Syria News
جاري تحميل الأخبار العاجلة...

لقاء الشيباني–ديرمر المحتمل.. ثقةٌ هشّة ومصالح متضاربة

الثلاثاء، 9 سبتمبر 2025
لقاء الشيباني–ديرمر المحتمل.. ثقةٌ هشّة ومصالح متضاربة

تنشغل الدوائر الإخبارية الآن بالبحث عن إجابةٍ تفيد بحقيقة عقد لقاءٍ قريب بين وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر؛ فبعد إعلان هيئة البث الإسرائيلية عن احتمال حدوث الاجتماع، نفت أوساطٌ رسمية سورية وجودَ جدولةٍ لمِثل هذا الأمر.

اللقاء إن حدث سيكون الثالث بين دمشق وتل أبيب، بحضور الوسيط الأميركي توماس باراك، سفير الولايات المتحدة في أنقرة، الذي أصبح عرّابًا للمحادثات ولاعبًا محوريًا فيها، ويفرض على الطرفين عدم إغلاق الأبواب والنوافذ أمام احتمال تجاوز الوضع المعقّد الذي يمنعهما من التقدّم.

غير أنّ التركيز على ما سوف يجري لا ينفي أنّ ثمّة أسئلةً كبيرة طُرحت حول اللقاء السابق، الذي نشرت عنه وكالة سانا الرسمية للأنباء خبرًا—في سابقةٍ غير مألوفة—لم يشفِ غليل المتحمّسين؛ لكن مجرّد الإعلان الرسمي دون تحفّظ أوحى بأنّ ثمّة معطياتٍ شبه إيجابية، غير محدّدة، بدأت في الظهور. ومع ذلك، يكشف الواقع عن صعوباتٍ كبيرة تمنع الجهتين من الوصول سريعًا إلى حلولٍ للمشكلات القائمة بينهما.

يمكن هنا ملاحظة تراجع الحديث عن الممرّ الإنساني بين قرية حضر والسويداء.

تجري المحادثات في ظلّ واقعٍ جديد تغيّرت فيه قواعد اللعبة تغيّرًا جذريًا. فمن جهةٍ أولى، يُقلِّل غيابُ إيران وحزب الله العقباتِ التقليدية أمام تطبيق ترتيباتٍ ميدانية قابلةٍ للحياة؛ فدولةُ الاحتلال لم تعد مجبرةً على التعامل مع وكلاء غير متحكَّمٍ بهم، ما يُتيح مجالًا للاتفاق على آلياتٍ أمنيةٍ واضحة، كإنشاء نقاط مراقبة، وتنفيذ انسحاباتٍ محدّدة، ومدّ خطوط اتصال بين القوات السورية والإسرائيلية. في هذا السياق، يُوفّر الدور الأميركي والإماراتي قناةَ اتصال تسمح بنقل الرسائل وتقديم ضماناتٍ غير رسمية، ما يزيد فرصَ التقدّم في التفاهمات العملية على الأرض.

ورغم ذلك، لا تزال هناك قيودٌ حقيقية تحدّ من أيّ تقدّمٍ سريع. أوّلها رفضُ حكومة اليمين الإسرائيلية التعاملَ مع حكومة دمشق بسبب التركيز على ماضيها المحكوم بالخلفية الجهادية، ما يعني أنّ أيّ ترتيبات يجب أن تُقدَّم كحلولٍ أمنيةٍ أو إنسانية، لا كخطوةٍ سياسيةٍ أو تطبيعٍ رسمي. ثانيها استمرارُ شرخ الثقة، بناءً على ما حصل في السويداء؛ حيث لم تعد سلطةُ الأمر الواقع فيها تعترف بالحكومة السورية بعد وقوع مجازر بحقّ السكّان المدنيين. ومع إعلان إسرائيل المتجدّد عن رغبتها في حماية الدروز، يصبح أيّ تنفيذٍ لمشروعاتٍ أمنية أو إنسانية معقّدًا، لأنّه يجب أن يوازن بين حماية السكّان المحليين والحفاظ على سيادة دمشق الرمزية. ويمكن هنا ملاحظة تراجع الحديث عن الممرّ الإنساني بين قرية حضر والسويداء. هذا الواقع حاول الشيخ موفق طريف، زعيم الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلّة، الإشارةَ إلى إمكانية تجاوزه في لقاءٍ أجرته معه قناة «أورونيوز»، حين أكّد ضرورة مراعاة الوضع الخاص للطائفة في سوريا.

وفق هذه المعطيات، يسأل مراقبون: إلى أين يمكن أن تذهب المفاوضات، وإلى ما ستفضي؟ دراسةُ التفاصيل واحتمالات النقاش ترسم ثلاثة سيناريوهات:

أوّلها: إعلان هدنةٍ وظيفية قابلةٍ للتنفيذ، ترتكز على خطواتٍ تقنية قصيرة الأجل، تشمل بناء نقاط مراقبةٍ محايدة، وإنشاء آليات تحقّقٍ فورية، وتقديم تسهيلاتٍ إنسانية للسويداء والبدو على حدٍّ سواء، مع مشاركةٍ فعّالة للوجهاء المحليين لضمان الالتزام.

ويتوقّع هنا أن يحرص الإسرائيليون على أن تكون أيّ خطوةٍ يُعلن عنها مُصاغةً بلغةٍ إنسانية وأمنيةٍ بحتة لتفادي أيّ انتقادٍ سياسي أو شعورٍ بالتكافؤ مع النظام الجديد في دمشق. وفي هذا السيناريو سيُقدّم باراك ضماناتٍ أميركية بالشراكة مع الأوروبيين لتسريع التنفيذ، وحلّ الاختناقات الطارئة، وتأمين التغطية الدبلوماسية والتنسيق الدولي. ويبدو هذا الاحتمال واردًا بنسبةٍ كبيرة.

يبقى التقدّم في التفاهمات محدودًا ومرتبطًا بقدرة الأطراف على الالتزام بالتدابير الأمنية والإنسانية من دون تحويلها إلى مكاسب سياسية.

ثانيها: إبقاء قناة التواصل مفتوحة، والعمل على تنفيذٍ ميدانيٍّ محدود أو جزئي، بسبب ضغوطٍ سياسية داخل إسرائيل، وكذلك غياب التركيز على الملفّ السوري وسط الصراعات الحكومية الداخلية والاهتمام بقطاع غزة وقضية الرهائن لدى حركة حماس. أي إنّ الاتفاقات تصبح رمزيةً غير مفهومةٍ للجمهور السوري، بلا تطبيقٍ فعلي، مع استمرار التباين بين التفاهمات المكتوبة والواقع الميداني؛ ويُترجم ذلك على الأرض باستمرار الغارات الإسرائيلية على قواعد عسكرية سورية، واستهداف عناصر مسلّحة، واعتقال سكّانٍ مدنيين في المناطق التي تقدّمت فيها.

ثالثها: سيناريو التدهور الأمني؛ إذ يُحتمل وقوعُ حادثٍ أمنيٍّ كبير، كقصفٍ ينطلق من خارج المنطقة العازلة على يد فصائل محلية غير خاضعة للسلطة، كجبهة «أُولي البأس» التي أُعلن عن تشكيلها، ولا يُستبعد أن تقف أصابعُ إيرانية وراءها. حدثٌ كهذا يمكن أن يطيح بأيّ قناةِ تواصل ويعيدَ الوضع إلى مربّعات التصعيد السابقة.

باختصار، المفاوضات المحتملة—كسابقاتها—محكومةٌ بتوازنٍ دقيق بين مصالح دمشق في ضرورة أن تبسط سيطرتها على كامل الأرض السورية، وشروط إسرائيل الأمنية التي أعلنت عنها سابقًا، وفي مقدّمها أن يكون الجنوبُ السوري منزوعَ السلاح بالكامل.

Loading ads...

ويبقى التقدّم في التفاهمات محدودًا ومرتبطًا بقدرة الأطراف على الالتزام بالتدابير الأمنية والإنسانية من دون تحويلها إلى مكاسب سياسية. ومع العلم أنّ هذه المفاوضات ليست نهايةَ الحوار بين الجهتين، إذ ثمة حديثٌ دائم عن ضرورة انضمام سوريا إلى «اتفاقات أبراهام»، يقابله حديثُ المسؤولين السوريين عن الجولان السوري المحتلّ وضرورة عودته للسيادة السورية. لكنها قد تُشكّل نافذةً لتخفيف التصعيد وتحسين حياة السكّان في الجنوب السوري بعيدًا عن الصراع المسلّح، ضمن إطارٍ هشّ، لكنّه قابلٌ للتطبيق.

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه