العملة السورية الجديدة.. هل يُخفي حذف الأصفار تآكل القوة الشرائية؟

في خضم الترقب الاقتصادي الذي تشهده سوريا على وقع إعلانات المصرف المركزي حول الإصدار النقدي المرتقب، تباينت الآراء بين التفاؤل الحذر بالخطوة الجديدة والتحذيرات من أن تكون مجرد معالجة فنية لا تمس جوهر الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.
ففي الوقت الذي يسعى فيه حاكم المصرف المركزي، عبد القادر الحصرية، إلى طمأنة الأسواق وكشف ملامح العملة الجديدة، التي ستضم ثماني فئات جديدة بما يتماشى مع متطلبات التداول وتخدم سياسات الضبط المالي، يرى خبراء أن هذه الخطوة، رغم أهميتها اللوجستية والنفسية، لن تكون كافية لإعادة ترميم القوة الشرائية لليرة السورية المنهارة.
إجراء لا يغير الجوهر
في هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي ومدير نقل البضائع في حلب، حيان حبابة، أن عملية إصدار العملة الجديدة، التي تتضمن حذف الأصفار وإعادة تقييم العملة كما أعلن البنك المركزي، تظل في نطاق الإجراءات “الفنية واللوجستية” البحتة، وفقًا لما نقلت عنه وكالة “نورث برس”.
ويشدد على أن هذا الإجراء لا يمثل تغييرًا في جوهر العملة أو قيمتها الحقيقية، وبالتالي، فإنه من غير المتوقع أن يؤدي بمفرده إلى تحسين ملموس في القوة الشرائية الفعلية لليرة السورية أو في دخل المواطن.
وتتمحور الأهداف الرئيسية المرجوة من هذه الخطوة، بحسب حباية حول تسهيل المعاملات المالية اليومية عبر تقليل حجم الأوراق النقدية المتداولة فعليًا، بما يحد من الإرباك الحسابي الناتج عن التضخم الهائل للأرقام الذي ساد خلال السنوات الماضية.
سحب الأموال غير الرسمية
يضاف إلى ذلك “الأثر النفسي” المتوقع، حيث قد تخلق هذه الخطوة شعورًا إيجابيًا ببدء مرحلة جديدة من الاستقرار و”التعافي”، بعد ما تسميه الحكومة عام الاستقرار أو “عام التحرير”، مشيرًا إلى أن المسألة، في جوهرها، لا تتعدى إعادة ضبط شكل النقد وتسهيل استخدامه، لكنها لا تعني تحسنًا تلقائيًا في الأسعار أو في مستوى معيشة المواطنين.
عملية استبدال العملة قد تحمل فائدة تقنية للبنك المركزي عبر سحب جزء من الكتلة النقدية المتداولة خارج النظام المصرفي، بما في ذلك الأموال المتأتية من أنشطة غير رسمية أو من الفساد، كما أن إجبار حاملي النقد الكبير على استبداله يمنح البنك المركزي فرصة لزيادة قدرته على إدارة السيولة وتحسين مراقبة التدفقات، وهي من أهم وظائفه وخاصة في اقتصاد يعاني تشوهات واسعة في حركة الأموال.
الخبير الاقتصادي ومدير نقل البضائع في حلب، حيان حبابة
لكن هذه الفوائد، على أهميتها، تبقى محدودة إذا لم تترافق مع إصلاحات اقتصادية أوسع، إذ يؤكد حبابة أن تحسين قيمة الليرة أو دخل المواطن لا يمكن تحقيقه بمجرد تغيير شكل العملة أو حذف الأصفار، وأن القيمة الحقيقية لأي عملة وطنية تُحدد عبر مجموعة مؤشرات موضوعية، أبرزها حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي المتاح للتدخل في السوق، ميزان التجارة، قوة الناتج المحلي الإجمالي، حجم الصادرات، طبيعة الواردات، ومستوى السياسات النقدية والمالية المتّبعة، مشددًا أنه من دون تقدم ملموس في هذه المجالات تبقى العملة الجديدة إجراءً تنظيمياً لا يغير في بنية الاقتصاد.
نجاح الإصدار مرهون بهذه الإصلاحات
يشدد حبابة على أن ما يتحكم بالقيمة الفعلية لليرة هو قوة الاقتصاد لا شكل الورقة النقدية، وأن نجاح خطوة إصدار العملة الجديدة مرهون تمامًا بالإصلاحات المصاحبة لها.
وفي هذا السياق، يشير إلى أن النظام المصرفي يحتاج إلى سياسات أكثر وضوحًا تقوم على توحيد أسعار الصرف واعتماد نظام “التعويم المدار”، وهو ما أعلن عنه حاكم مصرف سوريا المركزي في مناسبات متعددة، باعتباره خطوة ضرورية للانتقال إلى سوق أكثر شفافية وقدرة على جذب التحويلات والاستثمارات.
وتتقاطع هذه التصريحات مع ما كشفه حاكم المصرف عبد القادر الحصرية في تصريحاته الأخيرة لوكالة “رويترز”، حيث أوضح أن المصرف يركز حاليًا على تثبيت سعر الصرف، وأن الإصدار الجديد سيشمل ثماني فئات تتوافق مع احتياجات السوق وسياسات الضبط المالي.
الضبابية تحيط بطرح العملة الجديدة
غير أن تصريحات سابقة للحصرية كانت قد أشارت إلى ست فئات فقط، وأن الأوراق الجديدة ستكون خالية من الرموز والصور، في إطار توجه عالمي نحو تصميم نقدي مجرد يسهل التحقق منه ويحسن مستوى الأمان.
رغم الجدل الواسع على مواقع التواصل حول موعد طرح العملة الجديدة، يؤكد المصرف المركزي أنه لم يحدد أي تاريخ رسمي حتى الآن، وأن ما يُنشر عبر منصات غير رسمية لا يستند إلى مصادر صحيحة، ما يعكس حجم الضبابية التي لا تزال تحيط بهذا الملف.
في المحصلة، تبدو خطوة إصدار العملة الجديدة محاولة لترتيب المشهد النقدي أكثر من كونها علاجًا فعليًا للتحديات الاقتصادية، فالقيمة الشرائية المتراجعة، وضعف الدخل، وتوسع الاقتصاد غير الرسمي، وتذبذب سعر الصرف، وتراجع الإنتاج، كلها عوامل لا يعالجها تغيير الفنيات النقدية وحدها.
ولا يمكن لليرة جديدة أن تكتسب قوة حقيقية ما لم تستند إلى اقتصاد منتج ومستقر قادر على دعمها، وإلى سياسات مالية شفافة تربط الثقة الشعبية بأداء المؤسسات لا بشعارات الإصلاح وحدها.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً
الداخلية السورية تقبض على والي دمشق بتنظيم داعش
منذ دقيقة واحدة




