ترميم الأفلام القديمة.. من أجل المحافظة على الذاكرة السينمائية

لا يخفي الفنان حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي سعادته وفخره كلما تعلق الأمر بترميم الأفلام المصرية القديمة، بل ويُطنب في الحديث والتفسير وسرد التفاصيل وبيان الأسباب والأهداف والنتائج المحققة.انطلق مهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ الدورة الـ45 في مشروع ترميم الأفلام القديمة وإعادة بثها في نُسخ تستجيب لمتطلبات الفرجة في زمننا الحاضر وتراعي خصوصية كل عمل.الفنان حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدوليفي إطار الدورة الـ11 من أيام القاهرة لصناعة السينما، انتظمت ندوة “ترميم التراث البصري للسينما العربية”، شارك فيها الفنان حسين فهمي، المخرج تامر السعيد عن مركز الفيلم البديل، الخبير أوسين الصواف عن جميعة أفلام “حوزفين صعب”، والخبيرة الألمانية “شتيفاني شولت شتراتهاوس”، المتخصصة في مجال حفظ التراث السينمائي، وأدارت الحوار المخرجة ماجي مرجان.اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ45.. دورة ترميم الأفلام العتيقة وإحياء ذاكرة السينماlist 2 of 2مهرجان الجونة السينمائي .. حضور فلسطيني مؤثر واهتمام لافت بالوثائقيend of listعلى مدى ساعة ونصف الساعة، تناول المتحدثون الطرق والأساليب التي يعتمدها كل طرف في عمليات الترميم بوصفه فعلا فنيا يتطلب دقة وعناية فائقة ودراية بتاريخ كل فيلم والمواد المستعملة في إنجازه وكيفية معالجتها والحفاظ عليها في نسخ رقمية، بالإضافة إلى الحديث عن الجانب الأخلاقي الذي يحتم احترام جهد صناع الأعمال السينمائية التي تقرر ترميمها.ولئن تعددت الرؤى ومنطلقات كل متحدث فإن الهدف كان واحدا وهو الحفاظ على أعمال سينمائية خلدها الزمن، وإعادة الروح فيها ووضعها في متناول الأجيال الجديدة لتواصل حضورها في الذاكرة كموروث بصري وجزء من التاريخ الفني. حسين فهمي: “الترميم يلامس المعنى الحقيقي للفيلم”قال حسين فهمي إن العمل جار بشكل مستمر على ترميم الأفلام، لكن العملية تتطلب وقتا طويلا نظرا لحالة بعض المواد الخام التي كانت “بدأت تتهالك وتتحلل”.وأوضح أن ما تم ترميمه حتى اللحظة لا يتجاوز 20 فيلما فقط، مؤكدا أن هذا الرقم طبيعي في ظل حساسية عمليات الترميم ودقتها المتناهية، وأشار إلى أن المشروع مستمر بخطوات ثابتة، حيث يعرض المهرجان هذا العام 10 أفلام تم ترميمها حديثا، بالإضافة إلى عشرة أفلام عرضت العام الماضي، وأعيد عرضها استجابة لطلب الجماهير خلال الدورة الـ45.حسين فهمي خلال كلمته في ندوة “ترميم الأفلام” ضمن فعاليات الدورة الـ46 من مهرجان القاهرة السينمائيواعتبر رئيس مهرجان القاهرة الدولي أن عرض 20 فيلما على مدار عامين إنجاز كبير، ولكنه لا يمثل سوى جزء بسيط أمام كم الأفلام التي تنتظر دورها، فالمؤسسة التي يمثلها تمتلك حوالي 1400 فيلم يحتاج جميعها إلى الترميم وهو ما اعتبره “كنزا حقيقيا”.وعن مقاييس اختيار الأفلام التي يتم ترميمها قال فهمي إن تحديد الأولويات يكون وفقا للأهمية الفنية لكل فيلم، مشيرا إلى أن الحفاظ على الأفلام ظل لفترة طويلة عملية معقدة للغاية، فقد كانت “النيغاتيفات” مبعثرة في صناديق متعددة وتتطلب شروط حفظ صارمة، لا سيما البرودة، أما اليوم، فالتحويل الرقمي يتيح استقرارا دائما، ويفتح المجال أمام نشر أوسع، خاصة بفضل إدماج الترجمة الإنجليزية (Subtitling) في النسخ المرممة. وفي النهاية
"ترميم فيلم لا يعني فقط إصلاح العيوب أو الشوائب بل هو عملية أعمق تلامس المعنى الحقيقي للفيلم"
by حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السينمائي
.اشترك فيالنشرة البريديةاشترك في النشرة البريدية وتابع أحدث أفلامنا الوثائقيةحسين فهمي أكد في ختام مداخلته، أن الرقمنة تضمن الحفاظ بشكل أفضل على النسخ الأصلية مع إضافة ترجمة باللغة الإنجليزية حتى تكون فرص وصولها لأكثر ما يمكن لغير الناطقين بالعربية أكبر.ضيوف الندوةوخلال كلمته في ندوة “ترميم الأفلام” ضمن فعاليات الدورة الـ46 من مهرجان القاهرة السينمائي، قال الفنان حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي: “إن برنامج الدورة الحالية يشهد تميزا لافتا، مشيرا إلى أنه تضمن نقاشات موسعة مع خبراء دوليين”.وأوضح أن الجلسة الافتتاحية ركزت على أهمية ترميم الأفلام، بمشاركة متخصصين من ألمانيا وعدد من دول العالم، حيث ناقشوا مفهوم السينماتيك وأحدث آليات الترميم وكيفية تطبيقها عالميا.تامر سعيد: “مركز الفيلم البديل يحفظ الذاكرة السينمائية المصرية”في بداية حديثه، قدم تامر السعيد مؤسسة “سينماتيك” أو مركز الفيلم البديل الذي تأسس في العام 2012، والذي يعمل بالأساس على دعم وتعزيز السينما المستقلة في مصر والمنطقة العربية، وتتنوع اهتمامات المركز ومن بينها وحدة الترميم الرقمي.تساءل السعيد “لماذا نرمم؟” وقال “سينماتيك في علاقة متينة بصناع السينما ما وفر لدينا مادة أرشيفية في علاقة بتراث السينما المصرية وبالتالي مصدرا للمعلومات نبني به معرفة يمكن مشاركتها مع الآخرين، ومن المهم أن نفعّل هذا الأرشيف ليكون متاحا أمام الجميع للتعلم والتعرف على التراث ونبني من خلاله سردا للماضي والحاضر والمستقبل”.ويرى أن
"الترميم ليس مجرد حِفاظ على التراث بل هو تحديث وتفعيل لهذا الأرشيف وخلق حوار حوله"
by تامر السعيد: مركز الفيلم البديل
.وواصل “في العادة ترمم الأفلام العربية في مؤسسات غربية في علاقة بامتلاك واستعادة السرد وهو ما نؤمن به، فالأرشفة والترميم فعل ثقافي يمكن المتلقي من استعادة السرديات الخاصة به وتعبر عنه”.الضيوف يتحدثون في الندوةويستخدم القائمون على المركز جهاز ماسح ضوئي “سكانر” قادر على مسح جميع مقاسات الأفلام بما في ذلك المقاسات النادرة مثل (9.5)، مع الحفاظ على الشريط الأصلي دون إلحاق أي ضرر به مهما كانت الحالة التي هي عليه. كما يضم مختبر المؤسسة جهازين لتلوين الأفلام، وورشة لتظهير الأفلام التناظرية (Analogic)، تمهيدا لرقمنتها، وهي خطوة تضمن حفظ كل فيلم على شكلين، الأول تناظري والثاني رقمي.وقال السعيد إن “التكنولوجيا باتت تسمح اليوم بمعاجلة أفلام أنتجت في عشرينيات أو ثلاثينيات القرن الماضي، ويمكن أن نجعله لا يقل جودة عن الأفلام المنتجة حديثا على مستوى الصوت والصورة، كما يمكن أن نلون فيلما صنع في الأصل بالأبيض والأسود، ويمكن حتى إزالة كل العيوب التقنية من الوسيط الأصلي، وبقدر ما تبدو العملية سهلة إلا أنها صعبة جدا نظرا لندرة مصادر البحث”.وأكد المتحدث أنهم في المركز، إلى جانب احترام العمل وصناعه فهم لا يفرضون تصوراتهم أو نظرتهم الخاصة بل يعملون على المحافظة على الفيلم في صورته التي صنع بها. وتحدث السعيد أيضا عن الشراكات الأكاديمية والتدريب المستمر من أجل بلوغ أعلى درجات الجودة في الترميم.أوسين الصواف: الترميم يطرح تحديات ماليةأكد الخبير في ترميم الأفلام القديمة “أوسين الصواف” والذي يمثل جمعية أفلام “جوزلين صعب”، أن “الترميم ليس مجرد عمل تقني بل هو عمل ثقافي، فيما تختلف جودة العمل بشكل لافت حين يقوم به أشخاص يقدرون قيمة الصور”.واستشهد بتجربته مع مهندس ترميم أجنبي كان فخورا بعمله على الصوت لكنه أقر بأنه لا يفهم اللغة العربية بما يكفي لتقدير جودة تقسيم الحوار بشكل صحيح.المشاركون في ندوة ترميم الأفلامالصواف تحدث أيضا عن مشاكل الترميم اللوني، وذكر تجربة عن فيلم مصري رمم بتدرج لوني بارد وممتاز تقنيا، لكنه لم يكن اللون الأصلي الذي كان يجب أن يعتمد، ما يؤكد ضرورة أن يعرف الأشخاص معنى هذه الصور لترميمها. وعلى مستوى التحديات المالية، قال الصواف إن الأفلام العربية ما زالت ترسل إلى مؤسسات أوروبية في أغلب الأحيان، حيث تكون عمليات الترميم باهظة الثمن بما قد يفوق كلفة الفيلم الأصلي في بعض الأحيان.“ترميم الأفلام يتطلب تعاونا دوليا”تحدثت الألمانية “ستيفاني شولت ستراتاوس “من مؤسسة آرسنال/ معهد الفن السينمائي والفيديو عن أهمية إحياء الأرشيف السينمائي وخاصة الأفلام التي بدأت تتلف أو تتحلل، فتطرقت إلى موضوع دعم ترميم الأفلام وتمويلها واعتبرت أنه غير كاف في صيغته المحلية، فهو في نظرها يتطلب حضور أطراف أخرى وشركات مختصة وتعاونا دوليا حتى يمتد الترميم على كامل أوروبا وأفريقيا واستشهدت بتجربتها مع ترميم الأفلام السودانية. كما تناولت الخبيرة الألمانية مسألة الملكية لأن ترميم الأفلام يتعلق بنسخة مادية من الفيلم ونسخة أخرى رقمية.وقالت “تضم أرشيفات “آرسنال” أفلاما قادمة من جميع أنحاء العالم، ومنذ الدورة الأولى لمهرجان برلين عام 1971، كانت تضع ترجمة باللغة الألمانية للأفلام لعرضها في الفضاءات الناطقة باللغة الألمانية، ومع مرور العقود، أصبحت النسخ المحفوظة قديمة وشكلت تحديا حقيقيا في مجال الحفظ والصيانة”.جانب من ندوة ترميم الأفلام القديمة وإعادة بثهاوواصلت ستراتاوس “هنا ظهرت عقبة التمويل حيث كانت الأموال المتاحة مخصصة حصريا لترميم وحفظ الأرشيفات الألمانية وبالتالي بقيت مسألة الأفلام الدولية بلا حل، حتى اليوم الذي اكتشفت فيه باحثة هندية، عجزت عن العثور على فيلم في بلدها ووجدته عندنا، من هنا ولدت فكرة فتح المجموعات، والسماح للناس بالقدوم والبحث عن أفلامهم”.وأشارت إلى أن هذه المبادرة استقطبت التمويلات، وأتاحت عملياتِ ترميم مشتركة، وأسست لديناميكية تعاون دولي”. واختتمت حديثها بأن “المسألة ليست في معرفة من يمتلك الفيلم، بل في كيفية المحافظة عليه معا”.وفي النهاية، يبقى ترميم الأفلام عملية حضارية بامتياز تهدف إلى إعادة الروح في أعمال سينمائية قديمة بعضها تعرض للتلف أو التحلل، ولئن اختلفت الرؤى والتصورات فقد اتفق الجميع على ضرورة مواصلة ترميم الأفلام القديمة ورقمنتها والتعاون بين المؤسسات والجمعيات والحكومات من أجل الحفاظ على الذاكرة السينمائية.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً

كأس الأمم الأفريقية: فوز سهل للسنغال على بوتسوانا 3-0
منذ دقيقة واحدة



