وسط توقعات بتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا، مع طي الولايات المتحدة لقانون "قيصر"، أعلن وزير المالية السوري محمد يسر برنية عن حل اتحاد شركات التأمين، واتحاد وكلاء ووسطاء التأمين، في خطوة اعتبرها مراقبون اقتصاديون تحدثوا لموقع تلفزيون سوريا، بداية لإعادة هيكلة قطاع التأمين بما يتناسب والمرحلة الاقتصادية الجديدة.
قرار حل اتحاد شركات التأمين ووكلاء وسطاء التأمين، أعقبه تكليف لجنة مؤقتة بتسيير أمور الاتحاد والدعوة إلى اجتماع جمعية عمومية غير عادية خلال مدة أقصاها 60 يوماً، لانتخاب مجلس إدارة جديد.
وأضاف برنية "قمنا بحل اتحاد شركات التأمين واتحاد وكلاء ووسطاء التأمين، وسنقوم بتنظيم انتخابات خلال شهرين لتشكيل مجلسين جديدين للاتحادين والعمل مع الجميع لتحديث وتطوير النظام الأساسي لهما، ونريد أن نتشارك مع الجميع في الارتقاء بقطاع التأمين وإرساء المعايير العالمية وأفضل الممارسات السليمة ومحاربة الفساد وتعزيز الحوكمة، بما يساهم في قفزة كبيرة في حجم سوق التأمين السوري".
وقطاع التأمين السوري، هو أحد القطاعات الحيوية التي تراجعت فاعليتها خلال السنوات السابقة على مستوى البِنية التنظيمية والخدمات، ما أفقد القطاع القدرة على مواكبة التحولات الاقتصادية الحديثة، ومع استعداد البلاد للمشاريع الاستثمارية، تبرز الحاجة إلى إعادة هيكلة هذا القطاع وتطويره ليكون قادرا على أداء دوره الطبيعي في إدارة المخاطر وحماية الاستثمارات وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
إعادة بناء إطار التأمين المؤسسي
ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي يحيى السيد عمر، أن القرار يعكس توجها واضحا نحو إعادة بناء الإطار المؤسسي لقطاع التأمين، وتحسين مؤشرات الأداء، وتعزيز الحوكمة والشفافية، بما ينسجم مع متطلبات المرحلة المقبلة والمعايير المهنية المعتمدة دولياً.
وفي حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يوضح أن القرار مدفوع بجملة من العوامل الداخلية والخارجية، ويقول: "داخليا يعاني سوق التأمين من إشكاليات تراكمت على مدى سنوات، أبرزها ضعف الحوكمة، وجود ثغرات تشغيلية، وتراجع القدرة على ضبط السوق ومراقبة الأداء، إضافة إلى مظاهر الهدر وسوء الإدارة، هذه العوامل حدت من قدرة القطاع على النمو، وأضعفت ثقة المتعاملين به، سواء من الأفراد أو الشركات".
خارجيا، وفق السيد عمر، تفرض التحولات الاقتصادية الراهنة، وفي مقدمتها رفع العقوبات وفتح قنوات مالية وتجارية جديدة، إعادة تأهيل قطاع التأمين ليكون قادرا على التفاعل مع بيئة أكثر انفتاحا، فالسوق السوري مرشح للدخول في مرحلة توسع نسبي، سواء عبر الاستثمارات المحلية أو الأجنبية، وهو ما يتطلب قطاع تأمين أكثر كفاءة ومرونة، يقدر على تقديم منتجات تأمينية تلبي احتياجات مشاريع كبيرة ومعقدة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، أن السياسة الجديدة للدولة تركز على تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية في قطاع التأمين، في مقدمتها توسيع حجم السوق من خلال تطوير المنتجات الحالية وابتكار خدمات جديدة تتناسب مع احتياجات القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتعزيز الحوكمة عبر وضع معايير واضحة للمساءلة والرقابة، بما يحد من الفساد ويحسن كفاءة إدارة الشركات والوسطاء.
التجهيز لإعادة الإعمار
ويمكن طبقاً للسيد عمر، إدراج قرار حل اتحاد شركات ووكلاء وسطاء التأمين، ضمن الاستعداد المبكر لمرحلة إعادة الإعمار، مبينا أن "التأمين يصبح أداة أساسية لتغطية المخاطر المرتبطة بالمشاريع الكبرى، من بِنى تحتية وعقارات وصناعة وطاقة".
ولا بد لتنفيذ هذه الرؤية الإصلاحية من الاعتماد على عدد من الركائز الأساسية، أبرزها التحول الرقمي وربط الأنظمة إلكترونيا، بما يسهِل عمليات المتابعة والرقابة، ويسرع معالجة المطالبات، ويحسن إدارة البيانات وتحليل المخاطر، بجانب محاربة الفساد من خلال ضوابط تنظيمية صارمة، وترشيد الدعم المالي، كما يؤكد السيد عمر.
ويعتبر أن رفع العقوبات الاقتصادية يشكل فرصة استراتيجية لقطاع التأمين، إذ يفتح الباب أمام جذب استثمارات أجنبية، ونقل خبرات وتقنيات حديثة في مجالات إدارة المخاطر وإعادة التأمين، وتحسين آليات تقييم المطالبات وتسوية النزاعات، كما يسهِم في تحسين البيئة التشغيلية عبر تسريع العمليات المالية والدفع الإلكتروني وتحويل الأقساط والتعويضات، ما يعزز الاستقرار المالي ويزيد الثقة بالسوق.
إفساح المجال لشركات تأمين جديدة
أما الخبير الباحث الاقتصادي يونس الكريم، يفسر قرار وزارة المالية بأنه إجراء تقني يستهدف إعادة تنظيم قطاع التأمين، وفي الوقت نفسه يأتي ضمن مسار إبعاد الشخصيات المحسوبة على النظام المخلوع، ويوضح لموقع تلفزيون سوريا أن حل اتحاد شركات التأمين واتحاد وكلاء وسطاء التأمين يهدف إلى تعزيز الامتثال المالي، كما يفتح المجال أمام شركات جديدة ترغب بالدخول إلى هذا القطاع والعمل وفق معايير منضبطة.
ويتابع بأن إعادة هيكلة قطاع التأمين يسهم في تحريك سوق الأوراق المالية (البورصة)، نظراً لكون شركات التأمين تشكل أحد المكونات الأساسية في السوق، ما يجعل إصلاح في هذا القطاع قادراً على تنشيط التداولات ورفع مستوى الشفافية في السوق.
ومن جانب آخر، يلفت الكريم إلى أن قرارات وزير المالية تتعارض مع مبدأ السوق الحر عبر توسيع تدخل السلطة التنفيذية في عمل المؤسسات، ويبين أن الوزارة، بعد قرارها حل اتحاد شركات التأمين واتحاد وكلاء وسطاء التأمين، قامت بتشكيل مجلسين جديدين يتبعان لها مباشرة، وهو ما يعيد تركيز السلطة داخل الوزارة بدلاً من تعزيز استقلالية القطاع وتنظيمه وفق قواعد المنافسة والحوكمة.
ويتابع الكريم: "بذلك نحن أمام رغبة حكومية بالسيطرة على قطاع التأمين، تماما كما حدث في قطاع الحوالات، وهذا يأتي تمهيدا للتوسع في خدمات التأمين لتشمل جميع الموظفين في القطاعين العام والخاص".
ويضيف أن "هناك حالة من الشك بشأن إعادة هيكلة القطاع بطريقة مشابهة لما جرى في سوق الحوالات، بحيث يصبح قطاع التأمين تابعا بشكل مباشر للمجلس الاقتصادي للتنمية، الأمر الذي يعزز مركزية القرار ويحد من استقلالية السوق".
مرحلة جديدة
في الاتجاه ذاته، يرى الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، أن سوريا تمر بتحولات اقتصادية، ما يُحتم اتخاذ قرارات جديدة، من ضمنها قطاع التأمين.
ويقول لموقع تلفزيون سوريا، إن قطاع التأمين كان يعد من القطاعات غير الفعالة في سوريا، ومن المعلوم أن التأمين هو ضرورة حقيقية في المرحلة الجديدة التي تعيشها سوريا، والتي تسبق دخول الشركات الأجنبية إلى البلاد، التي تتعامل مع قطاع التأمين بدرجة كبيرة.
ولم يتسن لموقع تلفزيون سوريا الحصول على رد رسمي من وزارة المالية السورية، بسبب إعادة هيكلة المكتب الإعلامي التابع للوزارة.
وتأسس الاتحاد السوري لشركات التأمين في العام 2006، ويضم شركات تأمين وشركات إعادة التأمين والمؤسسة العامة السورية للتأمين، وتتفق العديد من المصادر على أن غالبية الشركات كانت مرتبطة بشخصيات تتبع للنظام المخلوع، ومنهم رامي مخلوف.
وبالمحصلة، يمكن وصف قرار وزارة المالية بـ"الخطوة" ضمن مسار أوسع لإعادة بناء قطاع التأمين على أُسس حديثة، وإصلاح هذا القطاع قبل انطلاق مرحلة الاستثمار وإعادة الإعمار لا يبدو خياراً ثانوياً، وإنما هو ضرورة لتهيئة بيئة اقتصادية جاذبة ومستقرة، قادرة على استيعاب التحولات المقبلة.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه




