مرة أخرى، تضع القارة السمراء الولايات المتحدة الأمريكية في دائرة الشكوك. فبينما يُهدّد مشروع خفض سطوع الشمس عالمياً لحماية الكوكب، بوضع منظم حرارة الأرض بيد دونالد ترامب، من الأفضل للقارة، ولغيرها، تبنّي مبدأ الحيطة والحذر في العلوم التي تنطوي على مخاطر عالية.ربما يكون من المناسب أن تُعقد محادثات الأمم المتحدة للبيئة في نيروبي، حيث تُسهم إفريقيا في صياغة الحوار العالمي حول المناخ. ويتناول دبلوماسيو القارّة السؤال الشائك حول ما إذا كان من الحكمة محاولة تبريد الكوكب عن طريق خفض سطوع الشمس. ورغم أن هذا الأمر ليس مدرجاً على جدول أعمال القمة الرسمي، إلا أنهم يُجادلون على هامشها بأن الوقت قد حان للتوقف عن الترويج لتقنية الهندسة الجيولوجية الشمسية، كحلّ لمشكلة الاحتباس الحراري. ومن الصعب الاختلاف معهم.وقد تحركت الدول الإفريقية لأنها لا تُريد أن تُصبح قارّتها حقل تجارب لمشاريع غير مُثبتة، لرشّ جزيئات في طبقات الجو العليا لعكس ضوء الشمس بعيداً عن الأرض، مقابل مكاسب تبريد ضئيلة، وغير مؤكدة. وهم يشيرون إلى مخاطر، بيئية وأخلاقية وجيوسياسية. ولهذا السبب، تسعى القارة الإفريقية جاهدة، لإبرام اتفاقية عالمية «لعدم الاستخدام» تستبعد التمويل الحكومي، والتجارب الخارجية، وبراءات الاختراع، والترويج الرسمي لهذه التقنيات.وسبب التجميد واضح: فالهندسة الجيولوجية الشمسية لا تُقلل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وتشمل الآثار الجانبية المحتملة تغيّر أنماط هطل الأمطار، وما يترتب على ذلك من ضغط على النظم الغذائية. كما يوجد خطر حدوث ارتفاع حاد في درجات الحرارة، في حال توقف هذه التدخلات - ما يُعرف بصدمة التوقف الفوري. وقد بلغت معارضة الدول الإفريقية حداً أجبرها على سحب قرار مدعوم من سويسرا بشأن تعديل الإشعاع الشمسي، خلال محادثات الأمم المتحدة، العام الماضي.ومع ذلك، يجري التحضير لبناء صناعات قائمة على فكرة إمكانية تحكم جهة ما في درجة حرارة الأرض. وتعمل شركة أمريكية إسرائيلية على تطوير نظام رش لتقديم «خدمات تبريد» مستقبلية للحكومات. وتقاوم دول أخرى هذا التوجه. فقد حظرت المكسيك تجارب الهندسة الجيولوجية الشمسية عام 2023، بعد تجربة غير مصرح بها، أجرتها شركة أمريكية ناشئة على أراضيها.وحذّر أكاديميون من أن المملكة المتحدة أصبحت أول حكومة كبرى تموّل بشكل كبير تعديل الإشعاع الشمسي من خلال وكالة الأبحاث والاختراعات المتقدمة. وهي تدعم الآن العلماء لإجراء أبحاث حول أجهزة «تبريد المناخ»، واختبارات ميدانية صغيرة النطاق. ويصف علماء آخرون هذه الخطوة بأنها ساذجة، وتفتقر إلى الحوكمة الرشيدة، وغير قادرة علمياً، على إثبات سلامة تعديل الإشعاع الشمسي. لذا ينبغي على الوزراء التراجع.لكن وراء البرامج البحثية دوافع سياسية حيث تصنع الأجهزة، وتوفر الوظائف. وتجذب التقنيات المحفوفة بالمخاطر داعمين ممولين بسخاء. ومن هنا ينبغي دراسة تصرفات الولايات المتحدة، أكبر منتج للنفط والغاز في العالم. لقد جعلت إدارة ترامب «الهيمنة الأمريكية على الطاقة» جوهر استراتيجيتها الاقتصادية. ومعلوم أن الهندسة الجيولوجية الشمسية توفر وسيلة لإدارة مخاطر ارتفاع درجات الحرارة من دون التخلي عن هيمنة اقتصاد الكربون. إن التحكم في كل من إمدادات الطاقة العالمية والمنظم الحراري العالمي له جاذبية واضحة للبيت الأبيض، وداعميه من أصحاب المليارات.إن دعوة الحكومات الإفريقية إلى اتفاقية عدم استخدام الطاقة الشمسية في الهندسة الجيولوجية - على غرار حظر الألغام الأرضية والأسلحة الكيميائية - هي اعتراف بأن بعض التقنيات تُغيّر موازين القوى بشكل حاد، ما يخلق مخاطر يتصعب السيطرة عليها. لذا، لا بد من وضع حد فاصل. فمبدأ الحيطة والحذر يُطبق مع التقنيات الحديثة الأخرى، فلماذا لا يُطبق هنا؟ من الواضح أن هذه السلطة لا يمكن تركها في أيدي قلّة.ينبغي أخذ دعوة إفريقيا على محمل الجد. لا يُضعف هذا من شأن سياسات المناخ، بل على العكس، سيركز الجهود على التدابير التي تعالج حالة الطوارئ المناخية: خفض استخدام الوقود الأحفوري، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وتمويل التكيّف مع تغيّر المناخ، حيثما يكون الضرر قد وقع بالفعل.افتتاحية صحيفة الغارديان
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً






