المربع نت – لم يعد الجدل حول السيارات الكهربائية يقتصر على المدى أو البنية التحتية للشحن، بل امتد إلى الطبقات العليا من السوق، حيث يطرح السؤال نفسه: هل تستحق السيارات الفاخرة الكهربائية تلك الأسعار الفلكية التي باتت تطلبها الشركات؟ سيارات مثل كاديلاك سيليستيك، بسعر يقارب 400 ألف دولار (حوالي 1.5 مليون ريال سعودي)، تقدم وعداً بمستقبل يجمع بين الفخامة والكهربة. لكن هل هو مستقبل حقيقي يمكن البناء عليه، أم مجرد “شو إعلامي” لجذب الأضواء؟
بين الفخامة التقليدية ووعود الكهرباء
السيارات الفاخرة لطالما ارتبطت بمحركات الوقود القوية، من الـV12 المهيب في رولز رويس إلى أصوات AMG الهادرة. هذه التجربة الحسية – من صوت المحرك ورائحته وحتى طريقة استجابته – تُعد جزءاً من هوية الفخامة. لكن مع دخول الكهرباء، تختفي هذه العناصر لتحل محلها وعود بالهدوء المطلق والراحة الاستثنائية.
البعض يرى أن هذا هو التطور الطبيعي، وأن الفخامة الحقيقية في المستقبل ستكون مرتبطة بالتصميم الداخلي المترف والتقنيات الذكية، لا بعدد الأسطوانات. لكن هناك من يعتقد أن الأمر أشبه بمحاولة فرض “فخامة مصطنعة” تخاطب العصر أكثر مما تخاطب مشاعر العملاء.
شاهد أيضاً:
هل يهتم المقتدرون فعلاً بالكهرباء؟
المستهلك الفاخر لديه معايير مختلفة تماماً عن مشتري السيارات العادية. فالقدرة على الشراء تفتح الباب أمام خيارات أوسع: لماذا يضطر من يستطيع دفع الملايين لاقتناء مرسيدس S-Class أو بنتلي، إلى أن يتخلى عن تجربة محركات الوقود ويذهب مباشرة إلى الكهرباء؟
في الواقع، كثير من الدراسات أشارت إلى أن شريحة كبيرة من عملاء الفئة الفاخرة ما زالوا يفضلون البنزين والديزل عالي الأداء، ليس لأنهم لا يؤمنون بالمستقبل الكهربائي، بل لأنهم يرون في المحركات التقليدية رمزاً للهيبة والندرة، تماماً كما يحدث مع ساعات الميكانيكا الفاخرة في زمن الساعات الذكية.
اقرأ أيضاً: “تقارير المربع” شركات السيارات الرابحة والخاسرة من أي سلام محتمل بين روسيا وأوكرنيا
أزمة انهيار الأسعار بعد الشراء
من أهم نقاط الضعف التي تعانيها السيارات الكهربائية الفاخرة اليوم هي الانخفاض الحاد في قيمتها بعد الشراء. بينما تحافظ سيارات مثل مرسيدس S-Class أو بورش 911 على قيمة قوية نسبياً مع مرور السنوات، نجد أن كثيراً من السيارات الكهربائية الفاخرة تخسر نصف قيمتها أو أكثر خلال ثلاث سنوات فقط.
بورش تايكان
على سبيل المثال، بورش تايكان – إحدى أبرز السيارات الكهربائية الفاخرة – يبدأ سعرها جديداً من حوالي 400 ألف ريال سعودي، لكن بعد ثلاث سنوات فقط يمكن أن تهبط قيمتها إلى ما يقارب 180-200 ألف ريال سعودي، أي ما يعادل خسارة أكثر من 50% من قيمتها السوقية خلال فترة قصيرة نسبياً. الأمر لا يقتصر على بورش فقط، بل حتى سيارات مثل مرسيدس EQS و جاكوار I-Pace تسجل نسب انخفاض مماثلة، مما يعزز مخاوف العملاء من خسارة استثمارهم سريعاً بعد الشراء.
هذا الأمر يجعل المستثمرين الأثرياء أكثر حذراً، خصوصاً أن قيمة الندرة غير مضمونة في سوق كهربائي يشهد دخول عشرات الطرازات الجديدة سنوياً. على النقيض، مع تشديد قوانين الانبعاثات، تزداد محركات الوقود ندرة، وبالتالي تتحول بعض الموديلات الكلاسيكية أو حتى الحديثة ذات المحركات الكبيرة إلى استثمار طويل الأمد.
اقرأ أيضاً: “تقارير المربع” هل تنهار تيسلا تحت ضغط المنافسة الصينية في أوروبا؟
بين الاستعراض والاستراتيجية
هل نحن إذن أمام مجرد حملة استعراضية من الشركات لإثبات حضورها في سوق الفخامة، أم أن هذه السيارات تمثل حقاً مستقبل الفئة العليا؟ ربما الحقيقة تقع في المنتصف. نعم، هناك الكثير من الضجيج الإعلامي المبالغ فيه حول سيارات مثل كاديلاك سيليستيك أو مرسيدس EQS مايباخ، لكن لا يمكن إنكار أن هذه الطرازات تقدم مستوى جديداً من التكنولوجيا والراحة لم يكن ممكناً قبل سنوات.
على سبيل المثال، توفر سيارات مثل مرسيدس EQS مايباخ أو بي إم دبليو i7 تجربة قيادة أقرب إلى “الصالة المتنقلة”، مع مقاعد مجهزة بخاصية التدليك، شاشات خلفية ضخمة للبث المباشر، ونظام عزل صوتي يجعل المقصورة صامتة حتى على سرعات عالية. هذه المزايا التقنية لم تكن متاحة بنفس الكثافة في سيارات البنزين، وهو ما قد يغري رجال الأعمال أو الشخصيات التي ترى في السيارة امتداداً لمكتب فاخر متحرك.
شاهد أيضاً:
من جهة أخرى، الأداء الكهربائي يقدم تجربة مختلفة تهم بعض المشترين. سيارات مثل تسلا موديل S بلايد أو لوسيد إير سابير توفر تسارعاً خارقاً يتجاوز قدرات كثير من السيارات الخارقة التقليدية، حيث تنطلق من السكون إلى 100 كم/س في أقل من ثلاث ثوانٍ. بالنسبة للمقتدرين الباحثين عن “المفاجأة” أو عن سيارة صامتة من الخارج لكنها صاروخية على الطريق، قد تكون هذه الأرقام سبباً كافياً لتبرير دفع مبالغ كبيرة مقابل امتلاكها، حتى لو لم تحتفظ بنفس القيمة عند إعادة البيع.
في النهاية، قد نكون في مرحلة انتقالية لا أكثر، حيث تسعى الشركات إلى تقديم بدائل كهربائية لفئة لا تزال وفية لمحركات الوقود. وربما السنوات القادمة، مع تحسن التكنولوجيا وتغير الذوق العام، ستجيب على السؤال الكبير: هل الفخامة الحقيقية في المستقبل ستُقاس بالكيلوواط أم بالأسطوانات؟
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه