بعد أول مشاركة بـ"أوابك".. توقعات بزيادة إنتاج الغاز في سوريا خلال 2026

تتجه سوريا إلى إعادة تنشيط قطاع الغاز الطبيعي بوصفه أحد المفاتيح الأساسية للتخفيف من أزمة الطاقة المزمنة التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من عقد، في مسعى يجمع بين التعافي التدريجي والإصلاح الهيكلي، ويأتي مدفوعًا بتغيرات سياسية واقتصادية ومحاولات للانفتاح الإقليمي.

ويكتسب هذا التوجه أهمية خاصة مع أول مشاركة رسمية سورية في اجتماعات منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك” بعد سنوات من الغياب، بما يحمله ذلك من دلالات على رغبة دمشق في إعادة إدماج قطاعها الطاقي ضمن الإطار العربي المشترك.

أرقام طموحة وخطة حكومية معلنة

في هذا السياق، أعلن وزير الطاقة السوري محمد البشير أن بلاده تتوقع رفع إنتاج الغاز الطبيعي إلى نحو 15 مليون متر مكعب يوميًا بحلول نهاية عام 2026، مقارنة بمستويات إنتاج حالية تقارب 7 ملايين متر مكعب.

وزير الطاقة السوري محمد البشير أثناء المشاركة في أوابك

وأوضح أن هذا الارتفاع المرتقب يندرج ضمن خطة حكومية تهدف إلى تعزيز الإمدادات المحلية من الطاقة وتقليص الفجوة بين العرض والطلب، لا سيما في قطاع الكهرباء الذي يعاني نقصًا حادًا ويعتمد بصورة رئيسية على الغاز لتشغيل محطاته.

وتعكس هذه الأرقام حجم التحدي الذي يواجهه قطاع الطاقة السوري، إذ إن الحرب التي امتدت لنحو 14 عامًا أدت إلى تدمير أجزاء واسعة من منشآت الإنتاج والمعالجة، وتسببت بأضرار جسيمة في شبكات النقل والتوزيع، فضلًا عن تراجع القدرة التشغيلية لحقول النفط والغاز نتيجة الإهمال ونقص الصيانة والاستثمارات.

إرث الحرب يثقل قطاع الطاقة

وفق تقديرات البنك الدولي، تكبد قطاع الطاقة السوري خسائر بمليارات الدولارات، مع تراجع الإنتاج إلى مستويات أدنى بكثير من تلك المسجلة قبل عام 2011، حين كان الغاز يشكل ركيزة أساسية لتوليد الكهرباء ودعم النشاط الصناعي.

تشير بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن سوريا كانت قبل الحرب تنتج كميات أكبر بكثير من الغاز الطبيعي، ما وفر آنذاك هامشًا من الاستقرار النسبي في إمدادات الطاقة.

غير أن العقوبات الدولية، وتضرر البنية التحتية، وخروج عدد من الحقول عن الخدمة، أدت إلى انكماش حاد في الإنتاج وزيادة الاعتماد على بدائل محدودة وأكثر كلفة، سواء من حيث الاستيراد أو استخدام أنواع وقود أقل كفاءة وأعلى تكلفة.

استثمارات سعودية وشراكات تقنية

تزامنت تصريحات وزير الطاقة مع ما أعلنه مدير العلاقات العامة في الشركة السورية للبترول، صفوان الشيخ أحمد، الذي أكد أن الشركات السعودية التي وقعت عقودًا للاستثمار في قطاع النفط والغاز في سوريا ستعمل بشكل متكامل على تطوير شامل للقطاع.

وبحسب أحمد، ستتولى شركة “أديس” القابضة تطوير حقول الغاز، فيما تقدم شركة “الطاقة” الدعم الفني واللوجستي، وتتولى “أركاس” أعمال المسح الزلزالي، بينما توفر “العربية للحفر” خدمات حفر متطورة.

وأوضح أن شركة “أديس” تتوقع تحقيق زيادة في إنتاج الغاز تتراوح بين 20 و25 بالمئة خلال الأشهر الستة الأولى من بدء تنفيذ المشاريع، على أن ترتفع هذه النسبة إلى ما بين 40 و50 بالمئة بعد عام، مشيرًا إلى أن الاتفاقيات لا تقتصر على زيادة الإنتاج فقط، بل تشمل أيضًا تحسين كفاءة المنشآت والأنظمة النفطية والغازية المتضررة، لا سيما تلك التي تأثرت خلال سنوات الحرب.

ويأتي هذا التعاون ضمن توجه أوسع للحكومة السورية لجذب استثمارات وخبرات إقليمية ودولية، تشمل شركات عربية وتركية وأميركية وفرنسية وألمانية، بهدف تحويل قطاع الطاقة إلى رافعة أساسية لإعادة الإعمار وداعم مباشر للتنمية الاقتصادية.

وبينما لا تزال الطريق طويلة أمام تحقيق اكتفاء طاقي مستدام، تراهن دمشق على أن زيادة إنتاج الغاز قد تشكل خطوة محورية نحو تعزيز أمن الطاقة، وتحسين التغذية الكهربائية، وتخفيف الأعباء الاقتصادية عن المواطنين في مرحلة تعافٍ لا تزال محفوفة بالتحديات.