“كان ياما كان في غزة”.. حوار مع صانعي الفيلم حول تغيرات غزة بين فيلمين

ظلّ صنّاع السينما العرب سنين عددا يتمنّون الفوز بالجوائز الكبيرة في المهرجانات السينمائية العالمية، التي تضمن لهم الوجاهة والاستحقاق والتفوّق.وقد تحقق ذلك مرات نادرة، منها ما حدث مع الفيلم الفلسطيني “كان يا ما كان في غزة” (Once Upon a Time in Gaza) الذي فاز بجائزة أفضل إخراج ضمن قسم “نظرة ما” في الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي الدولي، المهرجان الأشهر في العالم.اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4مهرجان وارسو السينمائي الـ41.. حضور عربي استثنائي وختام فلسطينيlist 2 of 4معركة الرواية.. أفلام فيتنام أعادت كتابة التاريخ وصور غزة تكتب المستقبلlist 3 of 4مهرجان سالونيك السينمائي الدولي الـ66.. حضور عربي وتكريمات عالميةlist 4 of 4مهرجان الدوحة السينمائي.. انطلاقة طموحة وبناء على التجارب السابقةend of listوقبل نحو 5 سنوات، قابلنا الأخوين طرزان، مخرِجَي الفيلم، بعد عرض فيلمهما “غزة مونامور” (2020).الأخوان طرزان مخرجا الفيلمآنذاك كانت الملاحظة الأولى هي مدى فكاهة الفيلم المفرطة، وكان تبرير الأخوين أنهما كانا يريدان الحكي عن حياة الناس في فلسطين لا موتهم، وقد تكررت تلك الملاحظة طوال مشاهدة فيلمهما الجديد “كان ياما كان في غزة”، لكن في لحظة مختلفة تماما.يرى المخرج أن “غزة ريفييرا” التي دمّرتها الحرب تماما قدّمها بمدير التصوير “كريستوف غرايلوت”، الذي تعاون معه الأخوان من قبل، وقد صاغ في الأردن ما يمكنه تمثيل غزة جيدا.يحكي الفيلم قصته خلال عام 2007، وهو ما يجعل قصته مغرية تماما، فهي لحظة بدايات سيطرة حركة حماس على غزة، وكانت يومئذ تعدّ لفيلم يحكي مآثر أحد أبطالها، الذي صادف أن يشبه يحيى السنوار.نشاهد “فيلما داخل فيلم”، ومع تلك المفارقة نشاهد التحولات في حياة البطل، الذي يحتاج إلى الخروج من الفيلم الذي وضع فيه، ويصبح الأمر عكسيا تماما: خيال يهرب منه البطل إلى حقيقة فيلمية تحتاج أن تنجز.ملصق فيلم “كان ياما كان في غزة” للأخوين طرزانالأهم في ذلك أنه بين “غزة مونامور” و”كان ياما كان في غزة”، مرت سنوات استثنائية في حياة غزة خصوصا، وفلسطين عموما، بعد حرب إبادة استغرقت أكثر من عامين.وقفنا عند تلك الأرضية للحديث معهما عن الاختلافات والمسارات التي يواجهها الفيلم الفلسطيني، وتغيرات الأمور في تلك السنوات.أهلا وسهلا يا أعزاء، لم نتحدث منذ حوارنا الأول حول “غزة مونامور”. احكِ لنا كيف تغيّرت الأوضاع منذ يومئذ؟ هل واجهتم مشكلات رقابية أو أزمات داخلية أو خارجية للحديث عن غزة خلال الفيلم الجديد؟ ما الذي تغيّر في نظرتكم، خصوصا مع العيش خارج المدينة كل تلك السنوات؟لم يتغيّر كثير منذ “غزة مونامور”، سوى أن الإحساس بالمسؤولية أصبح أعمق وأكثر اتساعا.اشترك فيالنشرة البريديةاشترك في النشرة البريدية وتابع أحدث أفلامنا الوثائقيةفكلما ابتعدنا عن غزة، ازداد إدراكنا لواجبنا الأخلاقي والفني في رواية حكاية الإنسان الغزّي، لا صوتا منسيا خلف الجدران، بل صوتا إنسانيا يخصّ العالم كله، لأنه ضحيّتهم، ويثبت ذلك ما يحدث له الآن من إبادة على مرأى العالم.نحن لا نتخذ غزة موضوعا سياسيا ولا مادة سينمائية تجارية، بل حقيقة وجودية. فخلف الحصار والاحتلال الإسرائيلي والقمع اليومي حياة وتفاصيل وأحلام تستحق أن تروى.نحاول أن نظهر أن هذا الإنسان، الذي لا يزال متمسكا بحقه في الحب والأمل والحياة، مع ما فرض عليه من احتلال وحصار قاس.هذه هي المقاومة الهادئة وغير الهادئة، البعيدة عن الشعارات، وهي ما يلهمنا دائما. وهي ما نحاول إيصالها للعالم: أن إنسان غزة يتفق في إنسانيته مع كل إنسان في كل مكان، لكن الظروف الوحشية المفروضة عليه تجعله مقاوما يطالب بحريته وحقوقه المسلوبة.ملصق فيلم “غزة مونامور” (2020) للأخوين طرزانمنحنا العيش بعيدا عن غزة مساحة من الحرية والحركة، لكنه عمّق فينا شعور المنفى والحنين، فكل فيلم نصنعه هو محاولة لردم هذه المسافة، نوع من العودة الرمزية إلى المكان الأول، ونرى أن السينما هي الوطن الذي نحمله معنا، نبقي فيه ذاكرة المدينة ووجوه الناس ورائحة البحر.في “غزة مونامور” انطلقتم من قصة حقيقية تجاوزتْ في سردها الخيال الطبيعي. ما الذي يجعلكم تعتمدون قصصا حقيقية وتتوسعون فيها بسخرية؟ ألا تجدون في ذلك مخاطرة؟نحن لا نرى أننا نطير بالخيال، حين ننطلق من قصة حقيقية، بل نحاول كشف ما هو واقعي لأقصى حد.الواقع الفلسطيني -لا سيما في غزة- غالبا ما يكون أغرب من الخيال، فما يعيشه إنسانها يحمل قدرا كبيرا من المفارقة والسخرية والعبث، الذي لا يحتاج إلى اختراع.لقطة من فيلم “كان ياما كان”السخرية عندنا ليست للضحك، بل للتعبير عن العبث والظلم والقهر، إنها سخرية سوداء تعكس قسوة الواقع، وتظهر قدرة الإنسان الغزّي على التكيّف والمقاومة. حين يسخر الإنسان من معاناته، فهو يقول: ما زلت هنا، لم أنهزم بعد.نحن لا نرى في السخرية مخاطرة، ذلك لأنها جزء من الشخصية الغزّية نفسها، لكن المخاطرة في من يسيء الفهم من الخارج، ويظن أننا نضحك العالم على وجعنا، ونحن نفعل العكس، ونكشف أن هذا الوجع واقعي، وأن الضحك ليس ترفا بل وسيلة للبقاء.كيف تجدون استقبال هذا الخطاب الساخر عربيا وغربيا؟ وهل أصبحت ردود الأفعال متوقعة؟نحن لا نصنع أفلامنا لفئة محددة، فحين نبدأ العمل نفكر في الإنسان، وفي التجربة الإنسانية القادرة على الوصول إلى كل إنسان. السينما لغة عالمية.تختلف ردود الفعل باختلاف خلفية المشاهد، فبعض الغربيين يرون أفلامنا نافذة على واقع جديد، بعضهم يشعر بالذنب، وبعضهم يرفض الاقتراب من الموضوع، وأما العربي فيشاهد الفيلم ويراه جزءا من واقعه.مخرجا فيلم “كان يا ما كان في غزة” في مهرجان القاهرة السينمائيفي فيلمنا الأخير، الذي كتبناه قبل الإبادة واستكملنا إنجازه خلالها، أردنا تذكير العالم بأن حياة مليوني إنسان كانت موجودة قبل 7 أكتوبر. لم نحتج إلى الحديث عن الإبادة مباشرة، فالعالم يراها، لكن أردنا إظهار الحياة قبلها.ردود الفعل كانت قوية ومتنوعة، وشعرنا أن جزءا من الجمهور، خصوصا في الخارج، اكتشف للمرة الأولى الحياة في غزة قبل الحرب.إن غضب الناس من السخرية في هذا الظرف الدامي، فكيف تتعاملون معهم؟ وهل تتوقعون قراءة أعمق لأفلامكم مستقبلا؟إذا غضب أحد، فنحن نتفهّمه تماما، فالمشاعر مشحونة، والإبادة مستمرة، ومن الطبيعي أن يساء فهم أي تناول غير مباشر. نحترم هذا الشعور لكنه لا يغيّر قناعتنا بأن التعبير عن الألم لا يكون بطريقة واحدة.أثناء تصوير فيلم “كان يا ما كان في غزة”نرى أن تعدد زوايا الطرح جزء من قوة القضية الفلسطينية، فنحن نظهر الإنسان قبل الانفجار، وآخرون يصورون الإبادة نفسها، كلاهما ضروري.ونؤمن أن الزمن يمنح الأعمال الفهم الأعمق، وستقرأ أفلامنا لاحقا على أنها جزء من الوعي المتراكم حول فلسطين.احكِ لنا تجربتكم في العمل ثنائيا، كيف تتخذان القرارات الإخراجية المصيرية؟نحن توأم متطابق، نتقاسم كل تفاصيل الحياة، والسينما من أعمق الروابط، نتفق بنسبة 99%، وما بقي هو مساحة الاختلاف التي نديرها بنقاشات حادة أحيانا، لكنها تغني التجربة ولا تفرقنا.كيف ترون واقع الأعمال الفنية عن غزة اليوم؟ وهل أحدثت تغييرا واقعيا؟أصبح المشهد الفني الفلسطيني أكثر تنوعا ونضجا، فلكل فنان رؤيته، وهذا جيد، والقضية ليست قصة واحدة، بل تجارب متعددة.نحن حكينا عن غزة قبل الإبادة، وقد تناول آخرون الإبادة نفسها أو أزمنة سابقة، وهذا الاختلاف يثري الصورة، والأعمال الفنية قد لا تغيّر الواقع مباشرة، لكنها تغيّر طريقة رؤيته، وهذا أساس كل تغيير حقيقي.العالم يحتاج إلى قصص أكثر عن فلسطين. ما أهمية الصورة اليوم؟ وما مشاريعكم القادمة؟نعيش عصر الصورة، وهي التي غيّرت ملامح التضامن العالمي، فالاحتلال يحارب الصورة الفلسطينية، لكنه عجز عن محو صور الإبادة.نرى أن معركتنا اليوم أيضا في الصورة، وفي كيفية تقديم الرواية بأنفسنا، ونعمل حاليا على فيلم جديد بعنوان “غزة للأبد”، تدور أحداثه خلال الإبادة، بقصة عائلة اختارت عدم النزوح من الشمال إلى الجنوب. الفيلم يقترب من العمق الإنساني للبقاء والتمسك بالمكان برغم الخطر.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً




