نيويورك تايمز: الحكومة السورية بين وعود الإصلاح ومخاوف العودة إلى الاستبداد

نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً تناول التطورات الجارية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مسلطة الضوء على الخطوات التي اتخذتها الحكومة الجديدة لإصلاح المنظومة الأمنية والسجون، والتي كانت أحد أبرز أدوات القمع في العقود الماضية.
كما تطرق التقرير إلى التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجهها السلطة الجديدة، مشيراً إلى مخاوف من استمرار بعض الممارسات القديمة، رغم الوعود بإحداث تغييرات جوهرية، إضافة إلى تسليط الضوء على الانقسامات الطائفية وتأثيرها على مستقبل البلاد.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع العملية الانتقالية في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الصحيفة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
اتخذ حكام سوريا الجدد خطوات عدة لتوجيه البلد بعيداً عن الحكم الدكتاتوري، إذ خرجوا بمخططات لإصلاح السجون والمنظومة الأمنية التي كانت ركيزة للحكم بالتخويف أيام نظام الأسد البائد.
إلا أن طريقة تعاملهم مع موجات العنف الطائفي، وابتعادهم عن المشاركة، وجمع السلطات في أيدي حفنة من الناس أثار مخاوف تجاه أسلوب حكمهم الوليد وبقائه مرتبطاً بالاستبداد بشكل وثيق.
لأكثر من خمسة عقود تحت حكم آل الأسد، تحولت سوريا إلى دولة أمنية تُحكم بالترهيب، وأضحت السجون فيها أداة مرعبة ورمزاً للتخويف، فقد انتشرت ممارسات التعذيب والإعدامات في تلك السجون التي كانت تحتجز وتخفي آلاف الناس بشكل قسري، وتخضع الشعب كله للسيطرة القمعية.
انتهاء عهد "طغيان الأمن"
في أيار الماضي، أعلنت وزارة الداخلية عن عزمها على إصلاح منظومتي الأمن والسجون، بهدف الالتزام والتمسك بحقوق الإنسان والحفاظ على كرامة السجناء، وقد يستلزم ذلك بناء سجون جديدة كلياً أو تجديد القائم منها بما يلبي المعايير الإنسانية بحسب ما أوردته الوزارة.
وفي تصريح لصحيفة نيويورك تايمز، أعلن نور الدين البابا، الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية بأن "طغيان قوى الأمن" قد انتهى.
ولكن، ماتزال هنالك مؤشرات عدة إلى عدم تخلي من طردوا بشار الأسد في كانون الأول الماضي عن أساليبهم القديمة.
فقد حكم الرئيس الجديد، أحمد الشرع، وهو زعيم ثوار إسلامي سابق، عبر حصر السلطات في يده وفي يد فئة صغيرة من مواليه، بينهم شقيقاه.
وتعليقاً على ذلك، قالت منى يعقوبيان مديرة برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "بنيوياً مايزال النظام نظاماً رئاسياً قوياً كنظام الأسد، وهنالك مقاومة للسلطة اللامركزية"، التي تفسح المجال لعدد من الطوائف بأن يكون لها دور في الحكم، على الرغم من أهمية ذلك بالنسبة لسوريا نظراً لوجود تنوع عرقي وديني كبير بين طوائفها بحسب رأي يعقوبيان.
من جانبها، ذكرت لارا نيلسون وهي مديرة السياسات بموسسة إيتانا سوريا البحثية بأن هنالك: "بوادر مقلقة للاستمرار (على النهج ذاته)".
وبحسب ما ذكره خبراء فإن هنالك فروقات جوهرية بين الحكومتين السابقة والحالية، ولذلك رحبت منظمات حقوق الإنسان بالجهود الساعية لإصلاح نظام الحكم القائم على الدولة البوليسية في سوريا، على الرغم من أنها ترى بأنه من المبكر جداً تقييم مدى نجاح ذلك بشكل كامل.
مجلس شعب "لا يعبر عن إرادة الشعب"
عند إعلان وزارة الداخلية عن إدخال تغييرات على فروع الأمن في أيار الماضي، أعلنت عن عزمها على تشكيل مكاتب تابعة للحكومة حتى تستقبل الشكاوي وتلتزم بالمحاسبة، وفي ذلك بون شاسع عما كان يحدث أيام الأسد، عندما كان الشعب السوري يخشى حتى من المرور بجانب المقار الأمنية.
تعلق يعقوبيان على ذلك بقولها: "هنالك تحركات مهمة" توحي بأن حكام سوريا عازمون على عدم العودة إلى النهج ذاته الذي انتهجته الحكومة السابقة، وأضافت بأن ذلك شيء مبشر.
في بداية الأمر، لقيت عملية تعيين أعضاء مجلس شعب جديد والتي من المزمع أن تتم في أواخر هذا الشهر، ترحيباً كبيراً بوصفها خطوة نحو قيام نظام أكثر ديمقراطية، غير أن تلك الخطوة أضحت مثار خلاف.
إذ من بين 210 مقاعد، سيعين الرئيس الثلث تعييناً مباشراً، وسيجري اختيار من تبقى من أعضاء المجلس عبر لجان انتخاب محلية شكلتها الحكومة، مع تخصيص خُمس المقاعد للنساء.
وخلال الأسبوع الماضي، أرجأت هيئة الانتخابات عملية التصويت لأجل غير مسمى في ثلاث محافظات لا تخضع لسيطرة الحكومة، وعينت عوضاً عن ذلك مرشحين ليمثلوا تلك المناطق بحسب ما أورده الإعلام الرسمي، وهذا ما ذكر الناس وبشكل صارخ بالتحديات التي يواجهها الشرع في توحيد بلد مقسم بعد 14 عاماً من الحرب.
دخلت الإدارة الذاتية ذات القيادة الكردية والتي تسيطر على معظم أجزاء شمال شرقي سوريا في مفاوضات مع الحكومة المركزية بدمشق بهدف التوحد معها والاندماج ضمن هياكلها السياسية والعسكرية، إلا أن تلك المفاوضات دخلت مرحلة الجمود اليوم.
انتقدت القيادة الكردية الانتخابات التي وصفتها بأنها: "محاولة لإعادة إنتاج السياسات الإقصائية التي حكمت سوريا لعقود خلت"، وذكرت بأنها لا تعبر عن إرادة الشعب.
ثم إن غياب عملية المشاركة في صنع القرار أدى للتشكيك بالحكومة وانعدام الثقة بها بين صفوف الأقليات مثل المسيحيين والعلويين والدروز والكرد، في حين يمثل أكبر تحد أمام وحدة البلد، ويرى بعض الخبراء مؤشرات لذلك في طرد من ينتمون لتلك الطوائف ممكن كانوا قد عينوا في مناصب حكومية.
وفي هذا السياق تقول ديمة موسى وهي محامية وناشطة كانت معارضة لنظام الأسد: "أشد ما يقلقني هو عدم المشاركة والانفتاح على من يحملون توجهات سياسية مختلفة".
تجلى هذا الانشقاق بكل وضوح عبر ثلاث موجات مع العنف الطائفي الدموي خلال الشهور الستة الماضية والذي تورطت فيه قوات الحكومة أو من والوها، إذ في أحدث موجة للعنف، قتل مئات الناس في شهر تموز بمحافظة السويداء الواقعة جنوبي البلد بعد اشتباكات وقعت بين عشائر بدوية مسلحة والأقلية الدرزية.
في حين أعلنت منظمات حقوق الإنسان عن تورط قوات تابعة للحكومة في موجات العنف الطائفي الثلاث كونها نفذت عمليات إعدام ميدانية وغيرها من أعمال العنف وكان الدافع لذلك إما الانتقام أو النزعة الطائفية.
استنكرت الحكومة أعمال القتل التي نفذتها قواتها، ووصفت ما حدث بأنه حدث خارج نطاق القانون، ولذلك فتحت تحقيقات في تلك الأحداث.
منذ أيام قليلة، ذكر المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، أمام مجلس الأمن بأن: "البلد ما يزال هشاً إلى أبعد الحدود كما ماتزال العملية الانتقالية تسير على حد السكين"، وأضاف بأن: "السوريين بحاجة للإحساس بأن هذه العملية الانتقالية ليست عبارة عن سلسلة ترتيبات خاصة ومؤسسات معزولة، بل إنها تسير على مسار واضح وشامل، يقوم على المشاركة والشفافية"، ولكن من دون قيام إصلاحات حقيقية ومؤسسات حكومية قوية، تصبح سوريا مهددة بضياع فرصة الدعم الدولي الحساس بالنسبة لها.
قوض العنف الطائفي والثأري ما تحدث عنه مسؤولو الدولة ووصفوه بأنه من أولوياتهم، وعلى رأس تلك الأولويات نشر الأمن والاستقرار، والتشجيع على نشر السلام في الداخل، وتوحيد البلد.
غير أن الامتحان الحقيقي لكل ذلك يتمثل بتطبيق الإصلاحات المخطط لها وضبط قوى الأمن، بحسب رأي يعقوبيان، في حين ترى موسى التي أصبحت اليوم ناشطة مدافعة عن حقوق المرأة بأن: "مايزال هنالك مجال لتحسين الأمور، ونرى بأن ذلك التحسن في هذه المرحلة يجب أن يكون قد قطع شوطاً طويلاً من حيث تحقيق الإنجازات، ولاسيما بالنسبة لقضايا مثل الاقتصاد والأمن، إلى جانب إعادة هيكلة القوات المسلحة".
حكومة شاملة.. ربما!
شملت حكومة الشرع وزراء من الشتات السوري يتمتعون بخبرات كبيرة إلى جانب وزراء من الأقليات ووزيرة واحدة، وهذا ما عبر إلى حد ما عن التزامه بإقامة حكومة جامعة بحسب ما ذكر.
لكنه عين خاصته في الوزارات السيادية مثل الدفاع والداخلية والخارجية، معتمداً في ذلك على الدائرة المقربة التي تضم موالين وخلصاء رافقوه طوال سنوات زعامته لهيئة تحرير الشام.
أشرف وزير الداخلية أنس خطاب على قوات الأمن الداخلي الخاصة بالهيئة التي كانت تتبع في السابق لتنظيم القاعدة، والآن يشرف هذا الرجل على إعادة هيكلة قوات الأمن والشرطة وتنظيم صفوفها.
بعد وصول الثوار إلى السلطة، طردوا كل عناصر الشرطة وضباط الأمن الذين اعتبروهم أدوات بيد نظام الأسد القمعي، لكنهم سمحوا بعد ذلك لبعض رجال الشرطة بالعودة إلى وظائفهم، في حين جندوا الآلاف من الضباط الجدد على مدار الشهور التسعة الماضية، حيث خضع هؤلاء لبرنامج تدريبي سريع بهدف نشرهم في الشوارع في أقرب وقت ممكن.
رافق وزير الخارجية أسعد الشيباني الشرع لسنوات طويلة وسبق له أن تعاطى العلاقات الخارجية ضمن هيئة تحرير الشام، غير أن دوره اليوم لم يعد يقتصر على العلاقات الخارجية لسوريا، بل بات أقرب لدور رئيس الوزراء، بما أن معظم الوزراء يرفعون تقاريرهم إليه بحسب ما ذكره مسؤولون أجانب تواصلوا مع تلك الحكومة.
تعلق على ذلك نيلسون مديرة السياسات في منظمة إيتانا فتقول: "ما رأيناه كان مجرد مشاركة رمزية لبعض الوزراء الذين نصبوا بصورة رمزية وحرموا من السلطات كافة، بما أن هيئة تحرير الشام ماتزال تمسك بالمفاصل الرئيسية للسلطة داخل الحكومة".
المصدر: The New York Times(link is external)
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه