إعادة بناء الجيش.. تقرير أميركي يتناول أكبر التحديات التي يواجهها الشرع

بعد مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد، تجد الحكومة السورية الانتقالية تحت قيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، نفسها أمام تحدّ مصيري يحدد مصير الدولة، وهو إعادة بناء جيش وطني جديد، إذ يمثل هذا الأمر أكبر التحديات التي يواجهها الشرع.

تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، كشف أن تحدي إعادة بناء الجيش السوري الجديد، يواجه عقبات جسيمة نابعة من منهجية القيادة الجديدة التي تُعلي الولاء الأيديولوجي على الكفاءة المهنية، مما يُفاقم المخاوف بشأن التنوع الطائفي والتماسك الاجتماعي في الجيش الجديد.

الجيش الجديد.. الشرع يعتمد على الموالين بدلا من أصحاب الخبرة

تقرير الصحيفة الأميركية المطول، قال إنه عندما وصل “المتمردون” إلى السلطة، كان أول أعمالهم تسريح القوات العسكرية التي استخدمت لخمسة عقود كأداة للقمع، لكن عملية إعادة بناء الجيش تسير على خطى مماثلة لتشكيل الحكومة الانتقالية للحالية، حيث يعتمد الشرع على دائرة ضيقة من الموالين.

هذا الاعتماد وفقا للتقرير، يعني أن الهيكل القيادي الجديد للجيش السوري يفضل المقاتلين السابقين من جماعة الشرع “هيئة تحرير الشام” حتى على حساب أولئك الذين يمتلكون خبرة عسكرية نظامية أكبر، بمن فيهم آلاف الضباط الذين انشقوا عن نظام الأسد البائد.

ويُؤكد ضباط وجنود ومحللون، أن المعيار الأساسي للترقية لم يعد الكفاءة، بل الولاء للشرع وجماعته السابقة، وهي حقيقة يبررها قادة بـ “عدم المخاطرة بالتعامل مع أشخاص لا يعرفونهم”.

الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع – (وكالات)

ونتيجة لذلك، يتفوق المقربون من الشرع في الرتب على الضباط العسكريين السابقين ذوي الخبرة، وهو ما لوحظ بشكل خاص في سلاح الجو الجديد، حيث عُين قادة يفتقرون للمعرفة بتسلسل الرتب.

ويثير التدريب الجديد تساؤلات حول الأولويات المتبعة، فبينما تظهر القيادة الجديدة حرصا شديدا على الانضباط، مثل حظر التدخين على الجنود أثناء الخدمة -وهو ما دفع عشرات المجندين إلى الاستقالة الفورية- تبدو جوانب أخرى من التدريب منفصلة عن احتياجات القوات العسكرية الحديثة، مثل التعليم الديني.

محاضرات دينية للجيش وفق أيديولوجية “هيئة تحرير الشام”!

في هذا الصدد أشارت “نيويورك تايمز”، إلى أنها أجرت مقابلات مع نحو 20 جنديا وقائدا ومجندا جديدا في سوريا، ناقشوا التدريب العسكري وأبدوا مخاوفهم، حيث تحدث معظمهم شريطة عدم الكشف عن هويتهم، لأن وزارة الدفاع تمنع الجنود من التحدث إلى وسائل الإعلام.

وذكر العديد من الجنود والقادة بالإضافة إلى المحللين، أن بعض قواعد الحكومة لا علاقة لها بالاستعداد العسكري، وهنا يقول مقاتل سابق يبلغ من العمر 30 عاما، إنه عندما وصل في ربيع العام الماضي إلى محافظة حلب لتلقي تدريب عسكري، أبلغ المدربون نحو 1400 مجند جديد أن التدخين ممنوع، مردفا، إن أحد المدربين فتشه وصادر عدة علب سجائر كانت مخبأة في سترته.

دفع الحظر، عشرات المجندين إلى الاستقالة فورا، وطرد عدد أكبر لتجاهلهم له، وفقا لما ذكره أحد الثوار السابقين، وهو رجل نحيل كان يدخن بشراهة أثناء حديثه في مارع وهي بلدة في محافظة حلب، وأضاف أنه بعد مرور 3 أسابيع، لم ينجح سوى 600 مجند في إتمام التدريب.

وحول التدريبات التي لا علاقة لها باحتياجات القوات العسكرية الحديثة، قالت “نيويورك تايمز” في تقريرها نقلا عن أفراد انضموا للتدريب بهدف الانضمام في الجيش الجديد، إن الأسبوع الأول خُصص بالكامل للتعليم الإسلامي، بما في ذلك محاضرات مطولة عن مولد النبي محمد.

ونقل التقرير عن جنود وقادة قولهم، إن هذا التدريب يعكس الأيديولوجية السنية المحافظة التي تبنتها “هيئة تحرير الشام” سابقا، الأمر الذي يزيد من حدة التساؤلات حول مدى ترحيب الجيش بالمتطوعين من الأقليات الدينية والعرقية في بلد يتميز بالتنوع.

جيش من دون الأقليات و”قسد”: ماذا ستكون النتيجة؟

بعد إلغاء التجنيد الإجباري الذي كان مكروها بشدة في ظل نظام الأسد، قام الجيش الجديد بتجنيد المتطوعين ووضع مؤهلات مثل التعليم في الصف التاسع واللياقة البدنية والقدرة على القراءة، “لكن الجنود الذين قاتلوا مع المتمردين في الحرب الأهلية تم ضمهم إلى صفوف الجيش، حتى لو لم يستوفوا جميع المعايير”، وفقا لعدد من الجنود والقادة.

ويمتلك مقاتلو “هيئة تحرير الشام” السابقون شأنهم شأن مقاتلي العديد من الفصائل الأخرى، سنوات من الخبرة في حرب العصابات التي خاضوها للإطاحة بالأسد، إلا أن معظمهم لم يخدموا كضباط في جيش نظامي ذي فروع مختلفة كالبحرية والقوات الجوية والمشاة، وبهياكل قيادة صارمة، وهي معرفة تُعتبر مفيدة عند إعادة بناء جيش.

الصورة من وكالة “أسوشيتد برس”

وبيّن تقرير الصحيفة الأمريكية، أن افتقار الجيش السوري الجديد للسيطرة على قواته وضعف الانضباط بين جنوده، ساهم بالفعل في اندلاع أعمال عنف طائفية، مما أدى إلى تقويض علاقات الحكومة مع الأقليات.

وفي هذا السياق، لم تحسم حكومة دمشق بعد، أمر السماح للأقليات بالتجنيد في الجيش الجديد، مما يغذي المخاوف من تفاقم التوترات الطائفية التي اندلعت بالفعل في موجات عنف دامية خلال هذا العام.

ويحذر البعض، من أن استبعاد الأقليات من الجيش بمثابة إشعال لبرميل بارود، بينما يرى آخرون، أن إنشاء جيش يمثل تنوع سوريا هو السبيل الوحيد لبناء الثقة ومنع المزيد من العنف الطائفي.

هذا التفضيل لمن يوالون الشرع في المناصب القيادية، يُصعّب أيضا بحسب التقرير، من إمكانية دمج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في هيكلية الجيش السوري الجديد. فالمفاوضات الجارية منذ أشهر لم تحقق تقدما يُذكر، مما يُبقي على البنية العسكرية للبلاد مجزأة حتى الآن.