بإصابات تجاوزت 30%.. تفشي "الحمى القلاعية" يربك أسواق المواشي في سوريا

في ظل ظروف مناخية وبيئية قاسية تزداد تعقيدًا مع دخول فصل الشتاء، يواجه قطاع الثروة الحيوانية في سوريا تهديدًا وبائيًا متصاعدًا ينذر بخسائر اقتصادية فادحة، حيث دقت الأوساط البيطرية ناقوس الخطر إثر الانتشار المتسارع لمرض “الحمى القلاعية” في ريف مدينة الرقة وصولًا إلى مناطق واسعة في الشمال والجنوب السوري.

هذا الواقع المتأزم دفع الجهات المعنية إلى اتخاذ تدريات استثنائية وصارمة، كان أبرزها القرار القاضي بإغلاق كافة أسواق المواشي الحية في البلاد، وفرض حظر مؤقت على حركة انتقال الحيوانات بين المحافظات، في محاولة لمحاصرة الفيروس الذي بات يفتك بالقطعان ويقوض أمن الغذاء الوطني.

السبب وراء تفشي الفيروس

يأتي هذا التفشي الوبائي، كما أوضح مسؤول المستوصف البيطري في الرقة، محمد العبد الله، متزامنًا مع فترات البرد والرطوبة التي تشكل بيئة خصبة لنشاط فيروس “الحمى القلاعية”، وهو مرض فيروسي شديد العدوى يصيب الحيوانات مشقوقة الظلف، لاسيما الأبقار والأغنام، وفق ما نقلت عنه وكالة “نورث برس”.

وأوضح أن المرض يتميز بأعراض واضحة تشمل ارتفاعًا في درجات الحرارة، وزيادة إفراز اللعاب، وظهور تقرحات في الفم والحوافر، إلى جانب فقدان الشهية وضعف عام، لافتًا إلى أن الحالات الشديدة قد تؤدي إلى نفوق صغار الحيوانات، ما يفاقم الخسائر لدى المربين.

وبيّن أن الحمى القلاعية تُعد من أخطر الأمراض الفيروسية شديدة العدوى التي تصيب الحيوانات مشقوقة الظلف، ولا سيما الأبقار والأغنام، موضحًا أن نسب الإصابة في بعض المناطق بلغت مستويات مرتفعة، حيث تجاوزت 30 بالمئة في الخط الشمالي من ريف الرقة، فيما سُجلت في الخط الجنوبي حالتا نفوق ونحو 20 بالمئة من الإصابات.

سلاسة العدوى وتعقيد السيطرة

أشار العبد الله إلى أن العدوى تنتقل بطرق متعددة، سواء عبر الهواء، أو الحشرات والذباب، أو من خلال الاحتكاك المباشر بين الحيوانات المصابة والسليمة، ما يجعل السيطرة عليها أكثر تعقيدًا في ظل غياب إجراءات العزل الصارمة.

التعامل مع الحالات المصابة يتطلب استجابة سريعة تبدأ بعزل الحيوان المصاب فورًا عن القطيع، وتقديم خافضات للحرارة ومقويات مناعية مثل الفيتامينات، إلى جانب استخدام مطهرات موضعية لمعالجة التقرحات، من بينها كبريتات النحاس، فضلًا عن تقديم العلاجات الداعمة التي تساعد الحيوان على تجاوز مرحلة المرض الحادة.

مسؤول المستوصف البيطري في الرقة، محمد العبد الله

وأوضح أن الأسواق المحلية توفر عدة أنواع من اللقاحات، من بينها اللقاح التركي (FMD)، إضافة إلى اللقاحين البريطاني والروسي، مشيرًا إلى أن اللقاح الزهري هو الأكثر تداولًا حاليًا ويعطي نتائج مقبولة، في حين يُعد اللقاح البريطاني الخيار الأكثر فاعلية للحد من انتشار المرض في حال توفره.

لقاحات وأعلاف موثوقة

في ظل هذا الواقع، شدد العبد الله على ضرورة تأمين أدوية ولقاحات مضمونة المصدر، وضبط المعابر الخارجية لمنع دخول لقاحات مجهولة أو غير مطابقة للمواصفات، إضافة إلى مراقبة الأدوية البيطرية وفحصها مخبريًا ضمن المخابر المعتمدة في شمال وشرق سوريا.

كما دعا إلى تقديم دورات علفية منتظمة على مدار العام، لما لها من دور أساسي في تعزيز مناعة الحيوانات وتقليل نسب الإصابة، خصوصًا في فترات البرد التي تشهد تراجعًا في مقاومة القطيع للأمراض.

دفع هذا المشهد القاتم وتصاعد خطر الحمى القلاعية بوزارة الزراعة إلى اتخاذ إجراءات وصفت بالحازمة، في محاولة للحد من تفشي الوباء وحماية القطيع السوري.

إغلاق الأسواق لكسر سلسلة العدوى

ضمن هذه الخطوات، صدر قرار رسمي يقضي بإغلاق جميع أسواق المواشي الحية في البلاد، مع فرض حظر مؤقت على حركة انتقال الحيوانات بين المناطق، في إجراء يهدف إلى كسر سلاسل العدوى ومنع انتقال المرض من بؤر الإصابة إلى مناطق جديدة.

وبحسب معلومات متقاطعة مع ما نشره تلفزيون سوريا، دخل قرار الإغلاق حيز التنفيذ اعتبارًا من يوم الخميس 18 كانون الأول/ديسمبر، على أن يستمر لمدة 21 يومًا، وهي فترة تُعد بمثابة مهلة حضانة ومراقبة وبائية لتقييم الوضع الصحي واحتواء انتشار المرض.

لم يقتصر التحرك الرسمي على إغلاق الأسواق، بل شمل تكثيف الدوريات الميدانية لمراقبة العيادات البيطرية والتأكد من سلامة اللقاحات المتوفرة، إضافة إلى التدقيق في إجازات الاستيراد ومطابقتها للمعايير الصحية، والتشديد على مكافحة تهريب اللقاحات مجهولة المصدر.

ورغم خطورة الموقف، لا يزال الغموض يلف حجم التفشي الفعلي على مستوى البلاد، في ظل شح البيانات الرسمية وامتناع الجهات المعنية عن الإدلاء بتصريحات تفصيلية حتى الآن، ما يترك المربين في حالة قلق وترقب، ويضاعف المخاوف من أن تتحول الحمى القلاعية إلى أزمة أوسع تهدد الأمن الغذائي ومصادر الرزق في بلد أنهكته الأزمات المتلاحقة.