السودان يعود لمجلس الأمن بواجهة مدنية.. مبادرة سلام وسط تباين سياسي

في منعطف بالغ الحساسية من مسار الأزمة وفي ظل حرب مستمرة أنهكت الدولة والمجتمع، زار رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس الولايات المتحدة، حيث مثّل بلاده في جلسة رسمية لمجلس الأمن الدولي، مقدّماً ما أطلقت عليه الحكومة "مبادرة حكومة السودان للسلام".
الزيارة، التي جاءت في توقيت دقيق، لم تقتصر على عرض مبادرة سياسية، بل حملت دلالات أوسع تتصل بمحاولة إعادة تقديم السلطة في السودان بواجهة مدنية مباشرة أمام دوائر صنع القرار الدولي، والسعي إلى استعادة حدّ أدنى من الدعم السياسي والدبلوماسي لمسار وقف الحرب وبناء السلام، وفق ما تؤكده مصادر حكومية.
وقال محمد عبد القادر، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء السوداني لـ"الشرق"، إن طرح المبادرة من داخل مجلس الأمن، بعد أسابيع من مخاطبة إدريس لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، يحمل دلالات مهمة، أبرزها تأكيد اعتراف المجتمع الدولي بحكومة الأمل التي يقودها إدريس، وحضور السلطة المدنية السودانية في صدارة الاهتمام الدولي بوصفها جهة معتمدة لتقديم المبادرات واجتراح الحلول للأزمة.
وأشار عبد القادر، إلى أن هذه الخطوة "تعكس جدية المجتمع الدولي في التعاطي مع الحكومة المدنية، خاصة في ظل الترحيب الإقليمي والدولي الواسع الذي صاحب تعيين إدريس رئيساً للوزراء"، مؤكداً أن "السودان بات يُقدَّم كدولة تعتمد على حكومة مدنية في التواصل مع العالم، وحلحلة الأزمات، وتعزيز التعاون مع مؤسسات المجتمع الدولي عبر القنوات التي تعتمدها الأمم المتحدة في تعاملها مع الحكومات".
مواقف سياسية متباينة
في المقابل، عبّرت قوى سياسية عن ملاحظات وانتقادات للمبادرة. وقال إدريس لقمة، القيادي في الكتلة الديمقراطية لائتلاف "الحرية والتغيير" لـ"الشرق"، إن ما طرحه رئيس الوزراء لا يختلف كثيراً عن خارطة الطريق التي سبق أن قدمتها الدولة السودانية للأمم المتحدة، ووثيقة جدة لوقف العدائيات ودخول المساعدات الإنسانية، والتي رفضتها – بحسب تعبيره – قوات الدعم السريع آنذاك.
وأضاف لقمة أن المبادرة لم تُناقش مع القوى السياسية، مشيراً إلى أن هذه القوى سبق أن قدمت ورقة تفصيلية لمجلس السيادة لتطوير الرؤى المتعلقة بوقف الحرب ومصير قوات الدعم السريع، داعياً إلى التشاور والخروج برؤية وطنية موحدة تُقدَّم للوسطاء والجهات المعنية في توقيت مناسب، مع التأكيد على محاسبة مرتكبي الجرائم ووقف التدخلات الخارجية.
من جانبه، قال التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود" في بيان، إن خطاب رئيس الوزراء أمام مجلس الأمن جاء منحازاً لـ"الأقلية المنتفعة من استمرار الحرب"، واتهمه بتجاهل أصوات غالب السودانيين الداعين للسلام، مطالباً الجيش وقوات الدعم السريع بالاستجابة الفورية للهدنة الإنسانية، محذّراً من محاولات التهرب من مسار السلام.
وفي اتجاه أكثر حدة، هاجم تحالف السودان التأسيسي "تأسيس" التابع للدعم المبادرة، واعتبرها تكراراً لخارطة طريق سابقة قُدمت للأمم المتحدة، وذهب إلى وصفها بأنها محاولة للالتفاف على مبادرة الرباعية الدولية، التي رفضتها – وفق بيان التحالف – أطراف بعينها.
إطار دبلوماسي جديد
بدورها، ترى الباحثة المصرية المتخصصة في الشأن الإفريقي صباح موسى في حديثها لـ"الشرق"، أن زيارة كامل إدريس تأتي في إطار مسار دبلوماسي جديد تقوده أطراف إقليمية ودولية، أبرزها السعودية والولايات المتحدة ومصر، وهو مسار ينسجم مع تحركات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وزياراته الأخيرة إلى الرياض والقاهرة.
وأوضحت موسى أن تقديم المبادرة عبر رئيس وزراء مدني ومن داخل مجلس الأمن يرسل رسالة مختلفة، مفادها أن مسار السلام لا يُطرح فقط عبر المؤسسة العسكرية، بل من خلال رؤية مدنية سياسية، مؤكدة أن المشاركة في مجلس الأمن تعزز شرعية الحكومة السودانية، وتسهم في حشد دعم دبلوماسي للمسار الجديد، مع إمكانية البناء على القواسم المشتركة بين الرؤية السودانية وبنود الرباعية، مثل الهدنة ووقف إطلاق النار وإطلاق حوار سياسي شامل.
وبينما ترى الحكومة ومؤيدوها أن زيارة واشنطن ومخاطبة مجلس الأمن تمثلان اختراقاً دبلوماسياً مهماً يعيد السودان إلى واجهة الاهتمام الدولي بوجه مدني، تكشف ردود الفعل السياسية عن تحدٍ داخلي لا يقل تعقيداً، يتمثل في غياب التوافق الوطني الواسع حول المبادرة.
ويبقى نجاح هذه الخطوة مرهوناً بقدرة الحكومة على تحويل الزخم الدولي إلى ضغط فعلي لوقف الحرب، وبناء مسار سلام جامع، يستجيب لتطلعات السودانيين، ويوازن بين الشرعية الدولية والتوافق الداخلي، في واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخ البلاد الحديث، بحسب مراقبين.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً




