حمزة وأقرباؤه.. أبناء العمارين يبتلعهم الغياب بين سوريا القديمة والجديدة

نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا مطوّلاً تناول قصة عائلة سورية من محافظة درعا ابتلعتها دوامة الحرب، واحدًا تلو الآخر، عبر فصول من الاختفاء القسري والاعتقال السياسي والموت الغامض.
يسلط التقرير الضوء على مصير "حمزة العمارين"، أحد أبرز مسؤولي الدفاع المدني (الخوذ البيضاء)، الذي اختُطف في مدينة السويداء خلال مهمة إنقاذ في تموز الماضي، بعد سنوات من الغياب القسري الذي طال أشقاءه الثلاثة في فصول مختلفة من الصراع السوري.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بالمفقودين والمفقودات في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الصحيفة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
في شهر تموز الماضي، تعرضت العائلة لخسارة جديدة، وذلك عندما اختطف حمزة العمارين، 34 عاماً، والذي يترأس إحدى فرق الدفاع المدني السوري على يد مجهولين بمدينة السويداء خلال تأديته لمهمة إنقاذ، وقد كان شمله قد التم لتوه مع أمه وبقية أفراد العائلة في البلد، بما أنه يصغر شقيقيه عمار ومعمر، وذلك طوال مدة لم تتجاوز السبعة أشهر في مدينتهم الواقعة في الجنوب السوري بعد أن أمضى أكثر من اثنتي عشرة سنة في غربة قسرية بدأت عندما كان طالباً في الكلية.
غير أن الألم الذي تعاني منه عائلته بعد المصائب المتكررة التي تعرضت لها أصبح شائعاً في سوريا للأسف، بعد أن أخفي آلاف السوريين قسرياً خلال الحرب التي بدأت في عام 2011، ومعظم هؤلاء المخفيين والمخفيات نقلوا إلى سجون الأسد، في حين اختطفت جماعات متطرفة بعضهم، ناهيك عن الأعداد غير المعروفة التي دفنت في مقابر جماعية موزعة على مختلف أنحاء البلد.
عهد جديد.. مفقودون جدد
لم تشعر عائلات كثيرة بالارتياح عند طرد الرئيس السابق في كانون الأول الماضي، على الرغم من أن رحيله أنهى حكم آل الأسد الذي امتد لعقود طويلة، وذلك لأن أهالي المفقودين لم يعثروا على أحبائهم عندما فتحت أبواب السجون وفروع الأمن، وعندما زاروا المشرحات ونبشوا القبور بحثاً عنهم. ولهذا فإن العهد الجديد في سوريا افتتح بغضب وتوتر وخسائر بالنسبة لهم.
غير أن استمرار اختفاء الناس في سوريا، خلال موجات العنف الطائفي أو بسبب تصفية حسابات قديمة تعود لأيام الحرب، يفوق قدرة أهالي المفقودين على الاحتمال في سوريا الجديدة.
في تعقيب على ذلك، تقول عمرة العمارين، شقيقة معمر وعمار وحمزة وعمة عدي: "خسرنا ثلاثة، ولا نطيق أن نخسر الرابع، فهذا صعب علينا" وذلك أثناء لعب أولاد حمزة حولها في إحدى الأمسيات.
حمزة في البعد وفي القرب
على مدار سنين طويلة، عاش حمزة في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة الثوار في شمال غربي سوريا بعد هروبه من منطقة كانت تخضع لسيطرة النظام عندما كان طالباً جامعياً. وفي الشمال، ساهم حمزة في تأسيس منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) التي كانت تقدم الاستجابة للحالات الطارئة وعند وقوع الكوارث الطبيعية، إلى جانب الاستجابة التي كانت تقدم عند تنفيذ النظام وحلفائه لأي هجوم. أي أنه بقي بعيداً عن أهله لمدة تجاوزت 13 عاماً كما أخبرتنا شقيقته.
لكن أهله رأوه من جديد عندما هرع عائداً للجنوب بعد إسقاط الأسد، وهكذا انضم مع أهله لجموع الناس الذين توجهوا نحو السجون ومن بينها سجن صيدنايا، وذلك على أمل العثور على عمار أو عدي، ولكنهم لم يعثروا على أي منهما كما تقول عمرة.
في ظل الحكومة السورية الجديدة، أصبحت منظمة الخوذ البيضاء فرقة الدفاع المدني الرسمية في البلد، وأصبحت تقدم استجابتها اليوم للحالات الطارئة في مختلف أنحاء سوريا. ففي شهر تموز الماضي، ترك حمزة بيته من جديد، ليشارك في إطفاء الحرائق المستعرة في اللاذقية على الساحل السوري، ثم عاد ليمضي مع أهله فترة قصيرة قبل أن تطرأ حالة أخرى تمثلت بالاقتتال الطائفي الدموي الذي اشتعل في السويداء.
اختطاف حمزة
كان المدنيون محاصرين، ولهذا توجه حمزة في مهمة إنقاذ من أجلهم، بحسب ما ذكره أهله وزملاؤه. وفي اليوم الذي وصل فيه إلى السويداء الموافق لـ16 تموز، عمل على "إخلاء 35 عائلة" بحسب ما وصف زميله مهند محمد في مقابلة أجريت معه بمقر وحدة الدفاع المدني على تخوم محافظة السويداء. ولكن سرعان ما أدرك أهل حمزة وزملاؤه بأن مكروهاً حدث له.
اتصل زملاؤه على هاتفه، فرد عليهم شخص آخر وطمأنهم بأن حمزة بخير وبأنه: "سيطلق سراحه في غضون أيام قلائل"، بحسب ما ذكر محمد، ثم تمكنت زوجته من التحدث إليه لثوان معدودة، حيث قال لها: "أنا بخير، وموجود بالسويداء" وذلك بحسب ما ذكرته شقيقته التي أضافت: "اقتصر الحديث على بضع كلمات، ثم قطع الاتصال"، ويعتقد أهل حمزة بأن خاطفيه ينتمون لميليشيا درزية من أبناء تلك المدينة، وذلك بناء على علامة تشير لأحد الزعماء الروحيين في المنطقة.
فظائع بالجملة
يعتبر الاقتتال الذي حدث في السويداء الأشد دموية في سوريا منذ إسقاط الأسد، فقد اندلع بين ميليشيات درزية وقوات سنية ضمت بدو المنطقة ورجال العشائر من خارج المدينة إلى جانب قوات الحكومة. وقد ركز تقرير نشرته منظمة العفو الدولية خلال الأسبوع الماضي على جانب من الفظائع الكثيرة التي ذكر شهود وقوعها في تلك المدينة، والتي شملت إعدام العشرات من المدنيين الدروز على يد قوات ومسلحين تابعين للحكومة.
كما تعرض العشرات وربما المئات من الأشخاص للاختطاف خلال فترة الاقتتال وما بعدها، وقد تم تبادل بعض المختطفين في عمليات تبادل للأسرى جرت لاحقاً، ولهذا أعلنت منظمة العفو الدولية بأنها تلقت: "تقارير موثوقة حول عمليات اختطاف نفذتها جماعات مسلحة درزية ومقاتلي العشائر البدوية"، وبأنها فتحت تحقيقاً في الموضوع.
كان اختفاء حمزة العمارين من أشد الأحداث شؤماً، بما أنه عامل في مجال الإغاثة وبسبب عدم توفر أية معلومات عن مصيره.
ولذلك، بدت عملية اختفائه أشبه بعمليات الإخفاء التي كانت تتم أيام الأسد، عندما كان السوريون والسوريات يختفون في ثقب أسود مجهول. وتقدر منظمات حقوقية بأن أكثر من مئة ألف سوري وسورية تعرضوا للإخفاء القسري أيام حكم الأسد ويشمل ذلك عمليات الإخفاء التي حدثت خلال الحرب.
شكلت الحكومة لجنة كلفتها بالبحث عن مصير المفقودين في أيار الماضي، في خطوة لاقت ترحيباً من المنظمات الحقوقية، ولكن شابتها أمور مقلقة أخرى، وعلى رأسها أن الجماعة الثورية الإسلامية التي تترأس الحكومة اليوم تتحمل هي أيضاً مسؤولية إخفاء عدد من الأشخاص خلال الحرب.
مهمة معقدة
في تقريرها الذي نشر في 30 آب الماضي، ذكرت منظمة العفو الدولية بأنه: "ينبغي على الحكومة السورية أن تقدم المزيد على الفور، ليصبح بالإمكان القول بإن جهود البحث عن المفقودين والمفقودات قد بدأت بكل جدية".
بيد أن الأغلبية الساحقة من المفقودين والمفقودات السوريين اختفت في سجون الأسد السرية، كما أن معظم الرجال الذين عملوا في تلك السجون فروا من البلد، ولم ينبسوا بكلمة عن الأشخاص الذين عملوا على إخفائهم.
ومقارنة بهؤلاء، يبدو من الأسهل معرفة مصير حمزة، إذ يقتصر الأمر على تحديد مكانه أو مكان جثته داخل حدود مدينة واحدة صغيرة نسبياً، وقد يتعدى الأمر للبحث عنه في أطراف تلك المدينة. إلا أن هذه المهمة أصبحت معقدة بسبب النزاع القائم بين الحكومة والسويداء ذات الغالبية الدرزية التي أعلنت استقلالها عن بقية الأراضي السورية.
كما لم تظهر أي مؤشرات للحياة هناك.
تواصلت عمرة مع أصدقاء في السويداء، إلا أن ذلك لم يفد بشيء، لأنهم مدنيون لا سلطة لهم على الجماعات المسلحة، ولهذا تقول: "لا ألومهم، إلا أن هذه الفترة عصيبة على أمه وعلى أولاده وعلي".
وعلى الرغم من عدم ظهور أي مؤشر يدل على أنه بخير تقول أخته: "أتمنى أن يكون حمزة بخير، وأظنه كذلك".
المصدر: The Washington Post(link is external)
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه