الأكاديمي د. واثق عباس:
ملف المخدرات في الكويت يُعد من "أخطر القضايا" التي تمس صميم النسيج الاجتماعي.
تقييم القوانين المرتبطة بهذه الظاهرة لا ينبغي أن يُختزل في بعدها العقابي فقط.
يجب النظر إلى القوانين باعتبارها رسالة مجتمعية تعكس القيم التي يريد المجتمع ترسيخها.
لم يعد الحديث عن المخدرات في الكويت محصوراً على نطاق قضايا فردية أو تجاوزات متفرقة، وهو ما دعا مؤسسات الدولة المختصة إلى أن تدفع باتجاه إصدار تشريع يضم عقوبات صارمة تضع حداً أمام انتشار هذه السموم.
وخلال السنوات الأخيرة، تمددت المشكلة على نحو مقلق داخل المجتمع، وبدأت تترك آثاراً ثقيلة على فئة الشباب تحديداً، بعدما تسللت إلى المدارس والجامعات، هذا التحول السريع أعاد الملف إلى الواجهة، دافعاً الجهات المختصة إلى رفع مستوى الإنذار.
تنامي انتشار مواد مخدرة شديدة الخطورة، لم يعد ظاهرة طارئة بل مساراً متصاعداً أثار قلق الأسر والأجهزة الأمنية على حد سواء.
ومن هذه النقطة تحديداً بدأ التحرك الرسمي. فمع مطلع 2025، دخلت الكويت مرحلة مختلفة عنوانها تطبيق قانون المخدرات الجديد رقم 159 لسنة 2025، وهو القانون الذي تصفه جهات قضائية وأمنية بأنه "الأكثر صرامة" في تاريخ التشريعات الكويتية، والذي يشكّل اليوم الركيزة الأساسية في المواجهة الشاملة ضد المواد المخدرة والمؤثرات العقلية.
موجة انتشار مقلقة
يكشف مسؤولون حكوميون وقضائيون أن السنوات الماضية شهدت انتقال المخدرات من أطراف المجتمع إلى قلبه، مع ملاحظة تزايد لافت في عدد القضايا المرتبطة بالشباب والطلاب الجامعيين.
فالمواد الجديدة، الخفيفة الانتشار وسهلة الترويج، وجدت طريقها إلى بيئات تعليمية لم تكن سابقاً ضمن الدوائر المستهدفة، ما جعل الجامعات واحدة من أكثر المساحات حساسية في المشهد الراهن.
وتبدو المخاوف اليوم مزدوجة: اتساع دائرة التعاطي من جهة، وتراجع قدرة الأسر على اكتشاف الإدمان المبكر من جهة أخرى.
وفي ندوة موسعة نظّمها معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية (الخميس 11 ديسمبر 2025) بحضور وزير الداخلية الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، عرض مسؤولون ملامح القانون الجديد الذي جاء – بحسب وصفهم – ليسد الثغرات التي سمحت بارتفاع قضايا التعاطي والعنف المرتبط بالمخدرات.
وأوضح المستشار محمد الدعيج، رئيس لجنة صياغة القانون، أن التشريع الجديد يشكّل "ثورة قانونية" تنهي مرحلة الإفلات من العقاب، مؤكداً أن البيئة الحالية "لم تعد تسمح بأي مستوى من التساهل".
وتأتي أهمية القانون الجديد في أنه:
رفع مستوى الردع إلى أقصاه، فارضاً عقوبات تصل إلى الإعدام على المروّجين والمتاجرين، بما في ذلك من يوزّع كميات صغيرة "عن علم".
تشديد الرقابة على الوصفات الطبية وربطها إلكترونياً لمنع إساءة استخدام الأدوية المخدرة، وهي ثغرة لطالما استفاد منها المروّجون في السابق.
منح االأجهزة الأمنية صلاحية تنفيذ "التسليم المراقَب" لكشف الشبكات الدولية، في خطوة تُعد تطوراً نوعياً في أدوات المكافحة.
يُحاسب المتورطين على الجرم الأصلي وعلى التعاطي نفسه باعتباره جريمة مستقلة.
فرض فحوصات إلزامية للمقبلين على الزواج والوظائف العامة، ويتيح لوزارة الصحة إجراء فحوصات عشوائية للكشف عن حالات الإدمان، في إشارة تعكس رغبة الدولة في بناء طبقة وقائية مبكرة تمنع تحول المستخدمين إلى حالات مزمنة.
العلاج مقابل الإعفاء
ورغم حدة العقوبات، يتضمن القانون جانباً إنسانياً يفتح باب العلاج الطوعي أمام المتعاطين، مع الإعفاء من العقوبة لمن يتقدم طواعية إلى المراكز المختصة.
بحسب المشاركين في الندوة، سجّلت المراكز المعتمدة ارتفاعاً ملحوظاً في عدد طالبي العلاج منذ بدء التنفيذ، فيما تُحال الحالات المضبوطة إلى مراكز التأهيل الإلزامي، في إطار مسار يوازن بين الردع والعلاج.
وتؤكد وزارة الداخلية أن حوادث الطرق المرتبطة بتعاطي الشبو كانت من أبرز دوافع التشديد، مشيرة إلى أن القانون الجديد "أغلق الباب أمام أي محاولة للإفلات".
وفي المقابل، تعمل وزارة الصحة بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية على توسيع البرامج الوقائية في المدارس والجامعات، تحسباً لزيادة التعاطي بين الفئات الأصغر سناً.
وتترافق التشديدات القانونية مع توجه حكومي لدمج الردع القضائي بالمسار العلاجي، في محاولة لاحتواء التهديد المتنامي داخل المجتمع.
وبحسب الجهات المشاركة، فإن الفئة العمرية بين 15 و17 عاماً تمثل غالبية الحالات، ما يجعل الأزمة تتجاوز وصفها مشكلة إجرامية، لتصبح تحدياً اجتماعياً يهدد جيلاً كاملاً في مرحلة التكوين.
رسالة مجتمعية
ملف المخدرات في الكويت، بحسب المتخصص في القضايا الاجتماعية، الأكاديمي د. واثق عباس، يُعد من "أخطر القضايا" التي تمس صميم النسيج الاجتماعي.
ويشير عباس الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين" إلى أن "تقييم القوانين المرتبطة بهذه الظاهرة لا ينبغي أن يُختزل في بعدها العقابي فقط، بل يجب النظر إليها باعتبارها رسالة مجتمعية تعكس القيم التي يريد المجتمع ترسيخها وحمايتها للأجيال المقبلة".
وحول هذه القضية والقانون الجديد يرى عباس:
خطورة الظاهرة تستدعي إعادة تقييم القانون من منظور اجتماعي يعزز الردع ويمنحه بعداً وقائياً.
التوجهات التشريعية الأخيرة يمكن قراءتها كمسعى لحماية السلم المجتمعي والحد من التفكك الأسري المرتبط بالمخدرات.
من آثار هذه التوجهات تقليص الوصمة الاجتماعية التي تعيق طلب العلاج والاعتراف المبكر بالمشكلة.
في المقابل، قد يدفع تشديد العقوبات الأسر إلى رقابة أكبر لأبنائها، لكنه قد يولد خوفاً من الإبلاغ.
هذا الخوف قد يحاصر المشكلة داخل الأسرة ويؤخر التدخل العلاجي المبكر.
يطرح عباس تساؤلاً محورياً: هل يكفي الردع وحده لحماية الشباب؟ والإجابة، بحسبه، أن:
الردع ضروري لكنه غير كافٍ بمفرده.
فالإدمان خلل فسيولوجي وسلوكي، وليس مجرد قرار يمكن ردعه بالخوف من العقوبة.
الخوف من القانون قد يمنع التجربة الأولى، لكنه لا يعالج من وقع في التعاطي.
طبيعة مرحلة الشباب، القائمة على الاستكشاف والمخاطرة، تقلل أحياناً من فاعلية الردع.
ضعف البدائل الثقافية والترفيهية يعزز قابلية الانجذاب للتجربة.
تفاقمت الإشكالية مع انتشار المخدرات التخليقية سريعة التأثير على الوعي.
هذا التأثير السريع يلغي التفكير في العواقب القانونية لحظة التعاطي.
بناءً على ذلك، يؤكد عباس أن المواجهة تتطلب مقاربة شاملة لا تقتصر على العقوبة، وتشمل هذه المقاربة القانون، والعلاج، والدعم النفسي، ودور الأسرة، وبيئة اجتماعية واقية.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه






