Syria News
جاري تحميل الأخبار العاجلة...

سوزان ساراندون الثائرة في السينما والحياة.. لا أحد حر حتى يتحرّر الجميع

الأربعاء، 10 سبتمبر 2025
سوزان ساراندون الثائرة في السينما والحياة.. لا أحد حر حتى يتحرّر الجميع

يُعتبر فيلم "ثيلما ولويز" الذي أخرجه ريدلي سكوت عام 1991 من العلامات الفارقة في تاريخ السينما الأميركية، إذ قدّم للمرة الأولى ما سُمّي بالصحوة النسوية في هوليوود، بعد عقود من احتكار الرجل لأدوار البطولة ومقاربة العالم من منظور ذكوري بحت.

يعكس الفيلم تلك المقاربة جذريًا، فهو يروي قصة امرأتين من أركنساس تتخبطان في علاقات عاطفية مضطربة؛ الأولى مع موسيقي فاشل لا يرغب في الزواج، والثانية مع زوج متغطرس يسيء معاملة زوجته رغم ثرائه، فتتحرران على نحو غير متوقع من هذا الأسر.

تبدأ المغامرة برحلة قصيرة في عطلة نهاية الأسبوع: مجرد امرأتين لاهيتين تبحثان عن أي فسحة للفرح. تتوقفان عند إحدى الحانات، فتنقلب حياتهما رأسًا على عقب بعد محاولة اغتصاب تتعرض لها إحداهما. عندها، تطلق رفيقتها النار على المعتدي، لتتحولا منذ تلك اللحظة إلى مطاردتين من قِبل الشرطة الفدرالية.

في الفيلم، تؤدي الممثلة الأميركية سوزان ساراندون دور "لويز"، النادلة في أحد المطاعم، والتي تقوم بحماية رفيقتها "ثيلما" التي أدّت دورها الممثلة جينا ديفيز.

لم يحظ فيلم ثنائي نسائي بشهرة تضاهي ما حققه "ثيلما ولويز"، باستثناء فيلم "بوني وكلايد" (1967) من بطولة وارن بتي وفاي دوناوي، والذي يحكي عن مجرمين تطاردهما الشرطة الفدرالية عبر الولايات حتى تقتلهما في النهاية.

رُشّح "ثيلما ولويز" لست جوائز أوسكار، وتصدّر غلافي مجلتي "التايم" و"نيوزويك"، كما كُتبت عنه مئات المقالات والدراسات، وأُنتج عنه فيلم وثائقي واحد على الأقل. وما زالت صورة المرأة فيه موضوعًا لدراسات "النسوية" وما بعدها حتى اليوم.

إنه فيلم نساء واثقات بأنفسهن، متحكمات بمصيرهن، يعبّرن عن حس عالٍ بالكرامة الإنسانية، ويرفضن الوصاية الذكورية. شخصياته تخرج عن الصور النمطية التي اعتادت السينما تقديمها، وتقدم نموذجًا معاصرًا متحررًا يتعامل بنديّة، رغم نزوعه أحيانًا إلى العبث واللهو.

تقتل ثيلما ولويز رجلًا، وتسرقان متجرًا، وتحتجزان شرطيًا في صندوق سيارتهما، وتحرقان شاحنة، وتغتنمان كل فرصة للمتعة والتحدي. ومع مطاردة عشرات سيارات الشرطة الفدرالية والمروحيات ورجال الأمن المدججين بالسلاح لهما، تختاران في النهاية الاندفاع بسيارتهما نحو الهاوية بدل الاستسلام، لتصبح نهايتهما فعل تمرد كامل.

لعلّه من الأفلام القليلة في هوليوود التي لا يُعتقل فيها المطاردون ولا يمثلون أمام العدالة، ما يضاعف من أهمية الفيلم في علاقته بالحياة الأميركية نفسها، والصور التي أنتجتها هوليوود عنها.

تؤدي "لويز" في الفيلم دور من يدافع ويحمي حتى لو اُضطر للقتل، وهو ما يبدو أن سوزان ساراندون التي أدت هذا الدور لا تنفك تفعله في حياتها منذ الحرب على العراق حتى العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وما بينها أفغانستان والمهاجرين، ودفاعها عن قضايا أخرى بل ومناصرتها أيضًا لمرشحين للرئاسة الأميركية من خارج الصندوق، ويوصفون باليسارية أو الاستقلالية على الأقل مثل بيرني ساندرز ومن قبله رالف نادر.

دفعت بسبب هذه المواقف ثمنًا باهظًا: فقد تعرّضت للاعتقال أكثر من مرة، وحُظر التعامل معها في بعض شركات الإنتاج والإعلانات، لكنها في المقابل كوفئت بتقدير من التيار المعارض للسائد، إذ رُشحت لجائزة نوبل للسلام عام 2016، في العام الذي كان فيه دونالد ترمب مرشحًا للجائزة نفسها، خلال صعوده السياسي الذي توجّه بالفوز في الانتخابات الرئاسية ذلك العام.

ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم تفوّت ساراندون فرصة للتعبير عن تضامنها مع الضحايا المدنيين.

"أحدٌ لن يكون حرًا حتى نصبح جميعًا أحرارًا"

في مارس/ آذار 2024، ألقت كلمة مؤثرة في تجمع ضخم بواشنطن قالت فيها: "أحدٌ لن يكون حرًا حتى نصبح جميعًا أحرارًا"، وختمتها بعبارة "فلسطين حرة".

وفي التجمع الذي طالب بوقف العدوان على غزة، قالت ساراندون أيضًا: "عدونا هو صمت أولئك الذين يغضون الطرف عند رؤية الأطفال المسحوقين والرضع الجائعين والأمهات الثكلى والآباء الذين ينقبون في الأنقاض لمحاولة إيجاد عائلاتهم. الفلسطينيون يعانون منذ 75 عامًا"، مضيفة:

الحديث حول الحقيقة المزعجة يمكن أن يفقدك رزقك أو أصدقاءك أو عائلتك، لكني أريدك أن تنظر الآن حولك لأننا هنا عائلتك. أنت لست وحدك هناك مئات الآلاف في مانهاتن وعبر الولايات المتحدة والملايين في العالم لمواصلة الدفاع عن الفلسطينيين وحقهم في العيش، وفي فلسطين الحرة.

وفي فبراير 2024 انضمت ساراندون إلى منظمة "كود بينك" ومنظمات السلام المتحالفة معها للمطالبة بوقف الدعم الأميركي لإسرائيل، بعد تصويت مجلس الشيوخ على مبلغ إضافي قدره 95 مليار دولار، منها 14 مليار دولار لإسرائيل.

والتقت ساراندون عددًا من أعضاء الكونغرس، من بينهم رشيدة طليب وكوري بوش، كما زارت عدداً من مكاتب أعضاء مجلس الشيوخ من نيويورك، من بينهم حكيم جيفرى زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي، وريتشي توريس.

وقالت إن "حكيم جفري لم يرغب في إجراء حوار، لأنه لم يكن معي مليون دولار لأقدمها له مثلما فعلت منظمة أيباك الداعمة لإسرائيل"، مندّدة بالصمت على مقتل الأطفال في غزة:

كأم لا أستطيع تحمل رؤية المعاناة المستمرة للأمهات في غزة، خاصة أننا في الولايات المتحدة ندفع ثمن الأسلحة التي تقتلهم وتقتل أطفالهم الأبرياء، ولا أتخيل ولا أفهم كيف أن هناك من يغمض عينيه عن قتل الأطفال والنساء.

وكانت قبل ذلك بعام (نوفمبر 2023) شاركت في تجمّع كبير يدعو لوقف العدوان على غزة، قالت فيه:

ليس من الضروري أن تكون فلسطينيًا حتى تهتم بما يحدث في غزة. أنا أقف مع فلسطين. لا أحد حر حتى يتحرر الجميع. حان الوقت لكي تتحرّر فلسطين.

وأضافت أن "الكثير من الناس لا يفهمون السياق الذي وقع فيه هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023". إنهم لا يفهمون تاريخ ما يحدث للشعب الفلسطيني منذ 75 عامًا، وشدّدت على أنه "لا يمكنك أن تكون فلسطينيًا حتى تفهم أن ذبح ما يقارب من 5 آلاف طفل أمر غير مقبول. يتم ارتكاب جرائم الحرب كل يوم وفقًا للأمم المتحدة والجماعات الإنسانية الأخرى".

التي تدير أعمال ساراندون علاقتها بها على خلفية الموقف من غزة-غيتي UTA قطعت وكالة

وبسبب كلمتها هذه ومواقفها الأخرى، أعلنت وكالة UTA، التي تدير أعمالها وأعمال مشاهير آخرين في "هوليوود"، إنهاء علاقتها بها.

كما اتُهمت ساراندون بمعاداة السامية رغم اعتذارها لاحقًا عن تعبيرات لها فُهمت بالخطأ، قائلة إنها كانت تحاول التعبير عن قلقها بشأن تزايد جرائم الكراهية، وإنها لم تقصد عدم تعرّض اليهود للاضطهاد بل العكس هو الصحيح.

تشارك ساراندون حاليًا، بالإضافة إلى الممثل السويدي غوستاف سكارسغارد والممثل الأيرلندي ليام كانينغهام ومئات الناشطين من 44 دولة، في أسطول الصمود العالمي الذي انطلق من ميناء برشلونة الإسباني نهاية أغسطس/ آب الماضي، وهو بحسب الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ "أكبر محاولة على الإطلاق لكسر الحصار الإسرائيلي غير القانوني على غزة"،

ويتكون الأسطول من اتحاد أسطول الحرية، وحركة غزة العالمية، وقافلة الصمود، ومنظمة صمود نوسانتارا الماليزية.

بدأت ساراندون مسيرتها الفنية بالمسرح وترشحت 5 مرات للاوسكار-غيتي

ولدت ساراندون وُلدت سوزان ساراندون عام 1946 في مدينة نيويورك لأب من أصول إنجليزية وأم من أصول إيطالية.، ودرست الدراما في الجامعة الكاثوليكية الأميركية التي تخرجت منها عام 1968.

بدأت ساراندون مسيرتها الفنية بالمسرح قبل أن تؤدي دورها الرئيسي الأول في السينما عام 1970 في فيلم "جو" الذي تؤدي فيه دور مراهقة متمردة.

وشاركت بعد ذلك في عشرات الأفلام ورُشحت خمس مرات لجوائز الاوسكار خاصة عن دورها في "ثيلما آند لويز" (1991) و"ذي كلاينت" (1994)، وفازت بجائزة أوسكار عام 1995 عن فيلم "ديد مان ووكينغ" عن دورها كراهبة رافقت محكومًا بالاعدام في آخر أيام حياته.

فازت ساراندون بجائزة اوسكار عام 1995 عن فيلم "ديد مان ووكينغ"-غيتي

وبالإضافة إلى تألقها السينمائي فإنها من أكثر نجوم هوليوود انخراطًا في القضايا العامة، فقد كانت من معارضي الغزو الأميركي للعراق عام 2003 والتدخل في أفغانستان.

كما عُرفت بمواقفها الرافضة لسياسات الرئيس دونالد ترمب المتشددة إزاء المهاجرين. وفي يونيو/حزيران 2018 تعرّضت ساراندون ونحو 500 امرأة وناشطة بينهن براميلا جايابال العضو في الكونغرس الاميركي، للاعتقال لفترة قصيرة في مبنى الكابيتول، خلال مشاركتهن في تظاهرة احتجاج على فصل الآلاف من أفراد الأسر على الحدود مع المكسيك.

وفي مارس/آذار الماضي أعلنت ساراندون تضامنها مع الطالب الفلسطيني محمود خليل، خريج جامعة كولومبيا الذي اعتقلته السلطات تمهيدًا لترحيله، بسبب مشاركته في الحركة الاحتجاجية التي اجتاحت الجامعات الأميركية ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكانت ساراندون من بين المحتجين أمام المحكمة التي مثُل أمامها خليل.

الطالب الفلسطيني محمود خليل الذي سعت ادارة ترمب لترحيله خلال احتجاج الجامعات-غيتي

كما كانت ساراندون من بين نحو ثلاثين شخصًا تظاهروا في ديسمبر/كانون الأول 2021 في نيويورك رفضًا لمحاولات واشنطن تسلم جوليان أسانج من بريطانيا، الذي تتهمه بنشر أكثر من 700 ألف وثيقة سرية اعتبارًا من 2010 عن الأنشطة العسكرية والدبلوماسية الأميركية لا سيما في العراق وأفغانستان.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2015 زارت ساراندون جزيرة لسبوس اليونانية التي كان يصلها آلاف اللاجئين من سوريا والعراق وأفغانستان. ومن هناك دعت بعينين دامعتين، المجتمع الدولي إلى حشد قواه من أجل مساعدة اللاجئين، وقالت إنه "ينبغي أن يرى المجتمع الدولي ما يحصل في هذه المنطقة من العالم كي يدرك هول المشكلة، ويجب منح هؤلاء الأشخاص صفة اللاجئين بالكامل ومساعدتهم ودعمهم".

Loading ads...

وبدا التأثر واضحًا على وجه الممثلة التي لديها ثلاثة أولاد ودمعت عيناها عندما أعربت عن تفهمها الكامل "لقرار الأمهات اللواتي يهربن مع أولادهن من الحرب والبؤس ويقمن بهذه الرحلة للصمود".

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه