عادل إمام في بغداد 2001: زيارة واحدة تحت الحصار وحفاوة لم ينسها العراقيون

زيارة عادل إمام الاستثنائية والوحيدة إلى بغداد تركت أثرا عميقا في نفوس العراقيين، تماما كما تركت أثرها في نفس عادل إمام الذي حَيَّته الصحافة بلقب نجم النجوم. أطلق مشاعره قائلا إنه جزء من الشعب العراقي، معلنا بيقين المحب: اليوم تاريخي لأنني ألتقي الشعب العراقي في بغداد الصمود، ومؤكدا أن بغداد لم تغب عنه لحظة. كانت زيارة مزيجا من الكوميديا والتراجيديا، أضفت عليها روحيته حضورا محبا وجادا في آن.النجم المصري وسفير النوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة عادل إمام يصل إلى فندق الرشيد في بغداد يوم 20 فبراير/شباط 2001. ويشرب القهوة العربية في لفتة ضيافة وكان إمام، الذي يزور بغداد للمرة الأولى، قد حصل على إذن من الأمم المتحدة لتقديم مسرحيته “بودي جارد” هناك، والتبرع بعائدات شباك التذاكر لأطفال العراقكان ذلك في فبراير/شباط 2001، والعراق يرزح تحت الحصار الاقتصادي في سنته الحادية عشرة، والفرح شحيح. وصل عادل إمام وفرقته بموافقة الأمم المتحدة، وكان يحمل منصبا شرفيا كسفير للنوايا الحسنة.النجم المصري الشهير عادل إمام يحمل جواز سفر دبلوماسيا بعد اختياره سفير نوايا حسنة للأمم المتحدة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقياسر اختيار “بودي جارد” بدلاً من “الزعيم”تصدرت الصحف عناوينها: عادل إمام قريبا في بغداد، مؤكدة أنه سيعرض مسرحيته “بودي غارد” على أحد مسارح العاصمة، وأن ريعها سيخصص لأطفال العراق. قبل ذلك راج في الوسط الإعلامي أنه سيقدم “الزعيم”، لأن نصها يحاكي معاناة المواطن العربي في كل زمان.اقرأ أيضا list of 1 itemlist 1 of 1كنعان وصفي.. ممثل عراقي في السينما المصرية ومطرب نجح في أدوار الشرend of listغير أن إمام رأى أن “الزعيم” غير مناسبة لبغداد آنذاك، خاصة مع حساسيات التشابه الدلالي بشخصيات صدام حسين ومعمر القذافي، فآثر السلامة الفنية والملاءمة الاجتماعية، واختار “بودي جارد”، نص يوسف معاطي وإخراج رامي إمام، لتكون رسالة ترفيه متوازنة مع ظرف البلاد وكرامة جمهورها.الوفد المرافق للزعيم 58 شخصا..في 19 فبراير 2001 وصل عادل إمام مطار بغداد ضمن وفد قوامه 58 شخصا، بعد أن سبقته فرقة فنية لتجهيز المسرح بالكامل سينوغرافيا وصوتا وإضاءة.ضم فريق العرض، إلى جانب الزعيم، سعيد عبد الغني، عزت أبو عوف، فايق عزب، محمد أبو داود، عبد الحميد أنيس، أحمد عبد الهادي، فيما تولت البطولة الشابة منال عفيفي لأول مرة بعد سلسلة تغييرات: انسحاب رغدة ثم حلول دينا التي انسحبت لوفاة زوجها سامح الباجوري.ملصق دعائي لمسرحية “بودي جارد” يظهر النجم المصري عادل امام إلى جانب الفنانة السورية رغدة في الفترة التي كانت تتولى فيها بطولة العرض على خشبة مسرح الهرمالمفارقة أن رغدة كانت في بغداد ضيفة لدى الرئيس واعتذرت عن المشاركة. ورافق الوفد أربعة صحافيين: سمير الجمل، محمود سعد، الأمير أباظة، محمود موسى، إضافة إلى المصور حسن عبد الفتاح.أول الغيث.. قبعة!!اشترك فيالنشرة البريديةاشترك في النشرة البريدية وتابع أحدث أفلامنا الوثائقيةفي حوار مع هالة سرحان يحكي عادل إمام بعض تفاصيل رحلته إلى بغداد، فحين نزل من الطيارة وجد صفا من المستقبلين، وكانت هناك ريح عالية، فقام مساعده عادل سليمان وألبسه قبعة كي لا يطير شعره، خاصة مع وجود مصورين، لكن عادل فوجئ بمن يقول له: “ما يصير يا أستاذ عادل ما يصير!!”.النجم الكوميدي المصري وسفير النوايا الحسنة لدى الامم المتحدة عادل امام لدى وصوله الى فندق الرشيد في بغداد في 20 فبراير 2001. جاءت الزيارة الاولى له الى العاصمة العراقية بعد حصوله على اذن من الامم المتحدة لتقديم مسرحيته “بودي غارد” هناك والتبرع بايرادات شباك التذاكر لصالح اطفال العراقكان يعتقد أن هذه الكلمات عتاب لطيف لأن الآخر يظن أن الزيارة كانت متأخرة، وكأنه يقول له “لماذا لم تأت من زمان؟”، لكن عادل عرف أن القبعة التي اعتمرها هي السبب في هذا الكلام، لأن عليها العلم الأميركي، ويؤكد أنه شاهد سحنات الناس وقد تغيرت!! تأكد إمام من زجاج صالة القدوم، وأدار القبعة قبل أن يخلعها.وصايا عادل إمامالزعيم، بحكم اطلاعه على أحوال السياسة، تخوف من هزار بعض أفراد فرقته. جمعهم وقال بأسلوبه: احنا رايحين دولة بوليسية.. بلاش كلام فارغ. لا إهانة ولا انتقاد. وحذرهم من المبالغة في المديح: لو لقيت واحد قاعد يقول للعراقيين: يا سلام على الرئيس صدام حسين.. حاجة جميلة وعظيمة، قوله: مش كده، مش قوي كده.. هتودونا في داهية. خلي الموضوع شغل مسرح بس.زيارة أولى للعراق..وصل عادل إمام والوفد إلى مطار بغداد الدولي على طائرة مصرية. استقبله نقيب الفنانين الراحل داود القيسي، ووكيل وزارة الثقافة حميد سعيد، والفنان صادق علي شاهين مدير المسارح، وعدد من الفنانين العراقيين.واصل طريقه إلى داخل صالة الاستقبال من دون انتظار الوكيل الذي كان يصافح بقية أعضاء الوفد. قال للصحافيين: زيارتي الأولى للعراق، وأنا سعيد بلقاء الشعب العراقي. موقف المصريين واضح جدا مما يتعرض له العراق، ونتمنى زوال مشاكله ليعود إلى الصف العربي كما كان.النجم المصري عادل إمام لحظة وصوله إلى مطار بغداد الدولي عام 2001، محاطا بوفده الفني وباستقبال رسمي وإعلامي قبيل تقديم مسرحيته “بودي جارد” على خشبة المسرح الوطني في بغداديقول المصور العراقي علي عيسى: ابتسم للجميع ثم دخل مسرعا، وحين سئل أجاب: لم آت للسياسيين بل للشعب والفنانين العراقيين المبدعين. في الاستراحة كان مرحا ويلتقط الصور مع الناس. منذ اللحظة الأولى بدا حازما ودودا. وأضاف: كما أنني التقيته في المسرح الوطني وفي البروفات وفي مطعم الفندق، وكان يتصرف بعفوية. في البروفات جديا ولا مجال للضحك والمزاح، لكنه في المطعم يعود إلى شخصيته المرحة اللطيفة، مشيرا إلى أن تصوير المسرحية كان ممنوعا.اتصال من زوجته..يبدو أن زوجته السيدة هالة الشلقاني كانت غير مطمئنة تماما، لذلك اتصلت به. يقول الزميل الصحفي العراقي وسام فاروق: ونحن معه في مطعم الفندق جاءه اتصال هاتفي..ألو.. أزيك يا هالة؟ (يخبر الطباخين بأنها المدام)ويكمل حديثه: الحمد لله.. أنا بخير والعراقيون كلهم بخير، اطمئني.. أنا لسه واكل والطباخين قاموا بالواجب وزيادة، قدامي أكلات عراقية لذيذة..النجم السينمائي والكوميدي المصري عادل إمام (يسارا) يصفق إلى جانب زوجته هالة الشلقاني (يمينا) في افتتاح العرض الأول لفيلمه “هالو أمريكا” مساء 4 يناير 2000 في القاهرة. يجسد إمام دور مصري يهاجر إلى الولايات المتحدة فيواجه سلسلة من المفارقات والمغامرات، والفيلم هو الثالث في ثلاثية بدأت عام 1998 بفيلمي “بخيت وعديلة”ثم قال: الله يسلمك.. سلميلي على الأولاد..ثم عاد ليكمل أكله..يعلق وسام: فهو يحب الأكل كثيرا أو هذا ما أكده في إحدى قفشاته!!العرض الأول..كانت الليلة الأولى من أربع ليال مساء الأربعاء 21 فبراير 2001 موعد العرض الأول، على خشبة المسرح الوطني ببغداد، بحماس استثنائي. امتلأت الصالة التي تسع ألف مقعد، حتى جلس الجمهور على السلالم، وأضيفت كراس لإدخال أكبر عدد، وباعت السوق السوداء التذاكر بأضعاف السعر.تعطل البدء قليلا لتهدئة الصخب الباحث عن إطلالة عادل إمام. وما إن انفرجت الستارة حتى وقف الجميع يصفق دقائق.النجم المصري عادل إمام، أيقونة السينما والمسرح، في لحظة تحيته للجمهور على خشبة المسرحقال “الزعيم” مازحا: أنا تعبت من الانحناء وعايز أمثل، فضحكوا وبدأت فصول الضحك.في الختام ظل الجمهور واقفا يرفض المغادرة، فأمسك الميكروفون وقال: جئت أحمل حبي وأشواقي لشعبكم، وأتمنى عودة العرب إلى العراق قلوبا وأهدافا موحدة ضد عدوهم الأوحد.لا مكان للسياسة..حاول عادل إمام على قدر ما يستطيع أن يبعد السياسة عن زيارته، يتحدث إلى الجمهور كمواطن عربي يشعر بما عليه المواطن العربي في العراق. ينقل عنه أنه “في المسرح كان ينزل ويصافح المسؤول الذي يحضر وينتهي الأمر لأن مهمته واضحة جاء للناس وهدفه الناس، وإذا جاء القادة إلى المسرح فإنهم يصبحون من الناس”، لكنه كان يرفض أن يذهب لمقابلة الرئيس والوزراء في مقراتهم، وكان يقول: “أهلا بهم في مسرحي”، كما نقل عنه أنه قال: “أنا لم أطلب لقاء صدام حسين، كما لم يطلب مني ذلك”.النجم المصري عادل إمام خلال زيارته إلى بغداد عام 2001، وإلى الخلف صورة الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، في زيارة حرص فيها على عدم لقاء القيادات السياسية، مؤكدا في أكثر من مناسبة: جئت من أجل الشعب العراقي وأطفاله، لا من أجل الحكامويؤكد محمود سعد: “أرسل له مسؤول كبير للغاية في الدولة، حتى يذهب له الزعيم كي يسلم عليه، لكن رفضه جاء بصورة مباشرة”، متابعا: “قال لهم: لأ أنا مبروحش لحد، اللي عايز يسلم عليا، ييجي يسلم عليا في الأوضة. والله هذا ما حدث وأنا موجود معاه، والراجل جاله، ولم يتحرك، لأن عنده عزة”.لكن الذي قيل من مناوئي عادل إنه جاء إلى بغداد وكان النظام يحتضر، وتم تفسير الزيارة على أنها “دعم للنظام” على الرغم من تأكيده أنه إنما يدعم الشعب العراقي.ويبدو أن عادل إمام استفاد من تجربة الفنان محمد صبحي الذي سبق أن عرض مسرحيته في بغداد، والتقى الرئيس صدام حسين مما أثار جدلا واسعا في الأوساط الشعبية والفنية.أبعدوا الأسلحةكان موقفا استثنائيا، ذلك الذي فوجئ به عادل إمام قبل أن يصعد خشبة المسرح ويبدأ عرضه المسرحي. عرف أن طه ياسين رمضان نائب الرئيس العراقي جاء لمشاهدة العرض، لكن أفراد حرسه الذين يحملون أسلحتهم الشخصية صعدوا إلى خشبة المسرح لحمايته.نائب الرئيس العراقي الأسبق طه ياسين رمضان، شغل منصبه بين مارس/آذار 1991 و9 أبريل/نيسان 2003، وأُعدم شنقاً عام 2007 عن عمر ناهز 69 عاماًيقول عادل: على المسرح وجدت أشخاصا شبه صدام حسين بالبنادق، طول وشوارب، يقفون على خشبة المسرح. سألت: من هؤلاء؟ قالوا: حرس. قلت: يحرسوا من؟ فالمسرح فكره هو الذي يحميه. وطلبت أن ينزلوا وأصريت على ذلك. جرت مفاوضات بين المسؤول الذي تحجج باكتظاظ القاعة بالمتفرجين وعادل إمام، وفي الأخير كان رأي عادل إمام هو الغالب فنزل الحراس.لقطة نادرة من كواليس المسرح الوطني في بغداد عام 2001؛ عادل إمام يتبادل الضحك والعناق مع حميد محمود الخطاب، والد عبد حمود السكرتير الشخصي لصدام. تكشف كيف كان الضحك جسرا سريعا بين النجم المصري وجميع وجوه العراقلكن الظريف أن عادل حينما صعد على الخشبة نظر إلى الحراس وكانت ظهورهم للخشبة ووجوههم على المتفرجين، فقال للجمهور: “ربنا يعديها على خير.. أول مرة واحد يتفرج علي بقفاه!” واهتز المسرح ضحكا بما فيهم الحراس.عادل في الكاظمية!!توزعت أغلب أوقات عادل إمام في بغداد بين الفندق والمسرح، لكن الصحفيين سمير الجمل ومحمود سعد غافلاه وذهبا إلى الكوفة وبابل والنجف. يقول الجمل إن محمود كان يحكي له عن مرقد الإمام علي والعتبات المقدسة وآثار بابل فجن جنونه، وقرر الخروج رغم الحراسة. رد على المعترضين: لست زعيما سياسيا تخشون علي من بطش الخصوم، أنا صانع البسمة للجميع. وكان الحل الوسط جولة بالسيارة في شوارع بغداد والتوقف لشرب العصير، فاستجابوا. ووعدهم بالعودة سريعا حفاظا على الخطة، منعا لأي حرج أمني.يحيي الجمهور العراقي النجم السينمائي والكوميدي عادل إمام لدى وصوله إلى أحد شوارع مدينة الكاظمية؛ لحظات نادرة من الفرح وسط ظروف صعبة، اجتمع فيها العراقيون حول نجمهم المصري متناسين، ولو لبرهة، أعباء الحياة اليومية. مشهد يجسد معنى أن يأتي فنان في ظرف عسير ليعيد حرارة العلاقة بين المسرح والناس، ويترك للمدينة ذكرى لا تُنسى في الذاكرة الشعبيةخرج الجميع وقت الظهر الذي تكون فيه بغداد أكثر هدوءا وأقل صخبا وزحاما. كان القرار الذهاب إلى مدينة الكاظمية التي هي إحدى ضواحي بغداد وتقع في شماليها، وأخبروه أن فيها “مرقد الإمام موسى الكاظم”، فضلا عن كونها منطقة شعبية، وعززوا وصفها له بأنها “تشبه السيدة زينب والحسين في القاهرة.. حيث المطاعم ومحلات الصاغة والباعة على الأرصفة”، ويبدو أن هذا جعله يصر على زيارة المدينة فانطلق الموكب إلى الكاظمية.يسرد الجمل: “.. وصلنا بالقرب من مرقد الإمام الكاظم، ونزل عادل من سيارته صوب محل العصير، وفجأة وجد البائع نفسه وجها لوجه أمام النجم الكبير فلم يصدق نفسه. وما هي إلا دقائق معدودات حتى تحول الشارع إلى كتلة بشرية واحدة؛ اختفت البضائع المفروشة تحت أقدام المتلهفين لرؤية نجمهم، واندفع زوار المقام من نساء ورجال وأطفال وعجائز. صار الوصول إلى السيارات مستحيلا وقد ابتلعتها التكتلات.الممثل الكوميدي المصري عادل امام يطأ رسما للرئيس الاميركي السابق جورج بوش بينما كان يغادر فندق الرشيد في بغداد يوم 27 فبراير 2001. وكان امام قد قدم مسرحيته “بودي جارد” في العاصمة العراقية، وتبرع بعائدات شباك التذاكر للشعب العراقي بعد حصوله على اذن من الامم المتحدةومع ذلك لم يكن القلق واردا؛ فهو في قلب جمهور يحبه. عناصر الحراسة ارتبكت وبدأت تذود عنه وتشق ممرا بصعوبة، فيما يروي سمير الجمل أنهم كانوا في هلع وخوف عليه، وهو في دنيا ثانية بين الناس. كأن لسان حاله يقول: لا أخاف ولا أفكر بعقلية الحراسة، فهؤلاء سيحمونني أكثر من المحترفين.لم يدخل عادل إمام سيارته ليفر، بل وقف على أعقابها رافعا يديه يلوح للجموع، مشهد نادر تحيطه الهتافات ودمعات الفرح. كان يوما مشهودا لم تعرف المدينة مثله مع أي فنان. سجله المسرح الوطني وفندق الرشيد ومن عاشوه من الجمهور والصحفيين في دفاتر الذكريات الجميلة، ليبقى حيا في الوجدان وذاكرة المسرح العراقي.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً

لبنان يتهم إسرائيل بترويج ادعاءات "مغلوطة" ضد الجيش
منذ دقيقة واحدة

نزال مرتقب بين تايسون فيوري وجوشوا
منذ 4 دقائق


