أسفرت عملية "كاتاليست" التي أجرتها سلطات الإنتربول والأفريبول في ست دول: (أنغولا، والكاميرون، وكينيا، وناميبيا، ونيجيريا، وجنوب السودان) بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول من عام 2025، عن 83 عملية اعتقال وتجميد ما يقارب 260 مليون دولار أميركي من العملات الورقية والرقمية.وكشفت التحقيقات في أنغولا، وكينيا عن أنظمة تحويل قيمة غير رسمية ومزودي خدمات الأصول الرقمية الذين استخدموا لتحويل أرباح الذهب لتمويل الإرهاب لأغراض التجنيد والتسليح.ومما يؤشر على تزايد ضبابية الخطوط الفاصلة بين الجريمة المنظمة والإرهاب في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ما أفادت به تقارير في نيجيريا، في أكتوبر/تشرين الأول، بإلقاء القبض على أعضاء بارزين في جماعات إرهابية لإدارتهم مخططات "بونزي" قائمة على العملات المشفرة، وعمليات احتيال إلكتروني استهدفت ما لا يقل عن 17 دولة حول العالم، بما في ذلك الكاميرون، وكينيا، ونيجيريا، لتمويل عملياتها الإرهابية.وفي عملية أخرى بقيادة الإنتربول، شاركت فيها 12 دولة من غرب أفريقيا، ضبطت السلطات 17 مخبأ للأسلحة وعصي الديناميت والفتائل بطيئة الاشتعال، وهي المواد نفسها المستخدمة في كل من التنقيب غير القانوني عن الذهب وصناعة العبوات الناسفة.وفي بوركينا فاسو، ألقي القبض على اثنين من كبار أعضاء "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" الإرهابية المطلوبين على خلفية هجمات أسفرت عن مقتل أفراد أمن في ساحل العاج عام 2020.الإرهاب والجريمة المنظمة جنوب الصحراء الكبرىتؤشر ديناميكيات الأمن وأنشطة الاقتصاد غير المشروع في دول أفريقية عديدة على وجود ارتباط وثيق بين الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث توفر الأنشطة الإجرامية، مثل تهريب المخدرات والأسلحة، التمويل والدعم العملياتي للجماعات الإرهابية.وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أن كون المنطقة تمثل أكثر من 50% من وفيات الإرهاب في العالم عام 2024، فإنه يتماشى مع ما تشهده أسواق الجريمة المنظمة من توسع مطرد منذ عام 2019. إعلان وتكشف اتجاهات الجريمة المنظمة في المنطقة، أن الجرائم المالية والاتجار بالبشر وجرائم استغلال الموارد غير المتجددة والسلع المقلدة والاتجار بالأسلحة هي الأكثر انتشارا حتى أواخر عام 2025.كما تظهر نسبة 92.5% من الدول الأفريقية قدرة منخفضة على الصمود أمام هذه الجرائم. وعلى سبيل المثال، أظهر مؤشر الجريمة المنظمة لعام 2023 أن بوركينا فاسو سجلت درجات 8.5 (من أصل 10) ومالي 7.9 والنيجر 5.93. بل في كينيا تتجاوز الدرجات المتوسط في أسواق مثل الاتجار بالبشر (8.0 من 10) والاتجار بالأسلحة (7.5) وتجارة الكوكايين (6.0).وتتجلى هذه الديناميكيات في منطقة الساحل، حيث إن تنظيمات مثل "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (الموالية للقاعدة) و"تنظيم الدولة في الساحل" (التابع لداعش) في مالي وبوكينا فاسو والنيجر، تبتز السكان وأصحاب التجارات، وتستغل الاقتصادات غير المشروعة، مثل تهريب المخدرات وفرض الإتاوات على شحناتها، مع الاختطاف مقابل الفدية وسرقة الماشية والتنقيب غير القانوني عن المعادن الثمينة، وذلك لكي تتمكن من شراء الأسلحة ودفع أجور المقاتلين وسط تحديات الحكم والأمن بمناطق نفوذها.تخلق العلاقة المتنامية بين الجريمة المنظمة والإرهاب وضعا تقوض فيه الثروة الطبيعية فاعلية الدولة، وتنشئ الجماعات الإرهابية والمسلحة "دولا موازية" في مناطق التعدين النائية، مقدمة شكلا مشوها من الأمن للمنقبين مقابل "إتاوات"، وبالتالي تحل محل سلطة الحكومةالذهب مقابل الأسلحةيدر التعدين التقليدي حوالي 95 مليار دولار على مستوى أفريقيا، وتحول النسبة الكبرى من عوائده من قبل فروع تنظيمي: القاعدة وتنظيم الدولة في منطقة الساحل لإعادة بناء قدراتهم العملياتية بعد خسائرهم في الشرق الأوسط. فيتاجرون بالذهب المستخرج بطرق غير مشروعة مباشرة مقابل الأسلحة، أو يبيعونها في السوق السوداء لتمويل شراء الأسلحة، مستغلين ازدهار التعدين الحرفي وسط ارتفاع أسعار الذهب.وتتركز ظاهرة "الذهب مقابل الأسلحة" في مناطق ببوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، حيث تنتشر رواسب الذهب غير الرسمية، وتمول الشبكات الإجرامية عمليات استخراجها وتطرد منافسيها منها، وتغسل عائدات المعادن عبر الصادرات التي يصعب تتبعها.وعلى سبيل المثال، تسيطر "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" على مناجم الذهب التقليدية في جنوب بوركينا فاسو، وغرب مالي، وتفرض ضرائب على عمال المناجم مقابل "الحماية".كما يستخرج قطّاع الطرق في شمال غرب نيجيريا ذهبا بقيمة 300 مليون نايرا (196 ألف دولار أميركي) أسبوعيا، ويقايضون به (ما بين 33 و 39 غراما من الذهب لكل بندقية كلاشينكوف) مع شركائهم في مراكز مثل "بوبو ديولاسو" و "وأغادوغو" (في بوركينا فاسو)، و"باماكو" (في مالي). وقد أسفرت عملية الإنتربول عام 2024 عن ضبط 64 قطعة سلاح ناري، و40 ألفا و593 عصا ديناميت مرتبطة بتجنيد عمال مناجم الذهب في المنطقة.ما الذي يعنيه هذا التطور؟تخلق العلاقة المتنامية بين الجريمة المنظمة والإرهاب وضعا تقوض فيه الثروة الطبيعية فاعلية الدولة، وتنشئ الجماعات الإرهابية والمسلحة "دولا موازية" في مناطق التعدين النائية، مقدمة شكلا مشوها من الأمن للمنقبين مقابل "إتاوات"، وبالتالي تحل محل سلطة الحكومة.ومن خلال هذا الوضع تهدر مليارات الدولارات من إيرادات الدولة بسبب التهريب، وفي بعض الدول تتجاوز قيمة الذهب المهرب الميزانية الوطنية للصحة أو التعليم كاملة. إعلان وتشتهر المناجم غير الرسمية الخاضعة لسيطرة العصابات الإجرامية بالعمل القسري وعمالة الأطفال، ويؤدي غياب التنظيم إلى الاستخدام غير المقنن للزئبق والسيانيد مما يلوث المياه الجوفية والأراضي الزراعية المحلية.كما تجبر سيطرة تجار الأسلحة على طرق التجارة التقليدية وطرق البدو الرحل، الشركاتِ المحلية على دفع أموال الحماية للشبكات الإجرامية، ليصبح النشاط الاقتصادي القانوني شبه مستحيل في هذه المناطق.وتتجاوز تداعيات هذه العلاقة الحدود الوطنية، لتؤثر على الأمن الإقليمي؛ إذ تتمثل أولى تبعاتها في "إعادة تدوير" العنف عبر الحدود، واستمرار الصراع الذي يسهل نقل الذهب وغيره من المعادن غير القانونية، ويصعب تتبعه ويوفر مصدر تمويل مستقر يجعل الجماعات الإرهابية والإجرامية عصية على الضغوط العسكرية التقليدية، وخاصة سهولة استعادة قدراتها بعد أي انتكاسة عسكرية وطنية وإقليمية، حيث يضمن تدفق الأسلحة الصغيرة غير المسجلة (التي تقدر بملايين القطع في أفريقيا) – حتى بعد انتهاء صراع ما- أن تظل أدوات الصراع التالي متاحة بسهولة.يضاف إلى ما سبق أن تنامي هذه العلاقة قد يعزز فقدان المواطنين ثقتهم بالحكومة، ويوفر مبررا للإرهابيين والمجرمين عند التجنيد المحلي، باعتبار أن تقارير كشفت عن تورط مسؤولين حكوميين، ومشاركة قوات أمنية في تهريب الذهب.وباعتبار أن الذهب غير المشروع من أفريقيا يغسل عبر مراكز التكرير الدولية؛ فهذا يعني أن مستهلكي سلاسل توريد المجوهرات والإلكترونيات المشروعة والأنظمة المالية العالمية قد يمولون، بعلم أو دون علم، حركات الإرهاب والإجرام داخل القارة.وعليه، يتطلب كسر العلاقة والقضاء عليها معالجة جذورها الاقتصادية والتنظيمية، بدءا من تبسيط الحكومات الإجراءات القانونية لحصول عمال المناجم الحرفيين على التراخيص، وتوفير أسعار عادلة للذهب عبر مراكز شراء مدعومة من الحكومة لكي تتمكن- أي الحكومة- من منافسة السوق السوداء، وحرمان الجماعات المسلحة من مصادر دخلها الإستراتيجي.وقد يساعد تطبيق تقنية تتبع الذهب القائمة على تقنية البلوك تشين و"بصمة الذهب" في التمييز بين "ذهب الصراع" والذهب المستخرج قانونيا، مع إخضاع المصافي الدولية لمعايير صارمة في العناية الواجبة لضمان عدم تهريبها للمعادن.وتحتاج الدول الأفريقية أيضا لتعزيز أمن ترساناتها الوطنية، حيث إن العديد من الأسلحة التي يستخدمها الإرهابيون مخطوفة أو مسروقة من مخزونات الدولة.وقد يساعد في تحقيق هذا، تحسين ترقيم الأسلحة الحكومية وحفظ سجلاتها، إلى جانب التعاون المباشر وفي الوقت الفعلي بين الأجهزة الأمنية في الدول المجاورة (بالنظر إلى أن طرق التهريب عابرة للحدود). إضافة إلى تسيير دوريات حدودية مشتركة وقواعد بيانات مشتركة للمهربين والوسطاء المعروفين، وممارسة الدول الأفريقية وشركائها الدوليين ضغوطا دبلوماسية واقتصادية على مراكز الذهب العالمية؛ لفرض معايير مكافحة غسل الأموال نفسها التي تنطبق على القطاعات المالية الأخرى. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه





