قدم الفنان توفيق الدقن مجموعة مهمة من الأعمال السينمائية والمسرحية والدرامية في الإذاعة والتلفزيون، وترك إرثا فنيا يتجاوز 500 عمل، من بينها 12 عملا اختيرت ضمن قائمة أفضل فيلم في تاريخ السينما المصرية، حسب استفتاء النقاد عام 1996، من بينها: “درب المهابيل”، و”القاهرة 30″، و”في بيتنا رجل”، و”الأرض”، و”حدوتة مصرية”.امتلك توفيق الدقن كاريزما وحضورا مكناه من السيطرة على أدواره كافة، وبلغ ذروة الإبداع في تجسيدها. ولعل الكثير من النقاد يعتبرونه أظرف من قدم أدوار الشر في السينما والمسرح في مصر، حتى إنه نحت عددا من العبارات والإفيهات التي اشتهرت حتى اليوم في الأوساط الشعبية، مثل ” يآه يا آه”، وآلو يا أمم”، و”يا همبكة”.اقرأ أيضا list of 3 itemslist 1 of 3نجوم الظل.. الثانويون هم الأساس!list 2 of 3محمد بيومي.. عرّاب السينما المصرية الذي لا يعرفه أحدlist 3 of 3“عندي صورة”.. كومبارس يصبح بطلا لأول مرة بعد ألف فيلمend of listكما أجاد أداء مجموعة أدوار مركبة وشخصيات درامية متنوعة حظيت بإعجاب كل من الجمهور والنقاد، ومن بينها:
“شعبان” في فيلم “الأرض”،
و”فهمي القليوبي” في “المذنبون”،
و”الصول شلقامي” في “ليل وقضبان”،
و”المأمور” في “يوميات نائب في الأرياف”،
و”شحاتة تركي” في “القاهرة 30″، و”أبو الخير حسنين” في “مراتي مدير عام”،
و”أمين” في “سر طاقية الإخفاء”،
و”الباز أفندي” في “ابن حميدو”،
و”الأعوار عود/مرسي” في “القط الأسود”،
و”سمير فخري” في مسرحية “سينما أونطة”،
و”المعلم شهدي” في “قهوة الملوك”،
و”حسن أبو الروس” الأخ الأكبر في “بداية ونهاية”.
وأما أدوراه في المسرحيات فكانت:
و”المعلم تاجر المخدرات” في مسرحية “الدخان”،
و”الأخ الأكبر محمد الدوغري” في “عيلة الدوغري”،
و”السيد” في “الفرافير”، و”زوال” في “خيال الظل”،
و”حداية الأعرج” في “سليمان الحلبي”،
و”شاكر بك” في “حلاوة زمان”،
و”المأمور” في “المحروسة”،
و”الباشا” في “ليلة زواج سبرتو”،
و”العمدة” في “كفر البطيخ”،
و”الصاغ أمين” في “السبنسة”،
و”تاجر الحمير المسروقة” في “كوبري الناموس”،
و”الريجيسير قرني” في “سكة السلامة”،
والمسرحيات الخمس الأخيرة من تأليف سعد الدين وهبة.الشاهد أن توفيق الدقن وسعد الدين وهبة شكلا ثنائيا مهما في تاريخ المسرح القومي المصري، وقدما مشروعا فنيا يجسد أحلام الإنسان البسيط وارتباكات المثقف وأزمات الواقع. ولم يجد وهبة أفضل من الدقن ليتقمص شخصية أبطاله وينطق بلسانهم. سنرى ذلك في “المحروسة”، و”السبنسة”، و”كفر البطيخ”، و”الناموس”، و”سكة السلامة”.توفيق الدقن، أظرف من قدم أدوار الشر في السينما والمسرح المصريإلا أن الدقن ووهبة تعاونا أيضا في مسرحية “سبع سواقي” التي منعتها الرقابة في أواخر الستينيات، وهي مسرحية تتناول الأوضاع السياسية بطريقة ساخرة[1]. الخط الأساسي في المسرحية هو كشف أسباب هزيمة يونيو/حزيران 1967 التي أحدثت شرخا في الوعي المصري.ويلجأ الكاتب إلى الحديث عن هذا الأمر بشكل فني غير مباشر؛ إذ جعل خمسة من الجنود الذين استشهدوا في هزيمة 1967 ودفِنوا في سيناء يتركون قبورهم ويحملون جثامينهم وأكفانهم لكي يدفنوا في مقابر الإمام. يأتي شاويش الحراسة ويطلق عليهم النار، ويتملكه الذهول حينما يجدهم لا يسقطون. تعلم السلطات بأمرهم وتحاول دفنهم، لكن شهداء الحروب السابقة يرفضون أن يدفنوا معهم ويقومون بحركة احتجاج على دفن هؤلاء الجنود لأنهم لم يقتلوا ولم يستشهدوا في قتال بل انسحبوا، كما صرح الجنود الخمسة عندما سئلوا عن الذي حدث في يونيو/حزيران 1967 وقالوا إنه صدر إليهم أمر بالانسحاب غير المدروس وغير المنظم مما جعل العدو يصطادهم بسهولة.يعقد الشهداء من حروب سابقة محاكمة يكون القاضي فيها هو زعيم ثورة 1881 أحمد عرابي، ويسجل الجلسة المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي. يستعرض النص المسرحي بمرارة شديدة وتهكم مرير ما مر بمصر من مآس، كما يعالج في هذه المسرحية حالة الفساد الاجتماعي في طبقات المجتمع. هؤلاء المتواطئون ضد البسطاء والعامة. أما المثقفون في هذه المسرحية، فقد ظهروا مغيبين تماما عن المشهد، فهم مرتبون ولا يجزمون برأي، يتجادلون في حوار سفسطائي ما بين مصدق ومكذب لما يحدث.أفضل ما في المسرحية هو إظهار نفوس الشعب المصري وكيف يتعامل مع الهزيمة، وكذلك تحليل ما حدث في هزيمة 1967.اشترك فيالنشرة البريديةاشترك في النشرة البريدية وتابع أحدث أفلامنا الوثائقيةسينما أونطة!لم تكن مسرحية “سبع سواقي” هي المسرحية الوحيدة التي منعت للفنان توفيق الدقن؛ فهناك أيضا “سينما أونطة” التي كتبها نعمان عاشور. كانت بطولة توفيق الدقن (سمير فخري) الشيال الذي تحول إلى بائع خيش ثم سائق تاكسي، ودون مقدمات أو أسباب منطقية بات مليونيرا، وتحول إلى منتج سينمائي لُحبّه للجنس الناعم! وأمامه برلنتي عبد الحميد في بداية تألقها، وكان من المستحيل أن تجد كرسيا في اليوم نفسه ولا حتى بعد أسبوع.مسرحية سعد الدين وهبة “7 سواقي”، واحدة من مسرحيات توفيق الدقن الممنوعةتفضح المسرحية ما يحدث في عالم السينما ويجهله الجمهور، فـ”سمير فخري” المنتج المجهول يستغل الممثلات الشابات ويعرض عليهن أدوار البطولة إذا وافقن على إقامة علاقة خاصة معه. وقد نجحت المسرحية نجاحا مبهرا، وهوجمت في الوقت نفسه بشراسة، ووصلت إلى توفيق الدقن ونعمان عاشور تهديدات بالقتل من بعض المنتجين ممن رأوا في أنفسهم “سمير فخري”. وهاجمت الصحافة الفنية المسرحية بإيعاز من المنتجين المشتبهين، وهاجم بعض الكتاب المسرحية تحت ستار الخوف على الأخلاق، وبدعوى أن المسرحية تسيء إلى مصر وأخلاق المصريين.لم يجد وزير الثقافة المصري -حينذاك- ثروت عكاشة حلا لإيقاف المسرحية سوى فصل نعمان عاشور مؤلف العمل من المسرح القومي. وبالفعل صدر قرار فصله النهائي من وظيفته في وزارة الثقافة عام 1959، وجاء هذا القرار ضمن حملة واسعة ضد المثقفين الذين اتهموا بالانتماء إلى اليسار، حيث طردوا من أعمالهم ودخل معظمهم السجن في ذلك العام. وكان نصيب نعمان عاشور مقصورا على الطرد من وظيفته، وإيقاف المسرحية الناجحة لإرضاء السينمائيين الغاضبين[2].عفاريت مصر الجديدةالمسرحية الثالثة التي أثارت أزمة كبيرة للفنان توفيق الدقن كانت في أبريل 1971، واسمها “عفاريت مصر الجديدة” وكتبها الكاتب المسرحي علي سالم، واعترضت عليها الرقابة، وحاولت جهات كثيرة منعها. وفي النهاية بعد حذف عدة مشاهد وتشكيل لجنة من الرقابة، شاهدتها بالكامل وأجازت عرضها.تدور المسرحية حول سيدة في منتصف الثلاثينيات، تدخل قسم مصر الجديدة في الحادية عشرة مساء، لعمل محضر باختفاء زوجها في لحظة انطفاء الكهرباء لمدة ثانية واحدة. لا يصدق ضابط الشرطة روايتها؛ إذ كيف اختفى زوجها أستاذ القانون بجامعة القاهرة والشقة مغلقة، وتتوالى البلاغات باختفاءات مشابهة في أماكن متعددة بنفس الطريقة.مشهد من مسرحية “عفاريت مصر الجديدة”يلاحظ ضابط الشرطة ومعه بطلة المسرحية، المختفي زوجها رجل القانون، أن ثمة سمات متشابهة لدي كل المختفين. فالمختطفون جميعا يتمتعون بالمرح، ومقاس أحذيتهم واحد (40) في إشارة إلى توافق المختفين، (أبناء تيار واحد – أبناء جماعة واحدة – أبناء ثورة واحدة).يبدأ ضابط الشرطة بطل المسرحية البحث وعمل اللجان لكي يكشف غموض الجريمة، التي تتوالى في الشارع، ولا إشارة سوى أن الخاطفين، هم أقوى من جهاز الشرطة. يستمر الوضع هكذا، حتى يعود اثنان من المختفين، هم أستاذ القانون وصحفي في إحدى الجرائد، يعمل في بابي “حظك اليوم والكلمات المتقاطعة”.يحاول ضابط البوليس والزوجة أستاذ المنطق بكلية الأداب بالجامعة، التوصل إلى أي خيط يدل على مكان الاختفاء أو شخصية الخاطفين، ولكن العائدين يلوذون بالصمت.الملاحظة الكبرى الوحيدة هي فقدانهم لآمالهم وأحلامهم، وتحول دكتور القانون إلى مكتشف راقصات للرقص الشرقي، (فعدد الراقصات قليل جدا -على حد تعبيره) ويفتتح معهدا للرقص الشرقي. أما الصحفي المختفي أو المختطف، فقد تحول إلى قارئ فنجان ومنجم.هكذا تغيرت الأحوال، وظهرت علامة جديدة عليهم فقد تحول مقاس أحذيتهم من مقاس 40 إلى مقاس 44، في دلالة واضحة على التغيير الكبير في قيم ومعايير ومبادئ الشخصيات، فمعروف أن مقاس القدم لا يتغير بعد سن النضوج.لا يكل بطل المسرحية والبطلة، عن البحث عن الذين اكتشفوا الجريمة، التي تحدث في لحظة انطفاء الكهرباء، والبحث عمن يحاول أن يشد مصر الجديدة إلى طريق التخدير واللهو والإلهاء، عن صناعة التاريخ والفنون الراقية.عندما يضع البطل يديه على السر، يعقد مؤتمرا صحفيا ليعلن الحقيقة، ينطفئ النور ثانية واحدة، ويختفي البطل ليستمر الحال كما هو عليه، حيث يتحول أستاذ القانون إلى صاحب معهد للرقص الشرقي، والصحفي إلى قارئ للطالع ويظل بقية المختطفين مختفين، لكن بطلة العرض تضيء شمعة لتخبر الجميع بالحقيقة دفاعا عن مستقبل أمة.هكذا تنتهي مسرحية علي سالم التي قدمها المسرح القومي بالقاهرة في أبريل/نيسان 1971 بطولة توفيق الدقن وعبد الرحمن أبو زهرة ومحسنة توفيق ومن إخراج جلال الشرقاوي.الكاتب المسرحي سعد الدين وهبةوإذا كانت المسرحية حققت نجاحا منقطع النظير، حتى أصبح الحصول على تذكرة لحضورها من الأحلام التي يتسابق عليها الجميع، فإن هذا النجاح انهار فجأة؛ إذ سجل التلفزيون المسرحية بعد ثلاثة أيام عرض فقط، وبدأ إذاعتها فعلا في سابقة أولى وأخيرة، أن تصور مسرحية وتعرض بعد أيام من بدء عرضها.توقف الناس عن الذهاب إلى المسرح واكتفوا بمشاهدتها في التلفزيون، وتوقف العرض وخسر الجمهور والفن مسرحية جيدة المستوى والمحتوى، فلم تعد تعرض على شاشة التلفزيون أيضا. وكان هذا نوعا آخر مستترا من المنع.وعن عمر ناهز 64 عاما، توفي الفنان توفيق الدقن في القاهرة يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1988.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً





