رغم مرور أكثر من عام على "حرب لبنان الثالثة" بين إسرائيل وحزب الله، لا تزال الحالة "الأمنية" في شرق البحر المتوسط غير مستقرة.فبعد "الوقف المؤقت للقتال" في جنوب لبنان، أعلن المسؤولون الإسرائيليون، بدعم كامل من توم براك ومورغان أورتاغوس، صراحة أن من شروط المرحلة التالية- إلى جانب انسحاب المقاومة الإسلامية اللبنانية إلى الضفة العليا من نهر الليطاني، وتدمير البنية التحتية العسكرية والمدنية لحزب الله بالقرب من الحدود المشتركة- أن يتم نزع سلاح حزب الله والفصائل الفلسطينية المقاومة الموجودة في مخيمات اللاجئين بلبنان، وذلك استنادا إلى القرارين: 1559 و1701 الصادرين عن مجلس الأمن.وقد أعلنت حكومة نتنياهو صراحة أن الشرط الأساسي لـ"استمرار وقف إطلاق النار" على "الجبهة الشمالية"، هو نزع سلاح المقاومة الموالية لإيران.في المقابل، صرح مسؤولون كبار في حزب الله، وعلى رأسهم الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، أن النموذج الذي تطرحه إسرائيل والولايات المتحدة غير مقبول، وأن الحزب لا يقبل سوى مفاوضات لبنانية- لبنانية تُبنى على مصالح "الدولة- الأمة" اللبنانية.أما طهران، وبعد تجربة "حرب الأيام الـ12″، فقد باتت تدرك أكثر من أي وقت مضى أهمية ومكانة "حزب الله" في تشكيل "قدرة ردع" فاعلة أمام العدو الإسرائيلي. وقد ظهر هذا التوجه بوضوح خلال الزيارة الأولى لعلي لاريجاني إلى بيروت بصفته أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي.ومع مرور أكثر من عام على وقف إطلاق النار في الجبهة اللبنانية، لا يزال تنفيذ مشروع نزع سلاح حزب الله في حالة "تعليق". وقد صرح بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، في هذا السياق قائلا: "إسرائيل قد تشن هجمات على غزة ولبنان قبل الانتخابات المقبلة في أكتوبر/تشرين الأول 2026".ولعل هذا ما يفسر التصريحات اللافتة التي أدلى بها نواف سلام، رئيس الوزراء اللبناني، عن انتهاء "المرحلة الأولى" من نزع سلاح حزب الله، كما أن وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي انتقد- في مواقف غير مسبوقة- السياسات الإقليمية لطهران. إعلان ومع تغير مشهد الفاعلين الأساسيين في "النزاع اللبناني"، تطرح بعض النخب والإعلاميين سؤالا محوريا: إذا شنت إسرائيل هجوما جديدا ضد حزب الله، فكيف سيكون رد فعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟"معركة وجودية": التدخل المباشر في ميدان القتالأول السيناريوهات المطروحة بشأن "رد إيران" على أي هجوم إسرائيلي جديد ضد حزب الله، يتمثل في دخول إيران بشكل مباشر إلى ميدان المعركة.ففي هذا "الاحتمال"، تتجاوز طهران مرحلة الدعم "الاستشاري"، و"التسليحي"، و"اللوجيستي-المالي"، لحماية أهم أصول "محور المقاومة" في خط المواجهة الأمامي ضد "احتواء إسرائيل"، وتبدأ في استهداف القوات والممتلكات العسكرية وغير العسكرية الإسرائيلية بشكل مباشر، بهدف "رفع كلفة استمرار الحرب".ولولا أن نتنياهو وترامب شنا هجمات مباشرة على المواقع النووية-العسكرية الإيرانية في يونيو/حزيران 2025، لربما بدا هذا السيناريو بعيد الاحتمال، غير أن انكشاف أبعاد جديدة من البرنامج الإقليمي لنتنياهو منح خيار "اللعب عالي المخاطر" مكانة خاصة داخل "المجلس الأعلى للأمن القومي" و"المجلس الأعلى للدفاع".مع ذلك، فإن قبول مخاطر التدخل المباشر في معركة لبنان قد يُفهم من قبل بعض الخبراء ضمن إطار ما يعرف بـ"مصيدة ثيوسيديدس" (وهي نظرية تقول إن الحروب تنشب عندما تشعر قوة صاعدة بأنها مهددة من قبل قوة مهيمنة)، وقد يعتبر تنفيذه مؤشرا على استعداد طهران التام للدخول في جولة جديدة من الصراع مع إسرائيل.الصبر الإستراتيجي: عدم التدخل المباشرقبل يونيو/حزيران 2025، كانت المعركة بين إيران وحلفائها الإقليميين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، تدور ضمن ما يعرف بـ"المنطقة الرمادية".