Syria News
جاري تحميل الأخبار العاجلة...

الغرف الأمنية في قلب أول ثانوية بسوريا.. ما الذي كشفه ترميم جودة الهاشمي؟

الجمعة، 12 سبتمبر 2025
الغرف الأمنية في قلب أول ثانوية بسوريا.. ما الذي كشفه ترميم جودة الهاشمي؟

مدرسة جودة الهاشمي، المعروفة سابقا باسم "التجهيز الأولى"، هي أقدم ثانوية رسمية في سوريا. ومنذ افتتاحها في ثلاثينيات القرن الماضي، شكّلت نقطة تحوّل في التعليم الثانوي وفي تاريخ البلاد، إذ كانت منطلقاً للمظاهرات ضد الانتداب الفرنسي وخرجت قامات سوريّة مؤثرة.

لكن ما ظهر خلال أعمال الترميم، التي أعقبت التحرير، أثار تساؤلات واسعة حول كيفية تعامل نظام الأسد مع هذا الصرح، بعدما عزلت أقسام كاملة عن وظيفتها التعليمية، وحوّلت إلى استخدامات أخرى بعيدة عن الطلاب ورسالتهم التربوية.

وكشفت أعمال الترميم في مبنى مدرسة التجهيز الأولى بدمشق، الذي يضم اليوم إعدادية ابن خلدون وثانوية جودت الهاشمي، عن وجود غرف أمنية مجهزة بأجهزة اتصال مرتبطة بمقار خارجية، إضافة إلى مرافق مطمورة ومغلقة لسنوات خلف جدران إسمنتية.

صرح تعليمي تحول إلى ما يشبه السجن

وكانت فكرة ترميم المدرسة قد انطلقت من مجموعة من طلاب جودة الهاشمي القدامى المقيمين في الخارج، ممن تابعوا أخبار مدرستهم وما آلت إليه من إهمال وفساد؛ ومع سقوط النظام عن دمشق، بدأ هؤلاء الخريجون نقاشاً جاداً حول إعادة إحياء المدرسة، لكنهم اصطدموا بعقبة التمويل وصعوبة التحويلات المالية المباشرة، فعندها لجؤوا إلى منظمة "رحمة بلا حدود" الأميركية، التي تكفلت بإيصال الدعم المادي واللوجستي، ليبدأ مشروع الترميم فعلياً بفضل تبرعات جمعت من أبناء المدرسة السابقين في المهجر.

وقال المهندس ناظم الحكيم، المسؤول عن أعمال الترميم، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "عندما دخلت المدرسة للمرة الأولى بعد سنوات الإهمال، فوجئت بكمية الأنقاض والروائح الكريهة المنتشرة في المرافق".

وتابع الحكيم: "فوجئنا بالأبواب والفواصل الحديدية التي تفصل أجزاء من المدرسة عن بعضها، إذ شعرت وكأنني داخل سجن لا داخل مؤسسة تعليمية"، لافتا إلى أن "بعض هذه الأبواب لم يكن لها أي مبرر، والإدارة نفسها لم تكن تعرف سبب وجودها"، على حد وصفه.

أبواب حديدية في الثانوية (تلفزيون سوريا)ويتابع الحكيم في حديثه عن أبرز ما اكتشفه أثناء الترميم: "خلال عملنا وجدنا غرفتين مغلقتين بإحكام داخل المدرسة، أبوابهما ونوافذهما مغطاة بصفائح حديدية سميكة، في إحداها كانت هناك قاعة اجتماعات مجهزة بهواتف خاصة مرتبطة بقيادة المنطقة الجنوبية، وقائد شرطة دمشق، وقيادة موقع دمشق، إضافة إلى أمين فرع الشبيبة أما الغرفة الثانية فكانت مجهزة بشكل لافت؛ شاشة كبيرة، أجهزة تكييف، ثلاثة أسرّة، وخزائن خشبية".

الهواتف الموجودة في المقر الأمني داخل المدرسة (تلفزيون سوريا)ويضيف الحكيم: "خلال إزالة بعض الغرف المخالفة للمخطط الأصلي للمدرسة، صادفنا جداراً من البلوك خلف إحدى غرف الشبيبة، وبعد هدمه، اكتشفنا مرافق مطمورة بمساحة أضعاف الغرفة المغلقة، تبيّن أنها دورات مياه مجهّزة لكنها كانت مهملة لسنوات طويلة.. داخلها وجدنا كميات كبيرة من الأنقاض والمقاعد المكسورة. هذه المرافق لم يكن الكادر الإداري يعرف بوجودها أصلاً، وهي الآن قيد التأهيل لتعود إلى خدمة الطلاب، مع تخصيص قسم منها للطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة".

ترميم دورات المياه داخل الثانوية (تلفزيون سوريا)كما عثر خلال الترميم على مرافق تعليمية أهملت لعقود، بينها مخبر علمي كان مغلقاً بالكامل ومكدساً بالأنقاض والفرشات القديمة. يوضح الحكيم أن هذه المرافق، التي كان يفترض أن تكون جزءاً أساسياً من العملية التعليمية، جرى تعطيلها وإخفاؤها بطريقة لا منطقية، سواء من الناحية الجمالية أو العملية، لتتحول المدرسة مع الوقت إلى مبنى مشوّه يفتقد أبسط مقومات التعليم.

ووفق ما أوضحه فريق الترميم، فإن نحو 40% من مبنى المدرسة كان مستولى عليه من قبل جهات أمنية أو المحافظة، فيما خرجت 35% من المرافق عن الخدمة بسبب الإهمال، أما النسبة المتبقية، بحدود 25% فقط، فهي التي كانت تُستخدم فعلياً للعملية التعليمية قبل بدء مشروع الترميم.

ماذا شملت أعمال الترميم؟

شملت أعمال الترميم أولاً إعادة طلاء الصفوف والممرات بألوان موحّدة وتم العمل على معالجة الواجهات الحجرية التاريخية للمبنى؛ إذ كان جزء كبير منها قد طمس بطبقات من الدهان عبر العقود الماضية، ما شوه الطابع المعماري الأصلي. لكن فريق الترميم أعاد تنظيف الحجر بضرب الرمل وأزال الدهانات المتراكمة، ليعود البناء إلى شكله الطبيعي الأصلي الذي تميزت به المدرسة منذ افتتاحها.

أعمال الترميم في جودة الهاشمي (تلفزيون سوريا)كما شملت أعمال الترميم إعادة تأهيل شبكة الكهرباء بالكامل، إذ كانت التمديدات السابقة عشوائية وموضوعة بشكل خارجي يشوّه جدران المدرسة فجرى استبدال الشبكة بتمديدات داخلية منظمة، مع تركيب إنارة جديدة في الصفوف والممرات وقاعات المدرسين.

وفي جانب آخر، جرى تجهيز القاعات الصفية بمقاعد جديدة ولوحات حديثة مضاءة، بعد أن كانت معظمها مكسورة أو غير صالحة للاستعمال. كما أعيد تنظيم توزيع المقاعد بما يتيح للطلاب الجلوس في بيئة صفية مريحة وملائمة للتعلم.

تأهيل مقاعد الطلاب في الثانوية (تلفزيون سوريا)وشمل الترميم أيضاً تأهيل مرافق المدرسين عبر تجهيز قاعة خاصة بهم تضم لوحة مضاءة وغرفة استراحة مزوّدة ببراد وآلة لتحضير القهوة وميكروويف.

والهدف، بحسب فريق الترميم، كان توفير بيئة عمل أكثر احتراما للأساتذة، تعكس دورهم الأساسي في العملية التعليمية.

ولضمان استمرار العملية التعليمية بعيداً عن مشاكل انقطاع الكهرباء، جرى تركيب منظومة طاقة شمسية مزوّدة ببطاريات ليثيوم، تؤمّن الإنارة للصفوف وغرفة المدرسين وقاعة الحواسيب.

تجهيز موقف دراجات للطلاب

ومن الإضافات اللافتة في مشروع الترميم إنشاء موقف مخصص للدراجات الهوائية عند مدخل المدرسة، بعد أن كان هذا المكان يستخدم ككراج سيارات مستولى عليه من قبل الفضائية التربوية.

ويشرح الحكيم أن غالبية الطلاب يعتمدون على دراجاتهم للوصول إلى المدرسة، ولذلك جرى إعادة تدوير الأبواب والفواصل الحديدية التي كانت تُستخدم لإغلاق ممرات داخلية، وتحويلها إلى سياج منظم يضمن خدمة عملية للطلاب.

كم كلف مشروع الترميم؟

وصلت تكاليف ترميم مدرسة جودة الهاشمي وفقا للحكيم إلى 250 ألف دولار أميركي منها 25 ألف دولار مقدمة من منظمة "رحمة بلا حدود" الأميركية والتي تولت مهمة تحويل الأموال إلى داخل سوريا كونها مسجلة في الولايات المتحدة، وهو ما أتاح تجاوز العقبات المرتبطة بعدم إمكانية استخدام نظام التحويلات البنكية الدولية (سويفت).

كما أنّ الجزء الأكبر من أعمال التنفيذ تولته شركة "ألفا"، فيما أوكلت مهمة الإشراف والمتابعة الميدانية إلى المهندس ناظم الحكيم، المكلّف من قِبل المتبرعين لإدارة المشروع وضمان سيره وفق المعايير المطلوبة.

تاريخ مدرسة جودة الهاشمي

تأسس مبنى ثانوية التجهيز الأولى (ثانوية جودة الهاشمي + إعدادية ابن خلدون) عام 1929، واكتمل بناؤها في 1933، لتُفتتح رسمياً عام 1936.

وشكلت مدرسة جودة الهاشمي علامة فارقة في مسار التعليم بسوريا ففي أروقتها نشأ جيل من الطلاب الذين لم يكتفوا بالتعلم، بل حملوا شعارات وطنية ضد الانتداب الفرنسي، فكانت المدرسة منبراً للنشاط السياسي.

وفي منتصف الخمسينيات، حملت الثانوية اسم مديرها المؤسس أحمد الحسني الجزائري، المعروف بجودة، الذي توفي عام 1955.

اليوم، وبعد عقود من الإهمال، أعاد طلابها القدامى بعزيمتهم وتمويلهم الحياة إلى المدرسة، لتستعيد شيئاً من رسالتها الأصلية: منارة للعلم ومكاناً يحترم الطالب والمدرس، كما أراد لها مؤسسوها قبل ما يقارب القرن.

Loading ads...

صور قديمة لثانوية التجهيز الأولى في دمشق

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه