في عالم يشهد تغيّرات متسارعة على مختلف الأصعدة، أصبح التكيّف مع التحدّيات ضرورة أساسية لا يمكن تجاهلها. فالحياة لم تعد ثابتة أو متوقّعة، بل مليئة بالمستجدّات التي تفرض على الإنسان مرونة في التفكير والقدرة على التأقلم. إن التكيّف لا يعني الاستسلام للواقع، بل يعكس وعي الإنسان وقوّته الداخلية في مواجهة الظروف المختلفة، والحفاظ على توازنه النفسي والاجتماعي. ومن خلال التكيّف الإيجابي، يستطيع الفرد تحويل التحدّيات إلى فرص للتعلّم والنمو، وبناء شخصية قادرة على الاستمرار والنجاح رغم الصعوبات.
المرونة النفسية: مفتاح التكيّف والتوازن في عالم متغيّر
فريال عبدالله حلاوي دكتورة محاضرة ومستشارة في تقدير الذات تشرح لـ"سيدتي" حول أهمية التكيف مع التغيرات والتحديات. في هذا العالم المتسارع والمليء بالتغيّرات المتلاحقة، أصبح التكيّف مع التحديات ضرورة لا مفرّ منها للحفاظ على توازننا النفسي وصحتنا الداخلية. فالتكيّف لم يعد خيارًا إضافيًا في حياتنا، بل تحوّل إلى مهارة حياتية أساسية علينا تطويرها باستمرار، وأهم ما يدعم هذه المهارة هو المرونة النفسية.
أولًا: مفهوم المرونة النفسية وأهميتها
المرونة النفسية هي القدرة على مواجهة الصعوبات، والتأقلم مع التغيّرات، دون أن نفقد توازننا أو ننكسر داخليًا.
وهي لا تقتصر فقط على تجاوز الأزمات، بل تساعدنا أيضًا على التعلّم من التجارب الصعبة، وتحويلها إلى فرص للنمو والنجاح.
وكما يُقال دائمًا:"الأكثر مرونة هو الأكثر تحكّمًا." فالشخص الذي يمتلك مرونة نفسية عالية هو القادر على قيادة نفسه نحو برّ الأمان، وتحقيق أهدافه دون الوصول إلى الإنهاك أو الاحتراق النفسي.
ولهذا، وفي مواجهة هذا العالم المتطلّب والمتغيّر، تبقى المرونة النفسية أهم مهارة نحتاجها اليوم.
ثانيًا: التكيّف كمدخل لنظرة إيجابية للحياة
التكيّف هو المفتاح الأساسي لتبنّي نظرة إيجابية للحياة، لأن التغيّرات أصبحت واقعًا دائمًا لا يمكن تجاهله أو العودة عنه.
ومن هنا، فإن الخيار الأذكى ليس رفض التغيير، بل تقبّله بوعي، والتعامل معه بإيجابية، مع الحفاظ على صحتنا النفسية وقيمنا الشخصية.
ليس مطلوبًا منا أن نتقبّل كل شيء أو نقلّد كل ما هو جديد، بل الأهم أن نعرف أين تكمن مصلحتنا، وأن نميّز بين ما يفيدنا وما لا يناسبنا من هذه التغيّرات.
قد يعجبك أيضاً للآباء: أسباب عزلة المراهق ومتى يجب التدخل؟
ثالثًا: الوعي والاختيار في مواجهة التغيّرات
الخطوة الأولى في عملية التكيّف هي النظرة الإيجابية، والإدراك بأن كل تغيير يحمل جانبًا إيجابيًا وآخر سلبيًا.
ودوري كشخص واعٍ هو أن أختار ما يفيدني، وأتجنّب كل ما قد يضرّ بصحتي النفسية أو يبعدني عن قيمي وأهدافي.
ومن المهم أن ندرك أن التغيّرات العالمية لا تراعي الفروق النفسية، أو الثقافية، أو الاجتماعية بين الأفراد، بل تحدث على نطاق واسع وتؤثّر على الجميع.
لذلك، علينا أن نكون أكثر وعيًا بهويتنا، وقيمنا، واحتياجاتنا، حتى لا ننجرف وراء كل ما هو جديد فقط لأنه شائع أو منتشر.
رابعًا: العناية بالنفس والوعي الذاتي
في هذا العالم السريع والمُنهِك، تصبح العناية بالنفس ضرورة وليست رفاهية.
فكثرة المسؤوليات وضغوط الحياة قد تجعلنا نعيش وكأننا آلات، ننسى أنفسنا وصحتنا النفسية، ونربط قيمتنا فقط بأدوارنا كموظفين أو طلاب أو أهل.
لكن الحقيقة أننا بشر قبل كل شيء، ويجب أن نذكّر أنفسنا دائمًا بأن قيمتنا لا تُقاس فقط بالإنتاجية، بل بإنسانيتنا.
وهنا يأتي دور الوعي الذاتي (Self-awareness) أو الانتباه الذاتي (Self-mindfulness)، أي أن نكون منتبهين لمشاعرنا، واحتياجاتنا النفسية والجسدية.
من الضروري تخصيص وقت للتأمل، والهدوء، والتفكّر، أو ممارسة أي نشاط يعيدنا إلى ذواتنا ويذكّرنا بأننا نستحق الراحة والرعاية.
خامسًا: مراقبة الذات والتعلّم من التجارب
من أساسيات التكيّف مع التحديات ممارسة مراقبة الذات (Self-monitoring)، أي ألا نكتفي بالتكيّف فقط، بل نراقب أنفسنا ونتعلّم باستمرار من تجاربنا.
والأهم أن نكون واعين لأخطائنا لا بهدف جلد الذات، بل من أجل التطوّر والنضج. فالصعوبات لم تُوجد لتحطّمنا، بل لتعلّمنا. وكل تجربة نمرّ بها تحمل دروسًا وخبرات تساعدنا على أن نصبح أقوى وأكثر استعدادًا للمراحل القادمة.
سادسًا: تعزيز اللاوعي والثقة بالقدرة على النجاح
العقل اللاواعي يتأثر بشدّة بالتجارب والمواقف التي نمرّ بها. وعندما نواجه التحديات ونتجاوزها، من المهم أن نُعزّز داخلنا شعور الإنجاز، حتى يبقى عقلنا اللاواعي في حالة إيجابية ومحفّزة، بدل أن نسمح للتحديات بأن تُحبطنا، يمكننا تحويلها إلى مصدر قوّة، وترسيخ أفكار إيجابية مثل: "أنا قادر/ة على التغلّب، أنا أستطيع الاستمرار، أنا أستطيع النجاح."
سابعًا: تقدير الذات في زمن المقارنة والتغيّرات
من المشكلات المنتشرة في هذا العصر، خاصة بين المراهقين والشباب والموظفين، انخفاض الثقة بالنفس وفقدان تقدير الذات. وذلك نتيجة الشعور المستمر بأن التطوّر أسرع من قدراتنا، وأن ما ننجزه غير كافٍ.
لكن هنا يأتي دورنا في تعزيز تقدير الذات (Self-esteem)، من خلال الإيمان بأنفسنا وبقدراتنا، وتذكير أنفسنا بأن لكل إنسان ميزاته الخاصة التي لا تُلغى بالتغيّرات.
قيمتنا الإنسانية ثابتة، ولا تزول مع تغيّر التعليم أو الوظائف أو أنماط الحياة. بل على العكس، يجب أن تكون هذه التغيّرات في خدمتنا، لا سببًا لكسرنا أو إلغاء ذواتنا.
ما رأيك متابعة كيف تتجنبين التغيرات السلبية بعد الزواج؟
وتختم حلاوي "عندما ننظر إلى أنفسنا كقيمة إنسانية فريدة، ندرك أن أي تغيير خارجي لا يستطيع أن يمحو جوهرنا الحقيقي.
ومن هنا، يصبح هدفنا الدائم أن نطوّر ذواتنا، ونواجه التحديات بمرونة، ونحافظ على توازننا النفسي، مهما تغيّرت الظروف من حولنا".
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً

Page not found
منذ 34 دقائق




