إدفا 2025: هيمنة إيرانية لافتة على أهم جوائز مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية

اختتمت الدورة الثامنة والثلاثون لمهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية IDFA “إدفا” فعالياتها في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، محققة نجاحاً لافتاً بحضور نحو 255 ألف زائر، من بينهم 165 ألفاً للعروض العامة و30 ألفاً للبرنامج المهني، بالإضافة إلى 2,600 ضيف محترف من صناع السينما والنقاد من مختلف أنحاء العالم.يُمثل مهرجان إدفا أحد أبرز المحافل السينمائية المتخصصة في الأفلام الوثائقية عالمياً، ونظم سنوياً في العاصمة الهولندية أمستردام. تعكس المشاريع الفائزة في هذه الدورة تنوعاً ثرياً في المواضيع والمقاربات السينمائية، مع اهتمام واضح بالقصص التي تستكشف الهوية والعلاقات الأسرية والتحديات الاجتماعية من زوايا مبتكرة وشخصيةمنصة عالمية للوثائقييُعد مهرجان “إدفا”، الذي تأسس عام 1988، أحد أهم المهرجانات المتخصصة في الأفلام الوثائقية عالمياً. وعلى مدار 38 دورة، نجح في ترسيخ نفسه منصة فريدة للسينمائيين الوثائقيين، عبر برامج متنوعة تشمل المسابقات الرسمية، ومنتدى الإنتاج المشترك، وقسم “دوك لاب” DocLab المبتكر للسرد الوثائقي التفاعلي والرقمي.مشهد من تجربة عرض غامر في IDFA، حيث تحيط الصورة بالمشاهد من ثلاث جهات وتحوّل قاعة السينما الى فضاء يشبه الحلم. هذا النوع من العروض يوضح كيف لم يعد الوثائقي مجرد شاشة امامية، بل محيط بصري وصوتي يضع المتفرج داخل العالم المصوَّر، وهي صيغة تزداد حضورًا في المهرجان كل عامالهيمنة الإيرانية على الجوائز الكبرىحصدت الأفلام الوثائقية الإيرانية أهم ثلاث جوائز في المهرجان: أفضل فيلم في المسابقة الدولية، وأفضل فيلم في مسابقة “إنفيجن” Envision التجريبية، وجائزة الجمهور. ويعكس هذا الإنجاز تميز السينما الوثائقية الإيرانية وقدرتها على تقديم قصص إنسانية عميقة رغم التحديات السياسية والاجتماعية.المسابقة الدولية: “ثعلب تحت قمر وردي”فاز فيلم “ثعلب تحت قمر وردي” (A Fox Under a Pink Moon) للمخرج الإيراني مهرداد أسكويي بجائزة أفضل فيلم في المسابقة الدولية، مع جائزة نقدية قدرها 15 ألف يورو.فيلم مؤثر صُور بالكامل بهاتف محمول على مدى خمس سنوات، بطلته “ثريا آخالاغي”، لاجئة أفغانية شابة، تتخلله رسوم متحركة سريالية مستمدة من أعمالها الفنيةالفيلم، وهو إنتاج مشترك بين إيران وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والدنمارك، يقدم بورتريهاً ذاتياً لفتاة أفغانية تبلغ 16 عاماً تدعى ثريا، تتميز بموهبتها في الرسم والنحت.لقطة تجمع المخرج الإيراني مهرداد أسكويي وبطلة فيلمه ثريا، وهما يتلقيان التكريم بعد إعلان فوز فيلم “ثعلب تحت قمر وردي” (A Fox Under a Pink Moon) بجائزة أفضل فيلم في مهرجان أدفاتدور أحداث الفيلم حول محاولات ثريا، على مدى خمس سنوات، للهروب من إيران والالتحاق بوالدتها في النمسا. وقد وصفت لجنة التحكيم الفيلم بأنه “يفتح نافذة على قوة الفن والأمل في أوقات عصيبة”، مشيدةً بالتصوير المتقن في ظروف خطرة، وبالتعاون المُمكِّن بين المخرج المخضرم والفنانة الشابة.الجوائز التقنية في المسابقة الدوليةأفضل إخراج: “مملكة كارتلي” (The Kartli Kingdom) للمخرجين الجورجيين تمار كالاندازي وجوليان بيبريل، إنتاج مشترك بين جورجيا وفرنسا وقطر، مع جائزة نقدية قدرها 5 آلاف يورو.أفضل مونتاج: “ديسمبر” (December) للمخرج الأرجنتيني لوكاس غالو، إنتاج مشترك بين الأرجنتين وأوروغواي، بمونتاج فرناندو إبستاين.أفضل تصوير سينمائي: “فيضان صامت” (Silent Flood) للمخرج الأوكراني ديميترو سوخوليتسكي-سوبتشوك، إنتاج مشترك بين أوكرانيا وألمانيا.إشادة خاصة: “فيضان” (Flood) للمخرجة الأمريكية كاتي سكوغين.اشترك فيالنشرة البريديةاشترك في النشرة البريدية وتابع أحدث أفلامنا الوثائقيةمسابقة “إنفيجن”: “الماضي المستقبل المستمر”حصد فيلم “الماضي المستقبل المستمر” (Past Future Continuous) للمخرجين الإيرانيين مرتضى أحمدوند وفيروزة خسروني جائزة أفضل فيلم في مسابقة “إنفيجن”، مع جائزة نقدية قدرها 15 ألف يورو.يقول المخرجان أحمدوند وخسروني، “استلهمنا فيلم Past Future Continuous من التجارب الشخصية لأصدقاء وأقارب غادروا إيران بحثا عن حياة جديدة في الخارج. يكاد كل من بقي في البلد أن يكون قد فر في الرحيل يوما ما، كما أن كثيرا من الإيرانيين في المنفى راودتهم رغبة العودة. ما نحاول فعله هنا هو نقل البؤرة من لحظة المغادرة إلى البيوت والأراضي التي تُركت وراءهم؛ أماكن تتسع فيها الفجوة وتزداد فراغا بمرور الزمنالفيلم، وهو إنتاج مشترك بين إيران والنرويج وإيطاليا، يتناول قصة مريم، المرأة التي فرت من إيران واستقرت في الولايات المتحدة، بينما بقي والدها ووالدتها في طهران. ومع تقدمهما في العمر وتصاعد الاضطرابات، يتزايد قلقها على سلامتهما.بوستر فيلم الماضي المستقبل المستمر، يحكي عن الفقدان الصامت للروابط العائلية، وتلاشي دفء الأماكن التي غادرناها، والحب الذي يظل قائما رغم المسافة، ورغم عمر كامل من العيش في زمنين متوازيين: حاضر بعيد، وماضٍ لا يكف عن الامتداد إلى المستقبلوصفت لجنة التحكيم الفيلم بأنه “عمل ذو نص استثنائي ترتقي فيه الصورة بالموضوع إلى مستوى آخر، حيث يصبح الزمان والمكان محسوسين ومعلّقين معاً”، معتبرةً أنه “تجربة سينمائية غير اعتيادية تجمع خطوط تفكير متعددة: الشتات، المنفى، التكرار التاريخي، والذاكرة الشخصية”.جوائز تقنية أخرى في مسابقة “إنفيجن”أفضل إخراج: “المدمرون المقدسون” (Holy Destructors) للمخرجة الليتوانية آيستي زيغوليتي-زابولسكا، إنتاج مشترك بين ليتوانيا وفرنسا ولاتفيا، مع جائزة قدرها 5 آلاف يورو.جائزة المساهمة الفنية المتميزة: “أميلكار” (Amílcar) للمخرج ميغيل إيك، إنتاج مشترك بين إسبانيا والبرتغال وفرنسا والسويد والرأس الأخضر.جائزة الجمهور: “اختراق الصخور”حققت السينما الإيرانية ثلاثية تاريخية بفوز فيلم “اختراق الصخور” (Cutting Through Rocks) للمخرجين سارة خاكي ومحمدرضا عيني بجائزة “إن بي أو دوك – إدفا” للجمهور، البالغة قيمتها 5 آلاف يورو. يوثق الفيلم قصة سارة شاوردي، أول امرأة تصبح عضواً في مجلس قرية في الريف الإيراني.خلفية سارة شاهوردي تضيف بُعداً آخر لقصتها – فبصفتها الأصغر بين ست أخوات، تربت على يد والدها متجاهلة الأعراف الجندرية، حيث تعلمت قيادة الدراجات النارية والعمل في البناء. كقابلة سابقة أشرفت على ولادة 400 شخص في قريتها، كانت قد أقامت بالفعل علاقات عميقة مع المجتمع قبل دخولها السياسةتحاول سارة كسر التقاليد الأبوية عبر الحد من زواج الأطفال، وفي أوقات فراغها تعلّم الفتيات قيادة الدراجات النارية، في مواجهة مقاومة شديدة. هذا الفيلم، وهو إنتاج مشترك بين إيران والولايات المتحدة وألمانيا وتشيلي وهولندا وكندا، حصل على أعلى تقييم جماهيري بمعدل 4.82 من 5 نقاط، متفوقاً على 9 أفلام أخرى في قائمة المفضلة.جوائز وإشادات نقديةأفضل فيلم هولندي: فاز بها فيلم “كلمتي ضد نفسي” (My Word Against Mine) للمخرجة الهولندية ماسيا أومس، الذي حصل على ثاني أعلى تقييم جماهيري في المهرجان بمعدل 4.79 من 5.عقل الإنسان عالم مكتظ بالمفاجآت والأسرار. وإن كنت بحاجة إلى دليل، فما عليك إلا مشاهدة الفيلم الوثائقي “كلمتي ضد نفسي” للمخرجة “مااسيا أومس” أحد الأمور الصادمة التي يذكرها أحد الخبراء في الفيلم، هو أن واحدا من كل عشرة أشخاص يسمع أصواتا. تقدّم أومس، التي تولت أيضًا إدارة التصوير، خمسة أشخاص يعيشون مع هذه الظاهرة؛ أحدهم يسمع صوتا واحدا فقط، بينما يسمع آخر تسعة عشر صوتا. بعض هذه الأصوات يحاول حمايتهم، وبعضها لا يفعل سوى توبيخهم، وأخرى تذهب إلى حد التهديد بالقتل أو الدفع نحوهجائزة فيبريسي (FIPRESCI) للنقاد الدوليين: ذهبت إلى فيلم “بايكار” (Paikar) للمخرج الأفغاني داوود هيلماندي، الذي فاز أيضاً بجائزة أفضل فيلم أول، وهو إنتاج مشترك بين هولندا وأفغانستان.يُعرف الفنان والمخرج الأفغاني داوود هيلمندي داخل عائلته بلقب “بيكار”؛ وهي كلمة فارسية تعني “الحرب” أو “المقاتل”. يردد والداه هذا اللقب بفخر، غير أن هيلمندي يقدمه في هذا البورتريه العائلي بوصفه حملا ثقيلا أكثر منه وساما مشتهى. في فيلم “بيكار”، يعود هيلمندي بكاميرته إلى مسار حياته، محاولا ترميم علاقته بوالده المسن المتسلط. هو واحد من ثمانية أبناء تفرقت بهم المنافي في أنحاء العالم؛ محاربون نجا كل منهم بجسده بينما بقيت آثار الحرب تسكن أرواحهمأفضل فيلم وثائقي قصير: فاز بها فيلم “حقل مفتوح” (An Open Field) للمخرج الجنوب أفريقي تيبوهو إدكينز، إنتاج مشترك بين جنوب أفريقيا وفرنسا وألمانيا، مع جائزة نقدية قدرها 5 آلاف يورو، بينما حصل فيلم “أحلام لماضٍ أفضل” (Dreams for a Better Past) للمخرج ألبرت كون على إشادة خاصة.جوائز دوك لاب: الابتكار الرقمي في الوثائقيفي قسم “دوك لاب” المخصص للسرد الوثائقي التفاعلي والواقع الافتراضي، فاز مشروع “فيدباك في آر: موسيقى مناهضة للمستقبل” (Feedback VR, un musical antifuturista) للمجموعة الفنية “كولكتيف أميكس آر” من بيرو بجائزة السرد الوثائقي الغامر، مع جائزة نقدية قدرها 5 آلاف يورو. وأشادت لجنة التحكيم بـ”البساطة الجمالية للعمل، والنظرة المواجهة لشخصياته، وأهمية تخيّل مستقبل منزوع الاستعمار”.تصميم بصري لبرنامج IDFA DocLab يحمل عبارة “Off the Internet”، في اشارة الى نقل تجارب الرقمي من شاشة الكمبيوتر الى فضاء المعرض. يعبّر الشعار عن فلسفة DocLab في التعامل مع الانترنت والذكاء الاصطناعي كمواد خام يمكن تفكيكها وتشريحها فنيا. بالنسبة للقارئ العربي، يفتح هذا المسار بابا واسعا للتفكير في مستقبل الوثائقي التفاعلي في المنطقةكما فاز مشروع “جنس اصطناعي” (Artificial Sex) للمخرجة الألمانية آنان فريس بجائزة السرد الرقمي، مع جائزة نقدية قدرها 5 آلاف يورو، بينما حصل مشروع “مُرمَّز بالأسود” (Coded Black) للفنانة البريطانية مايشا ويستر ومشروع “تحت السماء ذاتها” (Under the Same Sky) للمخرج السوري خليل عشاوي على إشادات خاصة.جوائز منتدى إدفا: دعم المشاريع الناشئةشهد منتدى “إدفا”، وهو السوق الدولية للإنتاج والتمويل المشترك للأفلام الوثائقية، إعلان الفائزين بجوائزه التي تبلغ قيمة كل منها 1,500 يورو:أفضل عرض تقديمي: المشروع الصيني “كل شيء مُصلح” (All Fixed Up) للمخرج هاو تشو، الذي يتناول قصة عائلة تسعى إلى “تقويم” وريثها.أفضل مشروع في برنامج ربط المنتجين: “أربعة رفاق، صدى واحد” (Four Comrades, One Echo) للمخرجة كيفا ليو.فريق عمل فيلم “الرفيقات الأربع، صدى واحد” يقود مشروعًا وثائقيًا للمخرجة كيفا ليو حاز جائزة منتدى إدفا 2025 لأفضل مشروع في برنامج ربط المنتجين. وقد حظي العمل بإشادة واسعة لما يقدمه من مقاربة فريدة لأخوّة النساء والمقاومة النسوية في الصين، من خلال تتبع حيوات أربع شقيقات شاركن في “تربية” المخرجة وتقاسم أمومتهاأفضل مشروع في مرحلة المونتاج الأولي: “الحبل” (The Cord) للمخرجة الفرنسية نولوين هيرفيه، الذي سيحصل أيضاً على خدمات ترجمة وترجمة مصاحبة مجانية.جائزة منتدى دوك لاب للمشاريع التفاعلية: “عدد الضحايا” (Body Count) للفنان كريس برينغاس من الفلبين، الذي يوثّق لقاء عبر تطبيق “غريندر”.إشادة خاصة: المشروع الإيراني “أحلام من بلوط بري” (Dreams of the Wild Oaks) للمخرجة مرجان خسراوي باله دي.دلالات النجاح الإيراني وأبعادهيمثل فوز ثلاثة أفلام إيرانية بأهم جوائز إدفا 2025 ظاهرة لافتة تستحق التأمل. فرغم القيود السياسية والضغوط الاجتماعية، تواصل السينما الوثائقية الإيرانية تقديم أعمال متميزة تتناول قضايا إنسانية عميقة: نضال المرأة ضد التقاليد الأبوية، معاناة اللاجئين، وتجارب الشتات والذاكرة الجماعية.يعكس هذا الإنجاز نضج المدرسة الوثائقية الإيرانية التي طورت لغة سينمائية خاصة تجمع بين الواقعية والشاعرية، وبين التوثيق والتجريب، وبين المحلي والعالمي. كما يشير إلى قدرة السينمائيين الإيرانيين على إيجاد شركاء إنتاج دوليين، إذ جاءت الأفلام الثلاثة الفائزة كإنتاجات مشتركة مع دول أوروبية وأمريكية، بما يؤكد الثقة الدولية في المواهب الإيرانية وأهمية القصص التي يروونها.فيلما “ثعلب تحت قمر وردي” و”ماضٍ ومستقبل مستمر” يحصدان جوائز مهرجان IDFA، أكبر مهرجان وثائقي في العالمتشترك هذه الأفلام في تركيزها على قضايا المرأة والحرية والهوية، سواء من خلال قصة ثريا الأفغانية في فيلم “ثعلب تحت قمر وردي” الساعية إلى الحرية عبر الفن، أو مريم المنفية في فيلم “الماضي المستقبل المستمر” القلقة على والديها في طهران، أو سارة الإيرانية في فيلم “اختراق الصخور” المناضلة ضد التقاليد لتمكين الفتيات. ويعكس هذا التركيز مكانة القضايا النسوية ودور المرأة المحوري في الخطاب السينمائي الإيراني المعاصر.آفاق مستقبليةتؤكد نتائج مهرجان إدفا 2025 أن السينما الوثائقية لا تزال وسيلة قوية ومؤثرة لسرد القصص الإنسانية الحقيقية وتسليط الضوء على القضايا المصيرية في عالمنا اليوم. فالهيمنة الإيرانية على الجوائز الكبرى تمثل اعترافاً عالمياً بجرأة السينمائيين الإيرانيين ومثابرتهم في توثيق الواقع رغم التحديات، وتفتح في الوقت ذاته نافذة أمل لمزيد من التعاون الدولي المثمر والتبادل الثقافي الغني في مجال السينما الوثائقية.في مسابقة “إنفيجن” المرموقة التي jقام في مهرجان IDFA، فاز فيلم “الماضي والمستقبل المستمر” بجائزة أفضل فيلم، للمخرجين الإيرانيين مرتضى أحمدوند وفيروزه خسرواني. ويصاحب هذا التكريم جائزة قدرها 15,000 يوروفي عالم يحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى الفهم المتبادل والتعاطف الإنساني العميق، تبدو مهرجانات مثل إدفا ومساحاتها المتعددة – من العروض الجماهيرية إلى “دوك لاب” ومنتدى الإنتاج المشترك – بمثابة مختبر حي لابتكار لغات جديدة للسرد، تربط بين تجارب الشعوب وتمنح القصص المهمشة مكانها المستحق على الخريطة البصرية للعالم.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً




