“فرنسيون ولكن”.. أبطال عرب يواجهون الثيران والعنصرية في الحلبة

في إنتاج مشترك للجزيرة الوثائقية بالتعاون مع التلفزيون الفرنسي، جاء فيلم “فرنسيّون ولكن..”، ليحكي لنا قصص المهمّشين الفرنسيين ذوي الأصول العربية والمغاربية، عن وجعهم ومعاناتهم من البطالة والعنصرية والحسد والتهميش. وقد عرضته الوثائقية على منصاتها.فيلم “فرنسيون ولكن”، على منصة الجزيرة 360يحكي الفيلم قصصا مشرقة عن بطولاتهم وأحلامهم، عن اندماجهم في مجتمعهم الفرنسي، من دون تفريط بتقاليدهم ودينهم وثقافتهم. وسلّط الضوء على رياضة مصارعة الثيران، التي تشتهر بها منطقة كامارغ في جنوب فرنسا، ويفتخر الشباب الفرنسيون ذو الأصول المغربية والجزائرية بأنهم أبطالها.كامارغ الفرنسية.. بين عجولها المحظوظة وشبابها المهمّشينيراه الناس في الشارع إنسانا عاديا، ولكن في الحلبة يرونه مثل نجوم كرة القدم، ويتساءلون: أهذا مصارع الثيران؟ هل يمكن أن نلتقط صورة معه؟ إنه لأمر رائع، عادة لا يشعر اللاعبون بهذا الفخر خارج الحلبة.اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4“بيل وسيباستيان”.. أسطورة ولدت في المغرب وألهمت أطفال العالمlist 2 of 4العربي بن مهيدي.. جزائري حارب فرنسا وانتهى به الحال إلى المشنقةlist 3 of 4مسلمو فرنسا.. بين أمواج التغريب وشواطئ الوطنlist 4 of 4مغربية مُهددة بالقتل في فرنساend of listيأتي الصغار من المدارس ورياض الأطفال، لمشاهدة المصارعة، ويحظون بلقاء اللاعبين، ويقرؤون أسماءهم منقوشة على ملابسهم من الخلف، هذا “بكلول” وهذا “بن حمّو”، وهم يشرحون لهم قواعد اللعبة وبعض مهاراتها.ثيران كامارغ المحظوظة.. لا تموت في الحلبةتختلف مصارعة الثيران هنا في كامارغ عن حلبات إسبانيا، فاللاعبون هنا يلبسون ملابس رياضية بيضاء، ولا يحملون بأيديهم الوشاح الأحمر المعهود، بل يضعون في أصابعهم خطّافات ذات رؤوس مدببة، ينهشون بها مقدمة رأس الثور، ويتقافزون برشاقة خارج الحلبة، إذا دهمهم خطر هجوم الثور.وتختلف أيضا في أن نهاية الثور في حلبات إسبانيا غالبا ما تكون الموت، بسبب طعنات الحراب التي يتلقاها بين كتفيه، أما في فرنسا فيقتصر الأمر على شارات وأوشحة مثبتة بين قرنيه، ينتزعها المصارع بخطّاف معدني مثبت في أصابعه، وتكون جائزته بقدر ما ينتزع من الشارات.يقول بكلول، وهو شاب فرنسي من أصل مغاربي: عندما بدأت مصارعة الثيران قال الناس هذا لا يناسبك، وليس من ثقافتك، ورفض والداي الأمر. كنت ابن 17 عاما، وكنت يومئذ أمارس كرة القدم، فكنت أوهم أهلي أنني ذاهب لتدريبات كرة القدم، لكنني أذهب إلى حلبة المصارعة.بكلول.. فرنسي من أصول مغربيةاستدعاني المدرب في يوم سبت، والعجول في الحلبة، وقال لي: “البس قميصا أبيض” وانزل إلى الحلبة، ومنذ يومئذ أصبحت مصارع ثيران. أخفقت أحيانا وأُصبت مرات، وقد رأت أمي الجروح ولم تصدق أنها من كرة القدم، فلما فتّشتْ حقيبتي رأت الخطاف المعدني، وكان ذلك قاسيا على والديّ، فليس من تقاليدنا ولا ثقافتنا، لكنهما استسلما للواقع.بين البطالة والعنصرية.. شباب تائهيقول بلقاسم بن حمّو، وهو من أصل جزائري: كنت فتى مضطربا، كثير المشاجرات في المدرسة، وحين بلغت 8 سنين تعاملت مع أول ثور، ثم أصبحت مدمن مصارعة. وأنا اليوم أحتل المرتبة الأولى في التصنيف، وأسعى للمحافظة عليها، وأتطلّع بشغف للفوز بالبطولة الوطنية الفرنسية، ولن أتوقف إلا عندما يوقفني ثور.بلقاسم بن حموّ.. فرنسي من أصول جزائريةوتخاطبه أمه -وهي تغسل له ملابس الحلبة-: اتصِل بي بعد النزال، أريد فقط الاطمئنان عليك، أتفهم انشغالك في بعض الأحيان، ولكن فكّر فقط في انشغال أمك وقلقها عليك، قل فقط إنك على ما يرام وساعتها سأنام مطمئنة. لا أتحمل أن أرى ابني يتأذى، وإلا لكنت ذهبت للفرجة على المصارعة.اشترك فيالنشرة البريديةاشترك في النشرة البريدية وتابع أحدث أفلامنا الوثائقيةإنه يتحامل على نفسه حتى لا أقلق عليه، فقد جُرح مرة جرحا غائرا وأزال الغرز بنفسه، وذات يوم التوت قدمه فقوّمها بنفسه، وكان يصور نفسه أثناء عملية جراحية. لو أنه رأى إصابات أصحابه، أو صديقيه اللذين توفيا لربما أقلع عن هذه اللعبة، ولكنه لم يفعل.يسرح بن حمّو بخياله بعيدا: كان علي الاختيار بين الرياضة والسجن، ففي طفولتنا كنا نلهو طوال اليوم، نذهب إلى البلدة ونرى أطفالا مثلنا يلبسون ملابس وأحذية جديدة، أما ملابسنا فممزقة وأحذيتنا مهترئة، وفي سن المراهقة، كنا نبيع المخدرات لجني بعض المال، وقد قُتل صديقي يوسف لأنه لم يستطع الدفاع عن نفسه، وحينها قلت لنفسي: يجب أن أتوقف، لقد أنقذني الثيران من ذلك المستنقع.مصارعة الثيران.. تغنيك في الشباب ولا تحفظ شيخوختكيتحدث بكلول عن صور من معاناة الشباب ذوي الأصول المغاربية، فيقول: نحن لاعبون محترفون من الناحية القانونية، ولا سيما لأغراض الضريبة، ولكن هذا لا يخوّل لنا نيل راتب تقاعدي أو بدل بطالة، ولذا يمارس بعضنا أعمالا أخرى مثل الأمن، وهي وظيفة دنيا يشغلها في العادة السود والعرب والغجر، والمهم أن راتب آخر الشهر خير من استجداء الناس.تدر مصارعة الثيران بعض المال، فنحن نكسب نحو 200 يورو بعد كل نزال، وخلال الموسم -الذي يمتد من آذار/ مارس إلى أكتوبر/ تشرين الأول- قد نلعب 3 نزالات في الأسبوع، ولكن كل هذا قد يتوقف في لحظة.كان عسيرا نيل وظيفة مستقرة دائمة، وعندما كنت أدرس العلوم اللوجستية كان علينا إيجاد مكان نتدرب فيه لإكمال متطلبات الشهادة، وبعضنا لم يستطع ذلك، وكنا نسأل أنفسنا: بمَ يختلف عنا من استطاعوا التدرب؟ لم تكن العنصرية السبب الوحيد، بل أخطاء كثيرة وعوامل متعددة.تمثال الثور.. رمز منطقة كامارغ في جنوب فرنساتنشر وسائل الإعلام أكاذيب وقصصا مضللة عن ديننا وأصولنا، فديني وثقافتي لا تأمرني أن أركض في الشارع وأطلق النار على الناس عشوائيا، لقد نلت شهرة من مصارعة الثيران، مكنتني من التعبير عن نفسي وإظهار قوتي، وما دمنا نحترم القوانين والتقاليد فلا ينبغي لأحد أن يتهمنا.فقد تربيت على التقاليد المغربية والدين الإسلامي، ومع الزمن زاد عدد الشبان المغاربة الذين يصارعون الثيران، بعض الناس يتقبلون الأمر وبعضهم يرفضه. لقد جذبتني كامارغ وثقافتها، لكنني أسمع أحيانا عبارات مثل “عُد إلى بلدك”، “لستَ مثلنا”، “عربي غبي”، وهذا يؤذيني كثيرا.البِيض والملوّنون في فرنسا.. بين النبذ والاندماجتحضيرا للبطولة الوطنية، يساق قطيع العجول من لابوير في مسير طويل إلى مهرجان جونكير، حيث تساق الثيران إلى البلدة بالخيول، وذلك جزء من التقاليد.حين يدخل الثور الحلبة أول مرة يبدو شاردا، ومع الوقت يدرك قوته وخطره على قلوب المصارعين، والخوف شيء طبيعي، لكن الشغف يكبح الخوف. والثور مثل الملاك المتخفي، قد يأخذك إلى الجنة أو إلى النار، قد يرفع قدرك أو يسلبك كل شيء. نحن لا نصارع لنظهر تفوقنا فحسب، بل لنعطي الثور التقدير اللازم له كذلك.الثيران تُساق بالخيول إلى حلبة البطولةيحدثنا بن حمّو عن أبيه، فيقول: كان أبي مصارع ثيران، وهو اليوم متقاعد ويقضي معظم الوقت في وطننا الجزائر. انخرط أبي في مصارعة الثيران بعد الحرب، كان أكبر إخوته، وكان لا بد من كسب القليل من المال لإعالة الأسرة، وقد أصيب إصابات كثيرة، فكسر أنفه مرة وبقي في غيبوبة 15 يوما، وهو الآن يعاني مرض باركنسون، ولا يستطيع المشي.ويقول “تيتو” صديق بن حمّو: تابعته منذ كان ابن 8 سنين، وعرّفته على الثيران، وقد أثار اهتمامي عندما كنت في قرية قرب “إكس أون بروفانس”، وكان يلبس قميصا أبيض مكتوب على ظهره “بن حمو”، ربما لو عاش أبوك في منطقة أخرى لما أصبح مصارع ثيران، فالأمر يعتمد على البيئة، والرياضة هي وسيلة الاندماج في تلك البيئة.الثور يثأر لنفسه من بلقاسمويعلق بن حمو: لكن بعض الرياضات خطيرة، ومردودها المادي قليل بالمقارنة، فلو عرضت على أحدهم 10 آلاف مقابل أن يخاطر بحياته فهل سيرضى؟ ثم تسمع في الحلبة من يصرخ: “أنتم العرب تصارعون الثيران بلا شغف، بل لجمع المال فقط”. تعليقات مستفزة تثير الأعصاب، “اخرجوا من بلدنا، لا نريدكم هنا”.وهذا في جميع الألعاب الرياضية، نوع من الغيرة، عندما تبدع في شيء يستفزونك بما لا سيطرة لك عليه، وإذا استسلمت فسيستمرون في استفزازك، لقد جاء زين الدين زيدان وكريم بنزيمة من حي كاستيلان الفقير في ليون، وهما اليوم مصدر فخر لكل فرنسي.إصابات غائرة في النفس والجسديتحدث بكلول عن ضرورة وجود فريق طبي في حلبة مصارعة الثيران، طبيب وموظف طوارئ على الأقل، ويقول إن زوجته ممرضة طوارئ، وهي تعتني به وتعالج إصاباته، وتتمنى أن يعتزل مصارعة الثيران، إنها لعبة خطيرة، ولكنها في الوقت ذاته تشعر بالفخر حين تراه في الحلبة.إصابة بليغة في جسد بكلولتقام اليوم بطولة الشارة الذهبية، وهي حدث ضخم ذو تاريخ طويل، واجتماع أسطوري يحدث في أول يوم اثنين من شهر يوليو/تموز من كل عام، وسيدخل الحلبةَ الثورُ “أماديوس”، حاملا وشاحا وشارتين، قيمة كل منهما 200 يورو، وللبطولة جهات أخرى راعية، منها المجلس البلدي، وعمدة “آرل”، وبعض رجال الأعمال، مما يزيد قيمة الجائزة.وها قد بدأ النزال وتقافز المصارعون في الحلبة، كلٌ يريد أن ينال جائزة مربوطة بقرن الثور أو الوشاح المغروز بين كتفيه. لقد أصيب بن حمّو إصابة بالغة خرج على إثرها من الحلبة ولم يخطف جائزة، أما بكلول فقد أصيب بكسر في إصبع قدمه وتحاول زوجته إسعافه، ولكن يتوجب عليه تصوير قدمه بالأشعة، لتشخيص الكسر.ما تزال زوجة بكلول تحدثه عن الاعتزال، وهو متردد ويقول: يمكن أن أعتزل في حالة واحدة؛ حين أرزق طفلا، فحينها سيكون صعبا عليّ أن يراني طفلي وأنا أعاني في الحلبة.احتفال تقليدي بمناسبة البطولة الوطنيةثم يقول: لم أكسب المجد المطلق في كامارغ، ولكن على الأقل أحدثت تغييرا على المستوى الشخصي، وجعلت من يحبونني فخورين بما أنجزته، الجوائز سيلفها الغبار ويطويها النسيان، ويبقى لنا حب من يهتمون بنا. الحمد لله، لقد اجتزت اختبارات الإسعاف والإطفاء بنجاح، وأنا الآن أتطلع لنيل وظيفة.يوم الجائزة.. الشبل والأسد يعانقان المجديعاني بن حمو من جرح غائر في ساقه، ويشتكي قائلا: الأمر صعب جسديا ونفسيا، لكنني لن أتوقف، سأمضي قدما، فضغط المنافسات أقل حاليا، وهذا يعطيني فرصة للعودة قريبا. الثور والمصارع أحدهما يكمل الآخر، فالثور أيضا يسعى للفوز.وبينما هو يستعجل العودة للحلبة، ينصحه أصحابه بالتريث حتى الشفاء التام، والاستعداد للبطولة القادمة. ثم يجري بلقاسم مكالمة مع أبيه، فيقول أبوه: كنت مثلك لا أطيق الابتعاد عن الحلبة، وأعود قبل أن أتعافى، أما زلت مصنفا أول؟ هذا جيد، أنا فخور بك يا بني.فطار فرحا: لقد قالها أخيرا.يوم الجائزة، الشبل والأسد يعانقان المجديأتي اليوم الموعود، وتقام البطولة الوطنية الفرنسية، ويتقدم بلقاسم بن حمو بثقة نحو المركز الأول، وبرصيد 800، وفي لحظة تقدمه لتسلم الجائزة يفاجأ بأبيه المصاب بمرض الشلل الرعاش (باركنسون) يقف إلى جانبه، فيقبّل رأسه ويقول: في الجنوب الفرنسي أشعر أنني في وطني، بين أهلي وفي حلبة المصارعة، بعد هذا لا أحتاج شيئا آخر.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً




