Syria News
جاري تحميل الأخبار العاجلة...

صندوق التنمية السوري بين الجدل والأمل

الجمعة، 12 سبتمبر 2025
صندوق التنمية السوري بين الجدل والأمل

شهد الأسبوع الأول من شهر أيلول الجاري انطلاقة صندوق التنمية السوري، وذلك بعد شهرين من إصدار الرئيس الشرع مرسوماً بتأسيسه.

ومع انطلاقته الاحتفالية، الرسمية والخطابية، تم عقد جلسة تعهدات بتبرع وهبات تجاوزت ستين مليون دولار أميركي. وعلى الرغم من تحديد المرسوم المُشار إليه العديد من ركائز عمل هذا الصندوق، باعتباره معتمداً على التبرعات والهبات والعطاءات، ومرتبطاً بعملية إعادة الإعمار، وكذلك تحديد قطاعات عمله بالتعليم والصحة والسكن والبنى التحتية، إلا أن ذلك لم يمنع من وقوع جدل حول ماهيته وقنوات صرف أمواله، والأولويات التي يمكن أن يشتغل عليها، والدور الحقيقي له في ظل المتطلبات الهائلة لعملية إعادة الإعمار، والتداخل المحتمل في عمله مع صناديق وهيئات أخرى، وربما وزارات ومؤسسات عامة موجودة تعمل ضمن العناوين نفسها التي سيشتغل عليها هذا الصندوق.

على الرغم من أن الصندوق لم يضع بعد خطة عمله، ولم يتم تحديد هيكله التنظيمي ولا نظامه الداخلي، إلا أن مرسوم تأسيسه نص على مساهمته في إعادة الإعمار.

أسُّ هذا الجدل كان شكلياً، ودار حول اعتبار هذا الصندوق سيادياً أم لا. وعلى الرغم من أن المرسوم الذي أوجده يوضح بصورة جلية اعتماده على أموال داعمين خارج مؤسسات الدولة ومواردها، من رجال أعمال وشركات وأفراد، وبالتالي لا يمكن اعتباره سيادياً بأي حال من الأحوال، لأن الصناديق السيادية تعتمد على الموارد العامة التي تقدمها الدولة، من قبيل فائض الموازنة العامة الحكومية وفائض تصدير الموارد الطبيعية وغيرها، إلا أن هذا الاختلاف جرَّ خلطاً آخر بخصوص ميدان عمله، حيث أكد مدير عام الصندوق وبعض المسؤولين الاقتصاديين عبر الإعلام أن سيادية هذا الصندوق "المفترضة" تقتضي عمله بالتضافر والتكامل مع وزارات الحكومة الانتقالية ومؤسساتها العامة الاقتصادية والإدارية والمحافظات، والهيئات الأخرى العامة ذات الصلة، على الرغم من أن ذلك كله ليس منصوصاً عليه في المرسوم عينه.

جدل آخر برز على وسائل التواصل الاجتماعي، وامتنع مدير الصندوق عن التعبير عن رأيه فيه على إحدى وسائل الإعلام العربية، ودار حول الأسماء التي ظهرت في قائمة المتبرعين. إذ لم يعد اسم عائلة الخياط غريباً عن الأوساط السورية منذ توقيع اتفاقات الاستثمارات الكبرى "المليارية" في مجال الطاقة في تموز الماضي. ومع ورود معلومات حول ارتباط هذه العائلة بمحمد حمشو، كبير رجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق، ظهر ابناه أيضاً بين ضيوف الحفل، ثم في قائمة المتبرعين للصندوق بمبلغ مليون دولار. كما بدأت محركات البحث تدور على وقع أسماء أخرى، كان أو يُنتظر أن يكون لها نصيب من الاتفاقات المعقودة في مجالات المقاولات والخدمات العامة، ولاسيما الكهرباء والمياه والاتصالات، والتي أجرتها وتجريها مختلف المؤسسات العامة ذات الصلة مع العديد من الشركات الأجنبية والوطنية أو المختلطة.

والأهم مما سبق، الصدمة التي ولّدتها تصريحات بدت ارتجالية من قِبل أكثر من مسؤول اقتصادي حول المجالات والقنوات التي يمكن أن تُصرف فيها هذه التبرعات. فعلى الرغم من أن الصندوق لم يضع بعد خطة عمله، ولم يتم تحديد هيكله التنظيمي ولا نظامه الداخلي، إلا أن مرسوم تأسيسه نص على مساهمته في إعادة الإعمار، والتي يُقصد منها –بديهياً– إعادة تأهيل المناطق التي عانت من التدمير، ودعم قطاعات التعليم والصحة فيها في المرحلة الأولى على الأقل، وتشييد البنى التحتية والمرافق العامة، إضافة إلى مشاريع القرض الحسن التي ترتبط بطبيعتها ببرامج مكافحة الفقر والتمكين الاقتصادي للأسر عبر مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر، والتي يمكن أن تكون عامة لجميع الفئات ومختلف المناطق، وفق مبدأ المردودية والمساهمة الاقتصادية والاجتماعية.

وفي الواقع، وفور الإعلان عن حملة التبرعات الأولى وما تلاها في المحافظات، حاول عدد من المسؤولين ربط عمل الصندوق بالجسم الحكومي، وجرَّ الأرصدة والتدفقات النقدية التي قُدِّمت وستقدَّم له باتجاه مشاريع في نطاقٍ آخر مختلفٍ تماماً عما ورد في المرسوم. مشاريع استثمارية طويلة الأجل، حيث تحدث –مثلاً– عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق د. علي كنعان، في إحدى الوسائل الإعلامية الحكومية، عن استخدام أموال الصندوق لإحداث مشاريع استراتيجية، من قبيل إنشاء مصفاة نفط، وإقامة مصرف تمويلي، مُركّزاً على جزئية التمويل في عمل الصندوق باعتباره مؤسسة مالية، بعيداً عن الصفة الاقتصادية العامة له ولطبيعة دوره، والتي ترتبط بالمساهمة في تحقيق تنمية متوازنة لصالح المناطق الأقل جذباً للاستثمارات الكبرى أو اهتمامات القطاع الخاص. ونقصد هنا بالتأكيد المناطق التي تعرضت للحملات العسكرية التي شنها النظام على المناطق الخارجة عن سيطرته في سنوات الحرب، وبتحديد أكثر تلك المناطق الشاسعة التي عاد وسيطر عليها في الفترة 2017-2024، والتي حُرمت من كل أشكال التعويض وإعادة التأهيل، أو الدعم الخارجي، بل حُرِمَ كثير من أهاليها حتى من العودة الآمنة إليها خلال تلك السيطرة.

تقديم التعويضات المطلوبة لمساعدة المناطق التي دفعت الثمن الباهظ من تلك الحرب، وتقديم كل ما يمكن تقديمه لمساعدة أهاليها في العودة إلى حياتهم الطبيعية فيها.

وعلى الرغم من ذلك الجدل، إلا أن الآمال التي عبر عنها القطاع الأوسع من السوريين بما يمكن أن يحدثه هذا الصندوق من فارق، كانت آمالاً كبيرة، وعلى مستوى الحدث، الذي بدا فعلاً حدثاً استثنائياً. سواء عبر الطريقة التشاركية التي ظهرت في عملية تقديم التبرعات بين الداخل والخارج، والتي كانت تعبيراً عن حالة تكافل اجتماعي ذات قيمة وطنية عالية، أو عبر تحوّل الجدل الذي فصلناه آنفاً إلى نقاش مجتمعي حول الأولويات التي يجب على الصندوق والدولة وجميع الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية في سوريا الالتفات إليها. ليتحول الصندوق وموضوعه إلى مركز استقطاب واهتمام استمر لأيام، ويتوقع أن يستمر، حيث يتطلع إليه معظم السوريين كجسم اقتصادي فاعل، مالياً وتنموياً، جسم سيكون له شأن كبير في حال تنفيذه أجندة تسهم مباشرة في زيادة عوامل الجذب السكاني للنازحين واللاجئين للعودة إلى مواطنهم الأساسية. سواء وفق أولويات الاحتياج التي تنسجم مع مبادئ العدالة الانتقالية وجبر الضرر، والتي توجب على الدولة القيام بمسؤولياتها في تعويض أهالي الضحايا والمتضررين جسدياً ومادياً، بغض النظر عن قصة سقوط النظام الذي تسبب بها، أو وفق تطبيق المسؤولية الأخلاقية والقانونية التي توجب على كل من عمل مع النظام، وحقق ما حققه من ملاءات مالية متضخمة في زمن الحرب، تقديم التعويضات المطلوبة لمساعدة المناطق التي دفعت الثمن الباهظ من تلك الحرب، وتقديم كل ما يمكن تقديمه لمساعدة أهاليها في العودة إلى حياتهم الطبيعية فيها، وفق الحدود الدنيا من متطلبات التعليم والصحة، وتقديم الدعم اللازم لمعيلي الأسر فيها في استعادة مصادر كسبهم المعيشي، والتي توارثها معظمهم جيلاً بعد جيل، وعلى رأسها الزراعة في الأرياف، والحرف والمهن الأصيلة في المدن القديمة. إضافة طبعاً إلى الشفافية والحوكمة في عمل الصندوق وإنجازاته، وتقديمها بصورة لائقة للمتبرعين، بما يعنيه ذلك من بناء مصداقية ستعطيه فرصة الاستمرارية كركن من أركان الاقتصاد الوطني.

Loading ads...

وفي الواقع، فإن كل ما سبق يقتضي اعتماد الصندوق على أبناء مختلف المناطق والمدن السورية وفق معايير الكفاءة، وتحقيق مبادئ العدالة في التنمية عبر اعتماد اللامركزية، سواء في هيكلية واضحة المعالم أو في تحقيق أهدافه، وبما يؤدي إلى اتصال مباشر بالمجتمعات المحلية المستهدفة، بدءاً من مرحلة دراسة الاحتياجات، ثم التخطيط، وصولاً إلى التنفيذ وتقييم المشاريع المنجزة على أساس أعداد المستفيدين المباشرين وغير المباشرين، وبتقنيات عمل بسيطة وشفافة، تعتمد أسس مردودية النفقة والأثر الاقتصادي والاجتماعي للتدفقات النقدية الخيرية، لا أكثر.

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه