Syria News
جاري تحميل الأخبار العاجلة...
3 ساعات

"هاملت" في الضفة الغربية.. الفن ليس مخرجاً

الخميس، 11 سبتمبر 2025
"هاملت" في الضفة الغربية.. الفن ليس مخرجاً

"أعتقد أنه لكل عائلة نكبة". جملة تستوقف قارئ رواية "هاملت بمحاذاة الجدار" للكاتبة الفلسطينية الشابة إيزابيلا حمّاد (1991)، المولودة في بريطانيا من أب فلسطيني من نابلس، والصادرة ضمن سلسلة "من العالم أجمع" عن دار غاليمار (2025).

في الصفحة الأولى من الرواية، تصل سونيا ناصر إلى المطار وتجتاز التفتيش الأمني. بالنسبة لسونيا الفلسطينية، لم يكن هذا معبراً حدودياً عادياً. وكما توقّعت، خضعت للاستجواب والتفتيش.

لم يجنّبها الجواز البريطاني الذي تحمله، والديانة المسيحية التي تعتنقها، المرور في لحظات عصيبة من التفتيش البوليسي المهين.

تقول سونيا عن تجربتها: "أرادوا تحديداً معرفة صلات عائلتي بالمكان، وكررت أربع مرات أن أختي تعيش هنا، لكني شخصياً لم أعد منذ أحد عشر عاماً إلى فلسطين. لماذا؟ استمروا في السؤال، ولم يكن لدي أي تفسير".

تضيف: "بعد تفتيش ملابسي بشكل مهين، نادوا عليّ، وأعطاني رجل طويل جواز سفري، قائلاً إنني حرّة في الدخول. مرحباً بك في إسرائيل".

لحظات لن يخفّف من حدّتها سوى اللقاء بعكّا. "عند أقواس المدينة القديمة، جررت حقيبتي عبر زقاق ضيّق، ولما رأيت السماء الزرقاء ملتهبة فوق سور البحر، توقفت. لم أكن قد هيّأت نفسي لهذا الوقع الجسدي، ولذاكرة الحواس".

سونيا ناصر

مصائر الشخصيات تدور في فلك البطلة سونيا ناصر، الممثلة المسرحية المقيمة في لندن حيث ولدت وترعرعت. قرّرت أن تزور مدينة حيفا، حيث تعيش شقيقتها حنين، التي تحمل الجنسية الإسرائيلية، والأستاذة في جامعة إسرائيلية. إنها "محاولة لإعادة وصل ما انقطع مع الأخت وذاكرة العائلة والأجداد".

سونيا ناصر هي امرأة مطلقة، في نهاية الثلاثينات من عمرها، خرجت للتو من أيام طويلة من التدريب واللعب في مسرحية "النورس"، كما أنهت علاقة عاطفية مرهقة مع مخرجها.

ولأن هذه الأحداث التي خلخلت عواطفها، تزامنت مع حلول عطلة، ارتأت أن تقضيها على شاطىء البحر هناك، كما كانت تفعل في طفولتها ومراهقتها. لكن سرعان ما تتبدى العطلة انقلاباً بكل المقاييس في حياتها، كامرأة عربية، أوروبية، مثقفة، حرة، وجميلة.

عنده هذه النقطة تنحو بنا الرواية نحو اسثتارة للحواس، قاسية وعنيفة في الغالب. تتسرّب إلى يوميات سونيا طيلة أسابيع، بين ذكرى وأخرى، بين علاقة وأخرى، وتتحوّل العطلة الى أسفار على الأرض الفلسطينية المجزّأة، المحروسة والمشروخة، بين الضفة الغربية ورام الله وبيت لحم والقدس والمخيمات.

كما تتحوّل إلى نبش في تاريخ العائلة البعيد والقريب، وعلاقتها بالمقاومة، وإلى بحثِ في الواقع السياسي الذي لا يستقيم على حال من الهدوء منذ النكبة.

هاملت الفلسطيني

المدهش أن الحياة "العادية" أو التي أصبحت كذلك، بحكم تعوّد الفلسطينيين على العيش في ظروف استثنائية، ستختبرها وتحياها سونيا حين عُرض عليها أداء دور جيرترود في مسرحية شكسبير، هاملت.

المسرحية من إخراج صديقة اسمها مريم منصور، يساعدها فيها أخيها سليم، النائب في الكنيست، والمُلاحق والمهدّد بفقدان الحصانة البرلمانية، لمساهمته في البحث عن تمويل أنشطة ثقافية غير موالية للدولة، بسبب افتتاح العرض المسرحي في الضفة الغربية.

هكذا تدور الأحداث في أجواء خاصة بفرقة مسرحية، يمارس أعضاؤها الفن تحت ضغط قلة التمويل، والريبة الدائمة من نقاط التفتيش عند التنقل، ومخاوف المراقبة والاعتقال والمطاردة. إنها ترسم صورة أصيلة للحياة الفلسطينية، سواءً كانت تدور داخل إسرائيل أو في الضفة الغربية.

يجتمع فلسطينيون من جانبي الحدود لتقديم عرض مسرحي لمسرحية هاملت في الضفة الغربية. يجد الأبطال أنفسهم متّحدين لأسباب عدّة. غالباً ما تغضبهم الإهانات التي يفرضها عليهم الجنود الإسرائيليون. يساورهم القلق من نفس ممارسات التهجير التعسفية، ويضطرون جميعاً إلى التعامل مع أجواء عاطفية معقّدة مع الأصدقاء والعائلة على جانبي الحدود.

أبرز مثال نقرأه على لسان سونيا، حول ما حدث لفرقتها عند نقطة تفتيش متفجّرة بعد مقتل اسرائييين: "كنا نجلس في سيارة تحمل لوحات إسرائيلية صفراء، امرأة أجنبية تحمل اسماً عربياً، ومواطنان فلسطينيان من الداخل، ومقيم واحد من الضفة يحمل تصريحاً مؤقتاً. تقترب السيارة من الحاجز. الطابور بطيء، والجنود يفتشون كل مركبة بغض النظر عن لون لوحتها".

تضيف: "الوحيد ضمن الأربعة المشاركين في الفرقة، تمّ اقتياده إلى التفتيش خارج السيارة، هو وائل "الضفّاوي"، نجم الغناء المعروف الذي يحيي سهرات طويلة، والممثل الذي يتدرّب على أداء دور هاملت إلى حد الإنهاك، كما لو أنه يخوض حرباً".

ها هو يتلقّى ضربة بمؤخرة بندقية على قفاه، أمام أنظار سونيا التي لم تتماسك أعصابها، بعد أن "امتلأ بصرها بالبياض"، فانطلقت غاضبة ومستنكرة نحوهم، قبل أن يوقفها جندي بالكاد بلغ الثمانية عشرة من العمر، اكتشفت لكنته الإنجليزية المحلية، حين اعترض طريقها، فأحرجته باستفساره عما يفعل هنا. أجابها بأنه "يدافع عن شعبه"، مجبراً إياها على العودة.

هذا جزء من مواقف أبدعت في تصويرها الكاتبة بلمحات إنسانية قوية. ومن بينها المواقف التي تثيرها التظاهرات والعمليات، سواء التي شهدتها بعينها أم من خلال الإعلام والمواقع، من دون إغفال عامل التوترات داخل المجتمع الفلسطيني ذاته، بفعل ممارسات الاحتلال.

تستكشف خريطة الهوية الفلسطينية بطريقة إشكالية، من خلال مواءمة طروحات "هاملت" مع السياق المعقّد الفلسطيني الإسرائيلي، في مسارات الإعداد المسرحي، الذي يتأثر أيضاً بالصراعات الداخلية الشخصية للممثلين خلال التدريب والعروض.

جاء على لسان المخرجة مريم: "نحن نريد أن نبني مشروعات لكل الفلسطينيين في كل مكان. لقد منعونا من الوحدة السياسية، لكن يمكننا أن نضخ الأموال في بناء نوع من الوحدة الثقافية".

خارج النمطية

أسلوب حماد يتميّز بصيغة أنثوية وذكية لا تعرف الحياد، يُغيّر النظرة المعتادة للأدب الفلسطيني، المعروف بتعدد جنسيات كُتّابه، بحسب انتماءاتهم الجغرافية بحكم ظروف الشتات، كأدب مقاومة لا غير، أو كأدب ذكوري في الغالب.

إيزابيلا حمّاد، وهي تعير قلمها وأحاسيسها لسونيا ناصر، وضعتها في سياقات حياة كل امرأة في أي نقطة من العالم. هنا المعطى الفلسطيني للكاتبة وللشخصية معاً. يشعّ ويرتقي نحو الفهم الأوسع والأكبر، بامتزاجه مع المعطى الإنساني العام. لا نمطية إطلاقاً كما تعوّد الغرب غالباً تصويرها عن الفلسطينيين في تقاريره وأخباره وأدبه.

سونيا التي لم تر فلسطين منذ عشرين سنة، عقب الانتفاضة الثانية، اكتشفت معنى الجراح إلى حدّ الموت. ومعنى السؤال عن الهزيمة والانتصار، وكيفية التوصل الى الفهم السليم للمقاومة خارج الإيديولوجيات القاتلة والسرديات المختلقَة.

وجدت في الفن الصحيح، الذي وإن لم يصدّ الاحتلال، فهو يواجه بتأثيره البليغ، الواقعي والقوي، بواسطة كشفه للأشباح، على طريقة شخصية الشبح في رائعة "هاملت".

نبذة عن الكاتبة

ولدت حماد ونشأت في لندن. وهي تُعدّ واحدة من أفضل الروائيين الشباب دون الأربعين. حازت روايتها الأولى "الباريسي" على جائزة بيتي تراسك وجائزة فلسطين للكتاب، وتُرجمت إلى 16 لغة.

Loading ads...

كما حظيت روايتها الثانية "دخول الشبح"، التي تتناول إنتاجاً فلسطينياً لمسرحية هاملت في الضفة الغربية،بإشادة واسعة، وحصلت على جوائز، من بينها جائزة إنكور وجائزة أسبن ووردز الأدبية.

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه