محاكمات أحداث الساحل تدخل مرحلتها العلنية الثانية في حلب

دخلت محاكمات المتهمين بارتكاب انتهاكات خلال أحداث الساحل السوري مرحلتها العلنية الثانية، مع انعقاد جلسة جديدة في قصر العدل بحلب، وسط تأكيدات رسمية على الشفافية وحضور حقوقي متوقع.

الجلسة الجديدة أعادت تسليط الضوء على مسار المساءلة القضائية بعد أشهر من التحقيقات، في ملف يُعد من أكثر القضايا حساسية وتعقيدا في المرحلة الحالية.

جلسة علنية ثانية

بدأت صباح اليوم الخميس 18 كانون الأول، في قصر العدل بمدينة حلب، الجلسة العلنية الثانية لمحاكمة المتهمين المحالين إلى القضاء من قبل اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل، التي وقعت في آذار الماضي.

الجلسة العلنية الثاني لمحاكمة المتهمين بارتكاب انتهاكات خلال أحداث الساحل – سانا

وتأتي الجلسة استكمالا للجلسة الأولى التي عُقدت في 18 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والتي مثل خلالها 14 متهما أمام القضاء بتهم تتعلق بارتكاب انتهاكات خلال تلك الأحداث.

وشملت التهم التي نُظرت في الجلسة السابقة، وفق مصادر قضائية، إثارة الفتنة الطائفية، والقتل والسرقة، والاعتداء على عناصر قوى الأمن الداخلي والجيش، إضافة إلى الانتماء للنظام الأسد والتواصل مع ضباط سابقين.

وكانت قيادة الأمن الداخلي قد أعلنت خلال الأشهر الماضية إلقاء القبض على عدد من المتورطين في أحداث الساحل، وإحالتهم أصولا إلى القضاء المختص للنظر في ملفاتهم ومحاسبتهم وفق القوانين النافذة.

ويأتي انعقاد الجلسة الثانية في سياق ما تصفه الحكومة السورية بنهج المحاكمات العلنية المفتوحة، في محاولة لكسر دائرة الإفلات من العقاب، وإرساء معايير أوضح للمساءلة القضائية بعد سنوات من الانتهاكات.

رواية اللجنة والتقييم الحقوقي

وكان رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل، القاضي جمعة العنزي، قد أكد أمس الأربعاء، أن انعقاد الجلسة العلنية الثانية “يعكس جدية الحكومة السورية في اعتماد المحاكمات العلنية كنهج ثابت”، معتبرا أنها تشكل خطوة أساسية نحو تعزيز الشفافية وحماية حقوق المتهمين من مختلف الأطراف.

غداً الخميس 18/12/2025 وفي مدينة حلب تعقد الجلسة الثانية من جلسات محاكمات المتهمين المحالين للقضاء من قبل "اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري" التي وقعت في السادس من مارس/آذار الفائت، وذلك يؤكد مسار وجدية الحكومة السورية في اعتماد المحاكمات… pic.twitter.com/RAKwXF4IMI— Jomaa Aldbis Alanzi (@JomaadAlanzi) December 17, 2025

وأوضح العنزي، في منشور عبر حسابه على منصة “إكس”، أن منظمات حقوقية أممية ومدنية ستحضر جلسات المحاكمة، في إطار تعزيز الرقابة المجتمعية على عمل القضاء، مشيرا إلى أن “ملايين السوريين ينتظرون انطلاق مسار العدالة الانتقالية بشكل أوسع مما هو عليه الآن”.

وفي هذا السياق، كانت اللجنة الوطنية قد أصدرت في 22 تموز/يوليو الماضي، تقريرا مفصلا حول أحداث الساحل، قالت فيه إن فلول النظام السابق نفذت في 6 من آذار عمليات عدائية واسعة استهدفت مقرات للجيش والأمن في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، وأسفرت عن مقتل 238 عنصرا من قوى الأمن والجيش

وانتهت تلك الهجمات بعملية عسكرية واسعة شاركت فيها فصائل تابعة للجيش والأمن العام السوري، وُصفت بأنها “غير منضبطة”، وأسفرت عن عمليات قتل بحق مدنيين، إضافة إلى سلب وحرق ممتلكات على نطاق واسع.

وأشار التقرير إلى التوصل إلى أسماء 265 مشتبها بهم في جرائم جسيمة، بينها القتل والتعذيب والسلب المسلح وإثارة النعرات الطائفية، إضافة إلى محاولات تهدف إلى المساس بسيادة الدولة، وفق أحكام قانون العقوبات السوري العام وقانون العقوبات العسكري.

كما أوضحت اللجنة أن معظم الضحايا من المدنيين، وذلك بعد الاستماع إلى مئات الشهادات وفحص الأدلة الرقمية والتنسيق مع الجهات الرسمية والمجتمع الأهلي.

ووفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قُتل 1662 شخصا خلال الفترة الممتدة بين 6 آذار/مارس و16 نيسان/أبريل 2025، معظمهم من المدنيين، في سياق الأحداث ذاتها.

من جهته، قال المعتصم الكيلاني، المختص في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان، في منشور له على صفحته في “فيسبوك”، إن بدء الجلسة العلنية الثانية لمحاكمات أحداث الساحل في المحكمة الجنائية العسكرية بحلب “يحمل أهمية خاصة للضحايا وذويهم”، باعتباره يؤسس لمسار عملي لمكافحة الإفلات من العقاب.

واعتبر الكيلاني أن نجاح هذه المحاكمات مرهون باحترام أصول المحاكمات العادلة وضمان حقوق المتهمين، مشددًا على أن “إنجاح هذا المسار ضروري لأنه يشكل خطوة أولى نحو بناء مسار قضائي أوسع يمهّد للعدالة الانتقالية في البلاد”.

وأشار إلى أن هذه المحاكمات، رغم أهميتها، لا تمثل بديلا عن مسار العدالة الانتقالية الشامل، موضحا أن الفرق بينهما يكمن في أن المحاكمات الحالية تتناول وقائع محددة ضمن إطار قضائي جزائي، في حين يُعنى مسار العدالة الانتقالية بمعالجة إرث الانتهاكات الواسعة التي شهدتها سوريا على مدى عقود، بما يشمل الحقيقة والمساءلة وجبر الضرر وضمان عدم التكرار.