من الكتابات الجدارية إلى عمليات القتل...كيف تجند إيران إسرائيليين لمهام تجسسية؟

فلاديسلاف فيكتورسون 31 عاما، وشريكته أنيا بيرنشتاين 19 عاما، زوجان إسرائيليان يجلسان في قاعة محكمة مكتظة بتل أبيب خلف نافذة زجاجية وهما يرتديان زيّ السجن البني. إلى جانبهما، حراس يراقبونهما، بينما يقوم محقق الشرطة بتقديم لائحة اتهام مطولة ضدهما. ويُعدّ هذان الزوجان من بين عشرات الإسرائيليين، من جميع الأعمار والأديان، الذين يمثلون حاليا أمام المحاكم الإسرائيلية بتهمة مساعدة نظام طهران من خلال مشاركتهم في أعمال تخريب بل وأيضا في مؤامرات اغتيال. وفيما يُشاد في إسرائيل بالموساد - جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي - لقدرته على التسلل في عمق الجمهورية الإسلامية، بما في ذلك الوصول إلى القيادة العسكرية العليا في البلاد، اكتشفت الدولة العبرية منذ عدة أشهر هي الأخرى عن وجود جواسيس داخل أراضيها ومن بين سكانها يعملون لصالح العدو. اقرأ أيضاإيران تنفذ حملة اعتقالات وتعدم 3 رجال بتهمة التجسس لحساب إسرائيل منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول والحرب في غزة، تضاعفت الاعتقالات بتهمة التجسس في إسرائيل، ما دفع عشرات الأفراد للمثول أمام المحاكم لأسابيع كاملة. وبحسب السلطات الإسرائيلية، تأمل طهران في تأجيج الانقسامات الداخلية في البلاد لإضعاف أمنها الداخلي. كتابات جدارية ومركبات تحترق واغتيالات... وفي ظل الحرب الخفية بين البلدين، بينما يفضل الموساد التركيز على تسلل عملائه ذوي الكفاءات العالية إلى إيران، تحاول طهران، من جهتها، الاعتماد أكثر على شرائح المجتمع الإسرائيلي البسيطة. ومثل العادة، تستخدم طهران نفس الأسلوب، والذي يتمثل في استدراج المجندين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عبر إعلانات صغيرة غامضة تعِد بمكافآت بالعملات المشفرة. وأفادت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأن المهام الموكلة إلى فلاديسلاف فيكتورسون وزوجته أنيا بيرنشتاين، كانت في البداية بسيطة وعديمة الخطورة نسبيا. وتضمنت المهمة كتابات على الجدران تحمل رسائل ضد الحكومة الإسرائيلية، كمقارنة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بهتلر مثلا. وكان يقبض كل منهما 600 دولار، حوالي 515 يورو. لكن تدريجيا، تعددت طلبات مُشغِّلهم، الذي كشفت السلطات الإسرائيلية لاحقا بأنه عميل إيراني. إذ سرعان ما كُلِّف الزوجان بتخريب صناديق الكهرباء في الشوارع بالحامض، وإضرام النار في المركبات، واختبار متفجرات بدائية الصنع معدّة من المفرقعات النارية وعلب مثبتات الشعر. اقرأ أيضاالشرطة الإسرائيلية تلقي القبض على مواطنين يشتبه في تجسسهما لصالح طهران ثم أتت المهمة النهائية والمتمثلة في اغتيال أستاذ جامعي إسرائيلي. وفي المقابل، وُعدا بمكافأة قدرها 100 ألف دولار، وسداد ديونهما بالكامل، مع فرصة الانتقال إلى الخارج لبدء حياة جديدة. لكن لم تنفذ العملية، وأُلقي القبض على الزوجين بعد وقت قصير من إبلاغ فلاديسلاف فيكتورسون "مشغّله" بأنه وجد طريقة للحصول على بندقية قنص. أنيا بيرنشتاين "فتاة صغيرة تعيسة تم التأثير عليها"...بهذه العبارات بدء محاميها ياروسلاف ماتز مرافعته أمام المحكمة، واصفا إياها بأنها مراهقة ساذجة، مقتنعة بأنها تعمل لصالح نشطاء سياسيين وليس لأجهزة استخبارات أجنبية، وأصر على أنها لم تكن متورطة في مؤامرة الاغتيال. ومن جهته، اعتبر محامي فلاديسلاف فيكتورسون أنه لا يوجد دليل ملموس يربط "المشغل" السري بإيران. وقد رفض ضابط شرطة شارك في التحقيق هذا الدفاع رفضا قاطعا. أضعف شرائح المجتمع... معاقل للتجنيد وبلغت مجمل الاعتقالات في العام 2024 أربعين شخصا في قضايا مشابهة. كما تم ضبط 25 قضية تجنيد عبر الإنترنت، وإحباط عشرات المؤامرات الأخرى، بحسب الحكومة الإسرائيلية. ويبقى نمط التجنيد نفسه، إذ يبدو أن جميع المشتبه بهم ينتمون إلى شرائح متنوعة من المجتمع الإسرائيلي، من المراهقين وصولا إلى المتقاعدين، سواء كانوا يهودا أو علمانيين أو متدينين، أو حتى سكان مستوطنات الضفة الغربية المحتلة. ويرى كليمان تيرم، المؤرخ المتخصص في الشؤون الإيرانية المعاصرة والمحاضر بجامعة بول فاليري في مونبلييه، أن طهران تستهدف أضعف شرائح المجتمع الإسرائيلي للتجنيد، بينهم "الإسرائيليون المولودون في إيران، والمواطنون العرب، وأيضا أي شخص يُعرب عن إحباطه واستيائه" من سياسات حكومة بنيامين نتانياهو، على حد قوله. اقرأ أيضاإسرائيل: السجن 11 عاما لوزير سابق أدين بالتجسس لصالح إيران وبهذه الطريقة، تتبنى طهران أسلوب "التسلل"، كما يوضحه الباحث، والذي يقوم على "الانسياب داخل مجموعات لتضخيم سرديات الانقسامات الداخلية في إسرائيل" مع استغلال الانقسامات المجتمعية. لذلك، فالعدو قد يكون في أي مكان تقريبا. وفي أبريل/نيسان الماضي، حُكم على "موتي" مامان، البالغ 72 عاما، بالسجن عشر سنوات بتهمة التجسس. فقد سافر هذا الكهل، المعروف لدى الشرطة كمهرب مخدرات، سرا إلى إيران من تركيا مرتين. ووفقا للجزء المنشور من لائحة الاتهام، طلبت منه الأجهزة الإيرانية تصفية شخصية سياسية إسرائيلية. وفي الوقت ذاته، أُدين أيضا فتى يبلغ عمره 13 عاما، إثر قيامه بمهام بسيطة لصالح شخص مجهول تعرف عليه عبر الإنترنت.
المواطن الإسرائيلي موتي مامان يقف في قاعة المحكمة بعد أن اتهمته أجهزة الأمن الإسرائيلية بالتورط في مؤامرة اغتيال مدعومة من إيران تستهدف شخصيات بارزة بما في ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في محكمة بئر السبع بجنوب إسرائيل، في 19 سبتمبر/أيلول 2024. © رويترز/ أرشيف
ومن جهتها، كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن قضية إسرائيلي من أصل أذربيجاني اجتُذب لتصوير منشآت حساسة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك منشآت عسكرية بالقرب من ميناء حيفا وقاعدة نيفاتيم الجوية في النقب، إضافة إلى مقر المخابرات العسكرية في غليلوت، في شمال تل أبيب... كلها مواقع استهدفتها الضربات الإيرانية خلال حرب الـ12 يوما بين إسرائيل وإيران في يونيو/حزيران 2025. إيران من بين أكبر عشر قوى إلكترونية في العالم الحرب القائمة بين إيران وإسرائيل ليست وليدة اليوم، بل تمتد جذورها إلى عقود، وتتخللها اغتيالات وصراعات عن بعد. وعلى غرار حملات التجنيد، فهي حرب قائمة على شبكة الإنترنت أيضا وبشكل متزايد. وفي هذا الصدد، يؤكد كليمان تيرم قائلا: "الاستخبارات خارج الحدود الإقليمية ليست جديدة. فإيران لديها خبرة 46 عاما في الاستراتيجيات الهجينة، وتستثمر في المجال السيبراني منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين". ويظهر ذلك جليا في تكثيف طهران لقوتها في الفضاء الإلكتروني خاصة بعد "حادثة ستوكسنت" المتعلقة بالفيروس الحاسوبي الذي اكتُشف عام 2010. ويُزعم أن الولايات المتحدة وإسرائيل قاما بتطوير هذا الفيروس لاستهداف البرنامج النووي الإيراني. واليوم، يُصنّف الخبراء إيران من بين أكبر عشر قوى إلكترونية في العالم، لا سيما في العمليات الهجومية. كما أصبحت إيران لا تكتفي بأهداف في الحكومة الإسرائيلية فحسب. ويوضح الخبير كليمان قائلا: "من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، تستهدف طهران أيضا النشطاء والباحثين والدبلوماسيين والمحللين العسكريين، بل وأي شخص في الأوساط الأكاديمية أو السياسية الغربية المهتمة بالشأن الإيراني". وفيما لم تُعلق طهران على المحاكمات المتعلقة بعملية التجسس الجارية في إسرائيل، تتهم الحكومة الإيرانية نظيرتها الإسرائيلية بانتظام بالتسبب في حرائق وانفجارات على أراضيها. ومنذ صراع يونيو/حزيران الماضي، أعدمت المحاكم الإيرانية عدة أشخاص متهمين بالتجسس لصالح الدولة العبرية. "مال سهل مقابل ثمن باهض" وفي محاولة للتصدي لذلك، أطلقت إسرائيل حملة توعية عامة واسعة النطاق في يوليو/تموز الماضي تحت عنوان "مال سهل مقابل ثمن باهظ". ويظهر أو يُسمع في إعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الإذاعة، رجال ونساء عاديون يتناولون الطعام مع عائلاتهم أو أصدقائهم، قبل أن يظهر أو يُسمع عنوان فرعي: "مقابل 5000 شيكل (حوالي 1500 دولار)، هل يستحق الأمر تدمير حياتك؟" وبعد ثوانٍ، توضح السلطات أن هذا المبلغ هو تقريبا ما تلقاه المتهمون بالتجسس لتنفيذ مهامهم لصالح إيران. لكنهم يُصرّون قائلين: "من قبلوا المال هم الآن خلف القضبان ويواجهون عقوبة سجن تصل إلى 15 عاما". وعلى غرار عديد المحاكمات الشبيهة الجارية في صمت بمختلف أنحاء إسرائيل، يُصنف هؤلاء الأشخاص المتهمون بالتجسس في خانة "الخونة"، ويواجهون أحكاما قاسية، قد تصل إلى السجن المؤبد في ظروف حرب خفية بين العدوَّيْن اللدودين.. وقد تصدر مثل هذه الأحكام بحق فلاديسلاف فيكتورسون وزوجته آنا بيرنشتاين، في انتظار محاكمتهما بتهمة التخريب والحرق المتعمد والتآمر لارتكاب جريمة قتل. النص الإنكليزي: أناييل جوناه | أعده للعربية: فارس بوشية
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً

قوة اليورو تزداد لكنها غير موائمة
منذ 2 أشهر

كيف نجذب مدخرات العاملين الأجانب؟
منذ 2 أشهر