ففي الفترة ما بين 2018 و2023، اعتبر الجيش الإسرائيلي الوجود الاستشاري الإيراني في سوريا "تهديدا للأمن القومي"، وشن سلسلة من الغارات الجوية المركزة ضد المصالح الإيرانية هناك، في إطار إستراتيجية "المعركة بين الحروب".وخلال هذه الفترة، اختارت إيران سياسة "الصبر الإستراتيجي"، فركزت على حماية وحدة الأراضي السورية وحفظ مواقع محور المقاومة في جنوب سوريا، دون الانجرار إلى مواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل.وقد استمر هذا النهج بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، من خلال "حملة اغتيال الشخصيات القيادية"، وبلغ الأمر ذروته عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية مبنى السفارة الإيرانية في دمشق في 1 أبريل/نيسان 2024.ومع دخول المواجهة المحدودة بين حزب الله وإسرائيل مرحلة التصعيد في عام 2024 وتحولها إلى "حرب لبنان الثالثة"، ارتفعت الأصوات في الأوساط الرسمية والشعبية المؤيدة لحزب الله مطالبة بتدخل مباشر من إيران. وقد تزايد هذا الطلب خصوصا بعد هجمات البيجر الإرهابية، واغتيال الأمين العام، ومقتل قادة من "وحدة رضوان".غير أن غياب الجاهزية الكاملة لدى طهران في ذلك الوقت للدخول في "حرب مباشرة" مع إسرائيل جعلها تكتفي بدعم حزب الله بطرق متعددة. ومع ذلك، فقد أدت التجربة خلال العامين الماضيين إلى تراجع أنصار نظرية "الصبر الإستراتيجي"، وبات هذا التكتيك يلقى تأييدا أقل داخل أوساط النخبة الحاكمة في طهران.إحياء "حلقة النار": احتواء سلوك إسرائيل في لبنانمع اقتراب الذكرى السنوية لـ"حرب لبنان الثالثة"، ادعى مركز "ألما" البحثي-التعليمي أن إيران، إلى جانب تحويل مليار دولار كمساعدات مالية لتسريع إعادة إعمار ما تضرر من قدرات حزب الله، قامت أيضا بفتح مسارات جديدة عبر القرن الأفريقي، ومناطق أخرى، لتأمين الدعم اللوجيستي والتسليحي للحزب. إعلان وبسبب القيود المفروضة خلال العام الماضي، اتجه حزب الله نحو إنشاء وتوسيع ورش تصنيع أسلحة إستراتيجية مثل الصواريخ والطائرات المسيرة، وذلك ضمن سياسة "الاعتماد الذاتي" في مواجهة "العدو الإسرائيلي".كما أن المقاومة في اليمن والعراق، رغم الضغوط الأميركية، باتت أكثر استعدادا للمشاركة في الجولة المقبلة من الحرب ضد إسرائيل. وفي هذا السياق، جاء الاتصال الهاتفي بين وزير الحرب الأميركي، بيت هيغسيث، ووزير الدفاع العراقي، ثابت العباسي، والذي تضمن تحذيرا واضحا من دخول المقاومة العراقية في حرب وشيكة في إحدى دول المنطقة.وفي هذا السيناريو الثالث، قد تسعى طهران، بداية، بالتنسيق مع حلفائها الإقليميين، إلى "احتواء" إسرائيل ودفعها إلى التراجع. لكن في حال "فشل" هذه الخطة، قد تجد إيران نفسها أمام خيارين: "الصبر الإستراتيجي" أو "مواجهة التهديد الوجودي في الخارج". وقد زادت المواجهات الأخيرة بين طهران وتل أبيب من احتمال تدخل إيران المباشر في ميدان القتال أكثر من أي وقت مضى.ميزان القوى الإقليمي لم يتغير بعدتشير معطيات المرحلة الراهنة إلى ارتفاع "المخاطر الجيوسياسية" في منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2026.ومن أبرز هذه المؤشرات:
تصاعد الضغط الأميركي-الإسرائيلي على حكومتي بغداد وبيروت للإسراع في نزع سلاح فصائل المقاومة.
التقدم السريع في استعادة القدرات العسكرية الإيرانية.
توقف مفاوضات الملف النووي، والمصير الغامض لـ408 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%.
بالإضافة إلى قطع سلسلة معلومات الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول نشاطات طهران خلال الأشهر الستة الأخيرة، والموقع المهتز لنتنياهو واليمين الإسرائيلي في استطلاعات الرأي قبل انتخابات الكنيست القادمة.في ضوء هذه الظروف، يبدو أن طهران باتت مستعدة أكثر من أي وقت مضى لخوض "حرب مباشرة" مع إسرائيل، والدفاع عن أصولها الحيوية. أما التوقيت الذي ستختاره للعودة إلى ساحة المواجهة، فستكشفه تطورات المرحلة المقبلة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً





