جدل في سوريا بعد استخدام معتقلات وأفرع أمنية لتصوير أعمال درامية

أثار استخدام معتقلات وأفرع أمنية سورية كمواقع تصوير لأعمال درامية جدلا واسعا، بعد تصريحات لمخرجين واحتجاجات حقوقيين وناجين اعتبروا الخطوة مساسا بالعدالة الانتقالية وعبثا بمسرح الجريمة.
ملف السجون والمعتقلات السورية عاد إلى واجهة النقاش مجددا، لكن هذه المرة من بوابة الدراما التلفزيونية، بعدما أعلن مخرجون سوريون تصوير أعمال فنية داخل مواقع كانت تُستخدم سابقا كمراكز اعتقال وتحقيق، ما فتح نقاشا حادا حول حدود الفن، والحفاظ على مسار العدالة.
تصوير درامي داخل مواقع اعتقال سابقة
وكان المخرج السوري محمد عبد العزيز قد أعلن، في منشور على صفحته في فيسبوك خلال تشرين الثاني/نوفمبر، انتهاء تصوير مسلسله “عيد الملك”، المقرر عرضه في موسم رمضان 2026.
سجن صيدنايا
وتدور قصة العمل حول حياة عائلة دمشقية خلال الأشهر الأخيرة من حكم الرئيس السابق بشار الأسد، حيث تبدأ الأحداث باستدعاء ربّ الأسرة من قبل الأجهزة الأمنية، في سياق يعكس صراعات اجتماعية وسياسية في تلك المرحلة.
غير أن ما لفت الانتباه وأثار الجدل لم يكن مضمون العمل بقدر ما كان أماكن تصويره. فقد استخدم فريق المسلسل مواقع كانت تُعد من أبرز مراكز السلطة الأمنية، بينها فرع فلسطين ومطار المزة العسكري.
ونقلت وكالة رويترز عن عبد العزيز قوله إن “الأماكن التي كانت تُحكم منها سوريا تحوّلت إلى استوديوهات، من مكان كان يُحكم بالحديد والنار إلى فضاء تُجرَّب فيه أدوات إبداعية”، في إشارة إلى رمزية التحول التي أراد العمل إبرازها، وكان مطار المزة العسكري يُستخدم سابقا كمركز اعتقال تابع للمخابرات الجوية.
اعتراضات حقوقية وشهادات ناجين
قوبلت هذه التصريحات بانتقادات حادة من ناشطين وحقوقيين وناجين من الاعتقال. فقد علّقت الناشطة والمدوّنة السورية جمانة شتيوي على التصوير في “فرع فلسطين” بالقول إنها، كمعتقلة سابقة في ذلك المكان، ترفض تحويله إلى فضاء فني.
وكتبت شتيوي في منشور على فيسبوك: “تعرضت للتعذيب في هذا المكان. استخدام الأفرع الأمنية التي شهدت التعذيب والاختفاء القسري والقتل كمسارح تصوير يشكّل إهانة مباشرة للمعتقلين والمفقودين ولأهاليهم الذين ما زالوا يعيشون ألم الغياب والانتظار”، محمّلةً وزارة العدل والجهات التي منحت الإذن بالتصوير مسؤولية ما وصفته بـ“العبث”.
ولم يكن مسلسل “عيد الملك” الحالة الوحيدة. إذ أعلن المخرج محمد لطفي عزمه تصوير مسلسل “الخروج إلى البئر” داخل سجن صيدنايا، ويتناول عصيانا وقع في السجن عام 2008 وانتهى بمقتل عشرات السجناء والحراس.
وقال لطفي إن “السلطة الجديدة رحّبت بالعمل وقدّمت تسهيلات واسعة للتصوير داخل السجن”، ما وسّع دائرة الجدل.
ترافق هذا الجدل مع انتقادات أوسع لطريقة تعامل السلطة السورية الانتقالية مع مواقع الاعتقال السابقة. ففي مقابلة على التلفزيون الألماني “DW”، انتقد أسامة عثمان، مؤسس فريق “ملفات قيصر”، السماح لمؤثرين وصنّاع محتوى بدخول هذه المواقع بعد سقوط النظام، وتصوير محتوى داخلها، إلى جانب طلاء بعض المكاتب وأماكن الاحتجاز، والعثور على وثائق ومستندات مرمية قرب حاويات القمامة، معتبراً ذلك “عبثاً بمسرح الجريمة”.
من جهته، حذّر الحقوقي المعتصم الكيلاني، المختص في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان، من خطورة هذه الممارسات، مؤكدا أن أماكن الاعتقال والسجون والمقار العسكرية تُعدّ مسارح جريمة يجب الحفاظ عليها لاستقصاء الأدلة وتوثيقها.
وقال الكيلاني إن تحويل هذه المواقع إلى فضاءات للترفيه أو الإنتاج الفني يقوّض أي حديث جدي عن العدالة الانتقالية، مشددا على أن سوريا الجديدة يجب أن تقوم على مكافحة الإفلات من العقاب، وجبر ضرر الضحايا، وبناء مؤسسات قانونية قادرة على حمل هذا المسار، بعيداً عن أي تسوية تنتج سلما أهليا هشّا.
ويعكس هذا السجال انقساما أوسع في الرأي العام السوري بين من يرى في الفن أداة لتفكيك الماضي، ومن يعتبر أن أي استخدام غير منظّم لهذه المواقع قبل توثيقها قانونيا يشكّل مساسا بالحقيقة وبحقوق الضحايا، في مرحلة ما تزال فيها أسئلة العدالة والمحاسبة مفتوحة.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه





