الهند تختبر صلابة واتساب: عندما يتحول أكبر سوق إلى أصعب امتحان

لم يكن مؤسسو واتساب في بالهم على الأرجح، حين أطلقوا تطبيق الدردشة البسيط في كاليفورنيا، أن يتحول يومًا ما إلى شريان حياة يومي لأكثر من نصف مليار هندي، من ربات البيوت إلى رواد الأعمال الصغار.لكن هذه الشعبية الجارفة باتت اليوم مصدر قلق وخطر على مستقبل التطبيق في الهند، مع إصدار الحكومة توجيهات تنظيمية جديدة تهدد بتغيير طريقة عمل واتساب جذريًا للمستخدمين والشركات.قواعد جديدة… لا تشبه الماضيفي نهاية نوفمبر الماضي، فرضت وزارة الاتصالات الهندية توجيهات تلزم تطبيقات المراسلة مثل واتساب، وتليغرام، وسيغنال بربط كل حساب بشكل مستمر بشريحة SIM فعّالة، وإجبار المستخدمين على تسجيل الخروج من الويب أو الحاسوب كل ست ساعات وإعادة الربط عبر رمز QR.الحكومة تبرر هذه الخطوة بضرورة مكافحة تزوير الهوية والاحتيال الإلكتروني، بعد أن بلغت خسائر الهند من جرائم الإنترنت أكثر من 2.5 مليار دولار خلال 2024 فقط.تقول السلطات إن هذه الإجراءات ستساعد في تتبع الأرقام المستخدمة في عمليات الاحتيال المالي والجرائم الرقمية، خاصة مع تزايد هجمات التصيد والاحتيال عبر تطبيقات المراسلة.صدمة في قلب الحياة اليوميةرغم أن القواعد الجديدة تنطبق على جميع تطبيقات الدردشة، إلا أن الأثر الأكبر سيقع على واتساب، التطبيق الذي يستخدمه أكثر من 500 مليون هندي يوميًا.تشير بيانات Sensor Tower إلى أن 94% من مستخدمي واتساب في الهند يفتحون التطبيق يوميًا، مقابل 59% فقط في الولايات المتحدة. كما أن 67% من مستخدمي واتساب للأعمال في الهند نشطون بشكل يومي.هذه الأرقام تعكس مدى تجذر واتساب في الحياة الهندية، ليس فقط كأداة تواصل شخصي، بل كبنية تحتية أساسية لآلاف المتاجر والمشاريع الصغيرة التي تعتمد على واتساب للأعمال لإدارة الطلبات وخدمة العملاء.هنا تحديدًا تظهر المشكلة: معظم هؤلاء التجار يستخدمون رقم هاتف مخصص مرتبط بجهاز، لكنهم يديرون المحادثات عبر الويب أو الكمبيوتر.القيود الجديدة ستجبرهم على إعادة الدخول كل ساعات، ما يهدد بانقطاع الخدمة وتعطيل الأعمال.نمو متباطئ… واعتماد متزايدتأتي هذه التوجيهات التنظيمية في وقت بدأ فيه نمو واتساب في الهند يتباطأ.فبيانات Sensor Tower تظهر أن عدد المستخدمين النشطين شهريًا ارتفع 6% فقط هذا العام، بينما انخفضت التحميلات الجديدة تقريبًا للنصف.ومع ذلك، يزداد الاعتماد على واتساب للأعمال خصوصًا بين التجار الصغار، حتى أن عدد تثبيتات التطبيق التجاري تجاوز التطبيق العادي منذ مطلع 2024.يقول محللون إن السوق الهندي انتقل من مرحلة “النمو السريع” إلى مرحلة “الاحتفاظ بالمستخدمين”، حيث تركز الشركة على الحفاظ على ولاء العملاء الحاليين بدلًا من السعي خلف مستخدمين جدد.تحديات قانونية وتقنيةواجهت التوجيهات الحكومية انتقادات حادة من منظمات القطاع الرقمي وجماعات حقوق المستخدمين، التي وصفتها بأنها “تقييدية وغير عملية تقنيًا”.وأشار “منتدى النطاق العريض الهندي” إلى أن الإجراءات الجديدة قد تضر بالاستخدام اليومي وتسبب انقطاعات في الخدمة للمستخدم العادي.الأهم أن هذه التوجيهات صدرت كقرارات تنفيذية وليست قوانين مصاغة عبر البرلمان، ما يثير تساؤلات حول مدى استدامتها القانونية.ومع ذلك، يؤكد خبراء السياسة التقنية أن قدرة شركات مثل Meta على الطعن القانوني محدودة؛ إذ سيكون عليها إثبات تجاوز القوانين أو انتهاك الدستور، وهو أمر صعب في ظل الصلاحيات الواسعة للحكومة الهندية في مجال الأمن الرقمي.مستقبل مجهول… ومخاوف على الابتكارفي الوقت الراهن، تؤكد واتساب وشركات أخرى أن خدماتها ستظل متاحة ولن تتأثر للمستخدمين، لكن الواقع أن تجربة استخدام التطبيق في الهند قد تتغير جذريًا إذا طبقت القواعد الجديدة كما هي.سيجد ملايين التجار والمستخدمين أنفسهم أمام إجراءات تسجيل دخول متكررة، واحتمال تعطّل سير الأعمال اليومية.هذه القصة ليست مجرد اختبار لتطبيق واتساب، بل هي إنذار مبكر لكل منصة رقمية كبرى تسعى للنجاح في أسواق ناشئة ضخمة: الشعبية وحدها لا تكفي، فالسوق الأكبر قد يتحول في لحظة إلى أصعب اختبار للبقاء.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه





