بعد عام على انهيار حكم بشار الأسد، وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 11 ألف شخص في مختلف المناطق، وسط استمرار الانتهاكات، وتصاعد العنف، وغياب واضح للمساءلة والعدالة.
الأرقام التي كشفها المرصد لا تعكس مجرد حصيلة بشرية، بل تكشف واقعا مضطربا تعيشه البلاد بعد سقوط النظام، حيث تتداخل الفوضى، والانتقام، والانقسامات الاجتماعية.
عنف وغياب للمحاسبة
بحسب تقرير المرصد، الذي يغطي الفترة بين كانون الأول/ديسمبر 2024 وكانون الأول/ديسمبر 2025، بلغ عدد القتلى 11,439 شخصا، بينهم أكثر من 8,800 مدنيا، بينهم أطفال ونساء، ما يشير إلى أن المدنيين ما زالوا يدفعون الثمن الأكبر رغم سقوط النظام ووعود المرحلة الجديدة.
عشرات الجثث في موقف سيارات المستشفى الوطني بالسويداء
أخطر ما يسجله التقرير هو عودة أنماط العنف القديمة ذات الطابع الانتقامي والطائفي والمناطقي، إلى جانب انتشار القتل خارج القانون، وعمليات التصفية، والخطف، والتعذيب في السجون، والاقتتال المحلي، والقصف التركي والإسرائيلي، وهجمات التنظيمات المتطرفة.
توصيف المرصد للمشهد واضح، بأنه غياب شبه تام لمؤسسات العدالة، وضعف في قدرة الهياكل الجديدة على ضبط الأمن أو ملاحقة المرتكبين.
ويحذر التقرير من أن استمرار سقوط هذا العدد من المدنيين، بعد عام فقط على انهيار النظام، يشير إلى أن سوريا لم تدخل بعد في مسار الاستقرار، بل تسير في اتجاه أكثر تعقيدا وخطورة.
انقسامات طائفية
يسجل المرصد توسعا لافتا في الاعتداءات على دور العبادة والمزارات والرموز الدينية، في مؤشر على تعمّق الشرخ الاجتماعي.ويقول المرصد إن الهجوم على كنيسة مار إلياس في دمشق، الذي أوقع قتلى وجرحى، ليس سوى مثال واحد على نمط متكرر من الهجمات التي شملت كنائس ومساجد ومقامات دينية في محافظات مختلفة، ما يعكس اتساع رقعة الاحتقان الطائفي.
إلى جانب ذلك، شهد العام تصاعد حملات التحريض والتضليل الإعلامي التي نفذتها أطراف سياسية ومجموعات إلكترونية منظمة، استهدفت ناشطين وصحفيين، واتهمت مجموعات كاملة بالانتماء للنظام السابق أو العمالة.هذه الحملات، وفق المرصد، تؤجج الكراهية وتعطل أي مسار نحو العدالة الانتقالية.
الأمم المتحدة تحذّر
من جهتها حذّرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، من استمرار ارتكاب الانتهاكات في سوريا، واعتبرت أن سوريا بحاجة إلى مزيد من العمل لوقف الانتهاكات وتحقيق العدالة.
وقال المتحدث باسم المفوضية خلال مؤتمر صحفي، إن الإجراءات التي اعتمدتها الحكومة السورية، من تأسيس هيئتين وطنيتين للعدالة الانتقالية وللمفقودين، وتشكيل لجنتين للتحقيق في أعمال العنف في الساحل والسويداء، والإعلان عن مشروع قانون للعدالة الانتقالية، وبدء محاكمات المتورطين في أحداث الساحل “ليست سوى البداية لما يجب القيام به في سوريا”، لمعالجة الانتهاكات.
وأضاف الخيطان: “مع ذلك، ما زلنا نتلقى روايات مروعة عن عمليات إعدام بإجراءات موجزة، وقتل تعسفي وعمليات اختطاف، تستهدف بشكل رئيسي مجتمعات بعينها وأشخاصا متهمين بالانتماء إلى الحكومة السابقة”.
وكشف الخيطان أن الانتهاكات في سوريا “تشمل العنف الجنسي، والاعتقالات التعسفية، والنهب، وتدمير المساكن، والإخلاء القسري ومصادرة المنازل والأراضي والممتلكات، فضلا عن قيود على حرية التعبير والتجمع السلمي”.
وبحسب الخيطان، فإن العديد من هذه الحالات، طالت أعمال العنف بشكل رئيسي مجتمعات معينة، بمن فيهم العلويون، والدروز والمسيحيون، والبدو. وتغذت هذه الأعمال على خطاب الكراهية المتصاعد، سواء على الإنترنت أو في الشوارع.
ويرى الخيطان أن دمج الجماعات المسلحة السابقة في أجهزة الأمن الجديدة جرى “بطريقة متسرعة”، وبلا تدقيق قائم على معايير حقوق الإنسان، محذّرا من أن غياب هذا التدقيق “يسمح باندماج مرتكبي الانتهاكات الجسيمة في مؤسسات يفترض أن تحمي المجتمع”، ما يهدّد بتكرار الانتهاكات ذاتها في المرحلة الانتقالية.
ويشدد الخيطان على ضرورة إجراء تحقيقات مستقلة وشاملة وشفافة في جميع الانتهاكات، القديمة منها والجديدة، ومحاسبة المسؤولين عنها من دون استثناء.
وفي بيان منفصل، دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك السلطات السورية إلى معالجة الجذور العميقة للعنف والانتهاكات، مؤكداً أن المساءلة والعدالة والسلام والأمن شروط لا غنى عنها لنجاح العملية الانتقالية، وأن حقوق الضحايا في التعويض والإنصاف يجب أن تكون في صدارة أي مسار سياسي قادم.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً






