء ليس بعيد المنال عند اتباع الخطط العلمية المناسبة، ولذلك فيما يلي بعض الأمثلة لحالات تعافت باستخدام الطرق الحديثة التي ناقشناها:
حالة مراهق تمكن من الشفاء عبر الجمع بين CBT والدواء: نشرت دورية طبية عام 2024 تقرير حالة عن فتى يبلغ من العمر 13 عامًا كان يعاني من اضطراب إدمان الألعاب بدرجة شديدة، تمكن من تحقيق تحسّن ملحوظ بعد خطة علاجية شملت العلاج السلوكي المعرفي المكثف بالتوازي مع تناول دواء البوبروبيون.
في هذه الحالة، خضع المراهق لجلسات CBT أسبوعية ركزت على بناء مهارات تنظيم الوقت وتغيير الأفكار المحفزة للعب، وفي نفس الوقت تناول جرعة خاضعة للإشراف الطبي من البوبروبيون للمساعدة في تخفيف الاكتئاب المصاحب ولتقليل الاندفاعية تجاه اللعب.
بعد عدة أسابيع، أظهرت التقييمات أن سلوكيات اللعب القهرية تراجعت بشكل كبير واستعاد الشاب توازنه الاجتماعي؛ حيث عاد لممارسة نشاطات مدرسية ورياضية وكون صداقات جديدة بعد أن كان معزولًا.
يؤكد الباحثون أن هذا التحسن تزامن مع تحسن في وظائفه التنفيذية (مثل التحكم بالنفس) وارتفاع شعوره بالقدرة على تنظيم حياته، مما يدل على فعالية المنهج العلاجي المزدوج (العلاج النفسي مع الدوائي) في مثل هذه الحالات.
لقد أبرزت هذه الحالة أيضًا أن معالجة أي اضطرابات نفسية مرافقة – الاكتئاب في هذه الحالة – تساهم بقوة في نجاح خطة التعافي.
حالة شاب تعافى بالاعتماد على العلاج النفسي فقط: نُشرت عام 2021 دراسة حالة أخرى في مجلة دولية تصف رحلة علاج شاب جامعي أدمن الألعاب الإلكترونية لدرجة تركه الأنشطة الأكاديمية والاجتماعية. تم تطبيق برنامج علاج نفسي فردي معه تضمن 12 أسبوعًا من جلسات العلاج السلوكي المعرفي الموجه نحو إدمان الإنترنت.
خلال العلاج، تعلم المريض استراتيجيات لإدارة الوقت ووضع جداول صارمة للعب والالتزام بممارسة نشاط بديل (رياضة الجري) كلما راوده الحنين للعبة. بنهاية البرنامج وبالمتابعة بعد بضعة أشهر، أفاد المعالجون بأن الشاب نجح في الامتناع التام عن الألعاب لفترة طويلة واستأنف دراسته الجامعية بتفوق.
كما طور علاقات اجتماعية أفضل وتحسّنت نوعية نومه وصحته العامة. هذه الحالة – إلى جانب نتائج دراسات أوسع – تبرهن على أن العلاج السلوكي المنتظم قادر على إحداث تغير جوهري في حياة المدمن حتى دون تدخل دوائي، خاصةً لدى الأشخاص الذين لديهم الدافع الداخلي القوي للتغيير.
برامج دعم مجتمعية وقصص تحول ملهمة: إضافة إلى التقارير الطبية، هناك الكثير من قصص النجاح المتداولة في المجتمع ومنصات الدعم. فمثلًا، هناك مجموعات دعم على الإنترنت يشرف عليها اختصاصيون يشارك فيها متعافون من إدمان الألعاب تجاربهم.
أحد هؤلاء، شاب في العشرينات، شارك قصته على منتدى علاجي بأنه بعد معاناة لفترة المراهقة، تمكن من التحرر من قيود الألعاب عبر الانضمام إلى برنامج إعادة تأهيل متخصص (مشابه لبرامج إعادة تأهيل الإدمان التقليدي).
تضمن البرنامج فترة “#ديجيتال_ديتوكس” انقطع فيها كليًا عن أي أجهزة إلكترونية لمدة 30 يومًا، تخللها جلسات مشورة فردية وجماعية وتمارين لبناء عادات يومية جديدة مثل القراءة والتمارين الرياضية. يصف الشاب كيف كانت الأيام الأولى صعبة مع أعراض قلق وملل شديدة، لكنه بدعم الفريق والمجموعة قاوم، وبدأت حالته المزاجية تتحسن تدريجيًا.
بنهاية البرنامج، عاد للتحكم في حياته وأعاد إحياء شغفه القديم بالرسم، وأصبحت الألعاب بالنسبة له مجرد نشاط ترفيهي بسيط لا يتجاوز ساعة في الأسبوع. قصص كهذه تلهم آخرين وتؤكد أن الشفاء ممكن مهما بدت الحالة صعبة، شرط الالتزام والصبر.
من المهم الإشارة إلى أن مسارات التعافي قد تختلف من شخص لآخر؛ فبعض الحالات تستجيب سريعًا خلال أسابيع، وأخرى تتطلب أشهرًا أو ربما أكثر مع محاولات متعددة، هناك أيضًا نسبة من المرضى قد يحدث لديهم انتكاسات عابرة (العودة للعب بشراهة لفترة قصيرة)، لكن الأهم هو التعامل مع الانتكاسة كجزء طبيعي محتمل من رحلة العلاج، وإعادة تصحيح المسار بسرعة بمساعدة المختصين ودعم الأسرة.
إن وجود قصص نجاح متنوعة – من المراهق الذي عولج بالعلاج والمعرفة، إلى الشاب الذي تغلّب عبر إعادة التأهيل وبدون دواء – يعطينا رؤى قيمة: فالعلاج الشخصي المتكامل الذي يناسب احتياجات الفرد وظروفه هو المفتاح الأساسي للنجاح. ومع تزايد فهمنا العلمي وتطور الأساليب العلاجية، نتوقع ارتفاع نسب النجاح أكثر وأكثر في المستقبل القريب.
نصائح للوقاية والعلاج الذاتي من إدمان ألعاب الفيديو
إلى جانب الطرق الطبية والنفسية المتخصصة، هناك العديد من الخطوات العملية التي يمكن لأي شخص اتباعها للوقاية من إدمان الألعاب أو السيطرة عليه ذاتيًا (في الحالات الخفيفة إلى المتوسطة). هذه النصائح مفيدة أيضًا للمُتعافي حتى يحافظ على تقدمه ويتجنب الانتكاس. فيما يلي بعض الإرشادات المهمة:
تنظيم الوقت وتحديد جداول للعب: من الضروري وضع حدود زمنية صارمة لممارسة ألعاب الفيديو.
على سبيل المثال، يمكن للفرد أن يحدد لنفسه ساعتين فقط من اللعب في أيام عطلة نهاية الأسبوع، والامتناع تمامًا خلال أيام الأسبوع الدراسية أو العملية. تساعد أدوات المؤقت أو تطبيقات مراقبة الوقت في الالتزام بهذه الحدود.
كما يُنصح بأداء النشاطات الضرورية (الدراسة/العمل، الواجبات المنزلية، التمرين) قبل الشروع في اللعب كمبدأ “الواجب أولًا ثم المكافأة”، ووفقًا لخبراء الإدمان، فإن مراقبة وقت اللعب باستمرار هي خطوة أساسية لاكتشاف المشكلة مبكرًا أيضًا.
فإذا لاحظتَ أنك تزيد ساعات اللعب تدريجيًا وتُهمل أنشطة أخرى، كن صريحًا مع نفسك وابدأ فورًا في تطبيق الضوابط الزمنية.
تجنب البيئة المثيرة للعب: حاول إبعاد الأجهزة الإلكترونية أو تقليل سهولة الوصول إليها خلال فترات الإقلاع أو التقليل.
مثلًا، قد يكون من المفيد وضع جهاز الألعاب في غرفة مشتركة بدلًا من غرفة النوم لتقليل ساعات اللعب ليلًا. البعض يختار فصل الاتصال بالإنترنت أو وضع كلمات مرور معقدة على متجر الألعاب لمنع تنزيل ألعاب جديدة بشكل اندفاعي.
الهدف هو جعل عملية البدء في اللعب أقل سهولة مما يكبح السلوك القهري. وبالمثل، تجنب متابعة قنوات أو منتديات الألعاب بشكل مستمر لأنها قد تثير الرغبة في العودة للعب. استبدل ذلك بمتابعة محتوى ملهم لتطوير الذات أو هوايات أخرى.
ممارسة نشاطات بديلة ممتعة: املأ فراغ وقتك بأنشطة تحقق لك المتعة والفائدة بعيدًا عن الشاشات.
النشاط البدني من أفضل الخيارات؛ فالتمارين الرياضية أو الرياضات الجماعية لا تمنحك فقط شعورًا بالسعادة عبر إفراز الإندورفين، بل تشغل وقتك وتبقيك بعيدًا عن التفكير في اللعب. أشارت أبحاث حديثة إلى أن دمج النشاط الرياضي مع خطة العلاج يزيد من نسبة نجاح التعافي، لأنه يحسّن المزاج والصحة العامة ويكوّن روتينًا جديدًا إيجابيًا.
أيضًا جرب هوايات ذهنية مثل القراءة، أو تعلم مهارة فنية (عزف آلة موسيقية، الرسم، الطبخ). العثور على شغف جديد سيعيد توجيه تركيزك بعيدًا عن الألعاب ويمنحك شعورًا بالإنجاز في الحياة الواقعية.
تقوية الروابط الاجتماعية والدعم الأسري: لا تعزل نفسك – فالوحدة تخلق بيئة خصبة للاستسلام للألعاب هربًا من الواقع.
احرص على قضاء وقت يومي مع العائلة (تناول وجبات مشتركة بدون أجهزة إلكترونية) وحاول التواصل مع أصدقاء خارج نطاق الألعاب. أخبر المقرّبين منك عن خطتك للتعافي من الإدمان واطلب دعمهم. ربما يساعدونك بمشاركتك أنشطة ترفيهية بديلة أو حتى بمساءلتك بلطف عن التزامك بالخطوات.
الدعم الجماعي مفيد جدًا أيضًا؛ فكر في حضور مجموعة دعم محلية أو إلكترونية للمدمنين المتعافين، حيث يمكنك مشاركة التحديات وتعلم استراتيجيات من الآخرين. يُعتبر العلاج الجماعي أحد أكثر التدخلات فعالية للحفاظ على الدافعية، خاصة لمن فقد صداقاته بسبب الألعاب.
استخدام التقنيات المساعدة للانضباط: كما ذكرنا آنفًا، يمكن للتطبيقات والبرامج التقنية أن تكون سلاحًا ذو حدين، لكنها في حالة التعافي تصبح أداة إيجابية إذا استُخدمت بشكل صحيح.
فعّل خاصية مراقبة الوقت على جهازك لترى عدد الساعات التي تقضيها على كل لعبة؛ وعيك بالرقم وحده قد يدفعك للتغيير. استخدم تطبيقات الرقابة التي تحجب عنك الألعاب في أوقات محددة (هناك تطبيقات تمكنك من حظر نفسك من استخدام تطبيقات معينة لفترات زمنية تضبطها مسبقًا).
وإذا كنت تعاني لحظات ضعف، لا تتردد في الاستعانة بأحد أفراد الأسرة ليحتفظ بكلمة مرور حساباتك لفترة مؤقتة لمنعك من الولوج للألعاب دون تفكير. بالنسبة للأطفال والمراهقين، على الأهل تفعيل أدوات الرقابة الأبوية (مثل التطبيقات المذكورة سابقًا كـGoogle Family Link) لمراقبة نشاط الأبناء ووضع ضوابط صحية.
اتباع عادات صحية عامة: تؤثر العادات اليومية كثيرًا على قدرتنا على ضبط سلوكنا.
احرص على نوم منتظم وكافٍ ليلًا (7-8 ساعات) لأن الإرهاق قد يدفعك للجوء للألعاب كتنبيه أو هروب، كذلك اتّبع نظامًا غذائيًا متوازنًا؛ نقص بعض الفيتامينات أو سوء التغذية قد يؤثر سلبًا على مزاجك وطاقة جسمك فتقل إرادتك.
تجنب تناول الكافيين أو السكريات ليلًا لأنها قد تزيد الأرق وتجعلك تلجأ للألعاب، أيضًا مارس تقنيات الاسترخاء النفسي مثل التأمل والتنفس العميق – يمكن الاستعانة بتطبيقات تدريب التأمل – للمساعدة في تخفيف القلق والتوتر الذين قد يكونان دافعًا للعب القهري.
من الجدير بالذكر أن تمارين اليقظة الذهنية (mindfulness) ثبتت فعاليتها في تعزيز التعافي من إدمان الألعاب، إذ تساعد الشخص على مراقبة أفكاره ورغباته من دون أن ينجرف معها.
وضع أهداف تدريجية واقعية: إذا كان هدفك “التوقف التام عن اللعب” يبدو صعب المنال في البداية، فقسّمه إلى مراحل.
على سبيل المثال: ابدأ بتقليل ساعات اللعب بنسبة 50% هذا الأسبوع، ثم 75% الأسبوع المقبل، وصولًا إلى هدف معين (ساعة أسبوعيًا أو الامتناع لشهر). كافئ نفسك عند تحقيق كل هدف فرعي – ليس بألعاب أخرى طبعًا! – بل بشيء تحبه مثل الخروج في نزهة أو شراء شيء مفضل.
تحقيق الانتصارات الصغيرة يبني الثقة ويثبت لك أنه يمكنك السيطرة. وتذكّر أنه لا بأس إن تعثرت يومًا وخالفت الجدول؛ المهم هو أن تعود للإلتزام فورًا في اليوم التالي.
معرفة متى تلجأ للمختصين: إن خطوات المساعدة الذاتية ضرورية، لكنها قد لا تكفي وحدها في بعض الحالات.
يجب عليك أو على أسرتك مراقبة الوضع. إذا استمر الشعور بفقدان السيطرة على الرغم من المحاولات، أو استمرت الآثار السلبية الكبيرة (مثل تدهور كبير في الدراسة أو العمل أو ظهور اكتئاب حاد أو مشاكل صحية خطيرة بسبب السهر)، فهذا مؤشر قوي على ضرورة طلب المساعدة المتخصصة فورًا.
لا تتردد في التواصل مع طبيب نفسي أو أخصائي علاج إدمان تقنيات؛ فالتدخل المبكر قد يمنع تفاقم المشكلة. أيضًا، في حالة الأطفال والمراهقين، إذا لاحظ الأهل سلوكيات خطرة أو انسحابًا اجتماعيًا شديدًا لدى ابنهم بسبب الألعاب، ينبغي ترتيب استشارة مع اختصاصي نفسي طفولي.
قد يستدعي الأمر برنامج علاج مكثف تحت الإشراف المهني قبل خروج الوضع عن السيطرة. تذكّر أن الاستعانة بالمتخصص ليست علامة فشل منك، بل هي دليل شجاعة وحرص على الصحة.
باتباع هذه النصائح، يستطيع الكثيرون تقليل خطر الإدمان أو البدء برحلة التعافي الذاتية بنجاح. هي أشبه بخارطة طريق لحياة رقمية متوازنة: قليل من التنظيم، كثير من الدعم، وجرعة ثقة بالنفس. ومع الوقت، سيجد الشخص أن استمتاعه بالألعاب قد عاد إلى وضعه الطبيعي كنشاط ممتع ضمن حدود، بدلًا من أن يكون محور حياته المسيطر.
اقرأ أيضًا: لا تحرمه من اللعب! كيف تجعل نشاط طفلك مع الألعاب صحي وغير ضار
خاتمة: نحو التوازن الرقمي وتعزيز الصحة النفسية
في الختام، التخلص من الإدمان على ألعاب الفيديو ممكن تمامًا عند الاستعانة بالأساليب العلمية الحديثة والتعامل الشامل مع جوانب المشكلة النفسية والبيولوجية. لقد استعرضنا أحدث الحلول الطبية والنفسية المبتكرة – من العلاج السلوكي المعرفي الذي أثبت فعاليته العالية، مرورًا بالمحاولات الدوائية الواعدة، وتقنيات الواقع الافتراضي والتحفيز المغناطيسي الثورية، وصولًا إلى التطبيقات الرقمية الداعمة للعلاج.
هذه المقاربات مجتمعة تشكّل أدوات قوية يمكن تخصيص استخدامها وفق حالة كل فرد. فبعض الحالات تستجيب بشكل أفضل للعلاج النفسي الفردي، وأخرى قد تحتاج مزيجًا دوائيًا، وثالثة قد يستفيد أصحابها من دمج التكنولوجيا في الخطة العلاجية لإضفاء عنصر التحفيز والتجديد.
الأهم من العلاج ذاته هو ترسيخ مفهوم “التوازن الرقمي” في حياتنا اليومية. فالألعاب الإلكترونية – كغيرها من وسائل الترفيه الرقمية – ليست شرًا مطلقًا؛ إذ يمكن أن تكون هواية ممتعة ومفيدة إذا مورست باعتدال. لكن الإفراط فيها دون ضوابط هو ما يحوّل المتعة إلى ضرر.
لذلك فإن رسالة الخبراء اليوم تركز على تبنّي أسلوب حياة رقمي صحي: حدد لنفسك أوقاتًا مخصصة للتقنية، وأوقاتًا “خالية من الشاشات” تخصصها للتفاعل الإنساني المباشر أو النشاط البدني أو التأمل الذاتي. علّم أطفالك منذ الصغر قيمة هذا التوازن عبر وضع قدوة إيجابية في الاستخدام المعتدل للتقنية.
وفي البيئات التعليمية والمجتمعية، ينبغي زيادة الوعي بمخاطر إدمان الألعاب تمامًا كما نتحدث عن مخاطر التدخين أو المخدرات، فالصحة النفسية للشباب تستحق نفس القدر من الاهتمام.
أخيرًا، الصحة النفسية في العصر الرقمي أصبحت تحديًا مشتركًا لنا جميعًا، وإدمان ألعاب الفيديو أحد مظاهرها التي نتعلم فهمها ومعالجتها يومًا بعد يوم. إن الجمع بين الدعم الأسري والمجتمعي وبين التطور الطبي والعلاجي يمنحنا القدرة على مواجهة هذا التحدي بنجاح.
لذا لنعمل معًا على نشر الوعي والتعاطف مع من يعانون بصمت من هذا الاضطراب، ولنشجّعهم على طلب المساعدة والاستفادة من الحلول المتاحة. بذلك فقط نستطيع بناء بيئة رقمية صحية توازن بين متعة التقنية وسلامة العقل والنفس – وهذا هو جوهر التوازن الرقمي والصحة النفسية الذي ننشده للجميع.
بالطبع، إليك قائمة احترافية بالمصادر العلمية الحديثة والموثوقة التي يمكن وضعها في نهاية المقالة لدعم محتواها الأكاديمي والطبي. تم اختيار هذه الدراسات والمراجعات بناءً على حداثتها (من 2021 فما بعد) وارتباطها المباشر بعلاج الإدمان على ألعاب الفيديو:
المصادر:
Addictive behaviours: Gaming disorder
Investigating the Effectiveness of a Virtual-Reality-Based Mindfulness Intervention on Internet Gaming Disorder
Video Game Addiction
Effective interventions for gaming disorder: A systematic review of randomized control trials
A Systematic Review of Pharmacological Treatments for Internet Gaming Disorder
A Case Report of Internet Gaming Disorder Treated With Bupropion and Cognitive Behavioral Therapy
An App for Therapy? Exploring Digital Therapeutics
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه