بدأ في دمشق العرض التجاري لفيلم (الست) والذي تدور أحداثه حول محطات من حياة كوكب الشرق (أم كلثوم). الفيلم من بطولة نخبة من النجوم في مقدمتهم منى زكي، سيد رجب، أحمد فراج أحمد، خالد صالح. إلى جانب ضيوف الشرف: تامر نبيل، عمرو سعد، أحمد رضوان، كريم عبد العزيز، آسر ياسين، أحمد حلمي، أمينة خليل، نيللي كريم، صدقي صخر، أمير المصري، طه دسوقي ومرور لطيف للممثل اللبناني يمين، من تأليف أحمد مراد واخراج مروان حامد.
سبق للفيلم وأن عرض ضمن فعاليات مهرجان مراكش السينما الدولي كعرض أول ولكن يبدو أن شركاء الإنتاج وجدوا أن حضوره الجماهيري ضمن قاعات السينما ربما أهم من جولاته في المهرجانات السينمائية، وهذا أمر أراه أيضا إيجابيا فلمن تُصنع الأفلام؟ فقط للمهرجانات؟ أم أن هدفها النهائي استقطاب الجمهور وريع شباك التذاكر؟
تكمن صعوبة تنفيذ فيلم عن حياة الست أم كلثوم، في اختزاله ضمن ساعات محدودة مرحلة تاريخية ليس فقط في مسيرة حياتها عثراتها ونجاحاتها الثرية الطويلة والهامة، بل أيضا من تاريخ مصر، فمن أين سيبدأ الفيلم وأين سينتهي، وأي مرحلة تاريخية سيختار من سيرتها الذاتية، ولماذا سيتوقف عند محطات دون غيرها وخاصة أن الجمهور العربي وليس فقط المصري سبق وأن شاهد عملا تلفزيونيا عنها من 30 حلقة اخراج أنعام محمد علي من كتابة الكبير محفوظ عبد الرحمن، سبق وأن خاض في أهم مفاصل حياتها منذ مرحلة الطفولة المبكرة انتهاء بالموت، كما أن موضوع المقارنة ما بين بطلتي العمل صابرين ومنى زكي سيكون هو الآخر حاضر، فيما لو استثنيا ردة فعل النقاد وعائلة الست حول ما سيشاهدونه ضمن الفيلم، في الحقيقة ليس فقط فيلم (الست) وإنما أي عمل درامي وحتى أدبي يخوض في السيرة الذاتية هو بلا شكل موضوع جدل إلى أن يتم إنجازه ويظهر للنور، فإما ينجح وينال الرضى أو يسقط ويصاب بوابل من الانتقادات، يقول المخرج: "إن مراحل إنتاج الفيلم امتدت لأكثر من 3 سنوات، شملت التفكير والبحث العميق، وكتابة السيناريو، مروراً بمرحلة التحضير والتصوير، ثم مراحل ما بعد الإنتاج، وصولاً إلى النسخة النهائية للفيلم"، ولتحقيق ذلك استعان المخرج كما تشير تتيرات الفيلم، بباحثين في التاريخ إلى جانب الاستعانة بالصديق المقرب من أم كلثوم الكاتب الكبير محمد سلماوي.
لكن فيلم (الست) استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة، ونجح في اختيار مفاصل بعينها من حياتها وبنى عليها قصته، وكان للتصوير والمونتاج سحره في رواية تلك السيرة مستعينا بتلوين الفيلم لدمج بعض المشاهد، فاختار الكاتب أن يبدأ فيلمه من حفلة مسرح الأوليمبيا في باريس الذي أقامته أم كلثوم لجمع المال للمجهود الحربي وتتعرض خلاله لحادث عابرة من شاب معجب ومهووس، ليعود بطريقة الفلاش باك لمراحل طفولتها ونشأتها بشكل محبوك دراميا، ليمر على فترة منعها من الغناء بعد قيام الثورة وعزل الملك فاروق الذي سبق وأن غنت له (يا ليلة العيد آنستينا) أثناء دخوله لحفلة العيد التي كانت تحييها في النادي الأهلي، أن هذه اللحظة الدرامية تتشابه فيها أم كلثوم مع كل من مر بنفس التجربة من مطربين وصفوا بانهم صوت العهد البائد، الأمر الذي سحب منها منصبها كنقيب للفنانين، ليس هذا فحسب بل أيضا حجب أغانيها عن الإذاعة الرسمية.
رغم كل ذلك يؤكد الفيلم على أن الست لم تغيير موقفها ولم تتملق بين ليلة وضحاها للثوار الاحرار، وقبلت بالعزلة والاعتزال التي فُرضت عليها أو ربما فرضتها على نفسها، إلى أن يستدعيها جمال عبد الناصر لتغني مرة أخرى لمصر وثوارها الأحرار (مصر التي في خاطري وفي دمي)، كما أن الفيلم يتوقف طويلا عند الأوقات البائسة التي عاشتها أم كلثوم وحيدة وتعرضها للص جريء يقتحم بيتها ويسرقها تحت تهديد السلاح، ويتخذ الفيلم من السرقة ومحضر الشرطة مبررا ليعرفنا بأهمية المسروقات وأصولها، فيمر على وسام الكمال الذي توجها به الملك فاروق وعن علاقة الحب التي جمعتها مع شريف صبري خال الملك والتي لم تتوج بالزواج بسبب رفض الملكة الأم كما يشير الفيلم، مرورا بالرصاصة التي أطلقها القصبجي وأصابت أحد جدران بيتها، وانتهاء من حيث بدأ الفيلم بمرحلة مساعدتها وجمع المال لدعم المجهور الحربي، ويختار كاتب الفيلم أكثر الشخصيات الفنية التي أثّرت في حياة أم كلثوم سواء الفنية أو العائلية والاجتماعية فأختار أحمد رامي والقصبجي رفيقا دربها، وزوجها الوحيد طبيها الذي كان يعالجها، وأبن شقيقتها الذي كان يدير أعمالها، كما جاء على جوانب جديدة في شخصيتها مركزا بشكل خاص على دهائها وذكائها الإداري الفطري، ومرحها وحتى غضبها وجدّيتها، واستعان صنّاع الفيلم بصوت المطربة نسمة محجوب لملآ الفراغات الغنائية بحيث جاءت جزء لا يتجزأ من الفيلم.
إنها لعبة درامية مكتوبة بالورقة ومنفذه بالصورة (عبد السلام موسى)، والمونتاج (أحمد حافظ) ومغلفة بموسيقا تصويرية درامية ساحرة تكاد تندمج بروح الفيلم للموسيقار (هشام نزيه)، لدرجة يتورط فيها الجمهور بمتابعة الفيلم دون ملل أو كلل، فالأحداث مكثفة جدا، وكل ثانية تحمل موقفا أو حدثا دراميا.
لا تبدو منى زكي، صورة طبق الأصل عن الست، لكن ذلك لن يقف كحاجز وتماهيها مع الشخصية وتصديقنا لها، وربما لن يكون أحد أهم أدوارها كممثلة من طراز أكاديمي رفيع، لكنه حتما سيكون جزءاً هاماً من سجلها الفني.
يبقى السؤال هل سيتمكن الجمهور السوري وسط ضائقته الاقتصادية وارتفاع رسوم دخول السينما أن يحضر الفيلم، الجواب مرهون بالأيام القادمة.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً





