Syria News
جاري تحميل الأخبار العاجلة...

سُمّيت بـ"الجنّة".. تعرّفوا إلى ليموريا أرض إفريقيا المفقودة

الخميس، 11 سبتمبر 2025
سُمّيت بـ"الجنّة".. تعرّفوا إلى ليموريا أرض إفريقيا المفقودة

في منتصف القرن التاسع عشر، افترض عدد قليل من العلماء، استنادًا إلى أدلة ضئيلة، وجود قارة مفقودة في المحيط الهندي، وأطلقوا عليها اسم "ليموريا".

وكان الاعتقاد السائد أنّ هذه القارة المفقودة كانت مأوى لجنس من البشر المنقرضين يُطلق عليهم اسم "الليموريين"، الذين وُصفوا بأنّ لهم أربعة أذرع وأجسامًا ضخمة خنثى، وأنهم أسلاف البشر المعاصرين.

ورغم أنّ هذا قد يبدو غريبًا، فإنّ الفكرة ازدهرت لفترة من الزمن في الثقافة الشعبية وفي بعض الأوساط العلمية. غير أنّ العلم الحديث دحض فرضية "ليموريا" تمامًا، إلا أنّ علماء الجيولوجيا اكتشفوا عام 2013 أدلة على وجود قارة مفقودة في المكان نفسه الذي قيل إنّ ليموريا كانت قائمة فيه. عندها عادت النظريات القديمة إلى الواجهة من جديد.

انتشرت النظريات حول وجود قارة ليموريا لأول مرة عام 1864، عندما كتب المحامي وعالم الحيوان البريطاني فيليب لوتلي سكلاتر بحثًا بعنوان "ثدييات مدغشقر" نُشر في مجلة العلوم الفصلية.

وفي كتابه، لاحظ سكلاتر وجود أنواع من حيوان الليمور في مدغشقر أكثر بكثير من تلك الموجودة في إفريقيا أو الهند، مدعيًا أنّ مدغشقر هي الموطن الأصلي لهذا الحيوان.

واقترح أنّ ما سمح للّيمور بالهجرة أولاً إلى الهند وإفريقيا من مدغشقر منذ زمن بعيد هو كتلة أرضية مفقودة تمتدّ عبر جنوب المحيط الهندي بشكل مثلث. وأشار سكلاتر إلى أنّ هذه القارة، المسماة "ليموريا"، كانت تلامس جنوب الهند وجنوب إفريقيا وغرب أستراليا، قبل أن تغرق في النهاية في أعماق المحيط.

وكان عالم الطبيعة الفرنسي إتيان جيفري سانت هيلير قد اقترح قبل عقدين نظرية مشابهة لتلك التي تبنّاها سكلاتر.

جاءت هذه النظرية في وقت كان فيه علم التطور في بداياته، ولم تكن مفاهيم الانجراف القاري مقبولة على نطاق واسع. لذلك كان كثير من العلماء البارزين يلجأون إلى نظريات "الجسور البرية" لتفسير كيفية انتقال الحيوانات من مكان إلى آخر. وبذلك اكتسبت نظرية سكلاتر زخمًا متزايدًا.

سرعان ما تبنّى علماء ومؤلفون آخرون نظرية ليموريا. وفي ستينيات القرن التاسع عشر، بدأ عالم الأحياء الألماني إرنست هيكل بنشر أبحاث تزعم أنّ ليموريا هي التي سمحت للبشر بالهجرة أولًا من آسيا، التي كان يُعتقد آنذاك أنّها مهد البشرية، إلى قارة إفريقيا.

بل إنّ هيكل اقترح في كتابه "تاريخ الخلق" عام 1870 أنّ ليموريا، المعروفة أيضًا باسم "الجنّة"، ربما كانت مهد البشرية نفسها.

وكتب:

الموطن البدائي المحتمل أو الجنة هو ليموريا، وهي قارة استوائية تقع حاليًا أسفل مستوى المحيط الهندي، ويبدو وجودها السابق في العصر الثالث محتملًا جدًا من خلال العديد من الحقائق في الجغرافيا الحيوانية والنباتية.

واستمرّت نظريات ليموريا طوال القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين، وغالبًا ما نوقشت بالتزامن مع أسطورة "كوماري كاندام"، وهي قارة مفقودة يُفترض أنّها كانت موجودة في المحيط الهندي وكانت موطنًا لحضارة التاميل.

غير أنّ هذه النظريات سبقت اكتشاف العلم الحديث بقايا بشرية قديمة في إفريقيا، التي أثبتت أنّها مهد البشرية الحقيقي، وسبقت أيضًا الفهم المعاصر لحركة الصفائح التكتونية التي فرّقت القارات المتصلة سابقًا إلى أشكالها الحالية.

استمرّ الكثيرون في تبنّي فكرة ليموريا، خصوصًا بعد أن نشرت عالمة السحر والوسيطة الروحية والكاتبة الروسية إيلينا بلافاتسكايا كتابها "العقيدة السرية" عام 1888. وطرحت فيه فكرة وجود سبعة أعراق بشرية قديمة، مؤكدة أنّ ليموريا كانت موطنًا لأحدها.

وأشارت بلافاتسكايا إلى أنّ هذا العرق الخنثوي الذي يبلغ طوله نحو 4.5 أمتار وله أربع أذرع، عاش وازدهر جنبًا إلى جنب مع الديناصورات. وذهبت بعض النظريات الهامشية إلى حد القول إنّ هؤلاء "الليموريين" تطوّروا في النهاية إلى حيوان الليمور المعروف اليوم.

وبعد ذلك، تسللت ليموريا إلى الروايات والأفلام والقصص المصوّرة حتى أواخر أربعينيات القرن العشرين، حيث وجد المؤلفون وصنّاع السينما مصدر إلهام في هذه الأفكار الغريبة التي طُرحت قبل عقود طويلة.

اختفت أي نظريات علمية جدّية عن قارة مفقودة وجسر بري مسؤول عن هجرة الليمور حتى عام 2013، حين اكتشف الجيولوجيون دلائل على وجود قارة غارقة في المحيط الهندي.

ووفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Nature Geoscience، عثر العلماء على قطع من الغرانيت جنوب الهند، على طول جرف يمتد مئات الأميال باتجاه جزر موريشيوس الواقعة على بعد 910 كيلومترات شرق مدغشقر.

ورغم أنّ جزر موريشيوس لم تظهر إلا قبل مليوني عام، بفعل النشاط البركاني وحركة الصفائح التكتونية، فإنّ الجيولوجيين وجدوا حجر زركون يعود تاريخه إلى 3 مليارات عام، أي قبل نشوء الجزيرة بوقت طويل.

وبناءً على هذه الاكتشافات، افترض العلماء أنّ الزركون جاء من كتلة يابسة أقدم بكثير غرقت منذ ملايين السنين. ومن هنا أطلقوا على تلك القارة المفقودة المقترحة اسم "موريشيا"، بدلًا من "ليموريا".

وتُشير البيانات الجيولوجية إلى أنّ "موريشيا" اختفت في المحيط الهندي منذ نحو 84 مليون سنة، عندما كانت القارات لا تزال في طور التشكل.

ورغم أنّ هذا الاكتشاف يتقاطع جزئيًا مع فرضيات سكلاتر القديمة، فإنّه أسقط تمامًا فكرة وجود "الليموريين" كأسلاف البشر. فقد اختفت موريشيا قبل 84 مليون سنة، في حين أنّ حيوان الليمور لم يتطوّر في مدغشقر إلا قبل 54 مليون سنة، بعدما عبر البحر من إفريقيا.

بين الأسطورة والعلم

رغم كل ما ورد، يمكن القول إنّ سكلاتر وبعض علماء القرن التاسع عشر كانوا محقين جزئيًا بوجود كتلة أرضية قديمة في المحيط الهندي، حتى وإن لم تكن مأهولة ولا خُصصت لأسلاف البشر.

Loading ads...

لم تغرق "قارة" كاملة فجأة في المحيط لتختفي بلا أثر، بل كان هناك بالفعل شيء ما في ذلك المكان البعيد، لكنه اندثر منذ زمن سحيق، ليبقى أثره حبيس الأساطير، ومصدر إلهام للخيال العلمي والشعبي إلى يومنا هذا.

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه