بين منطق الدولة وطموح السياسة: قراءة في تحولات خطاب الفصائل العراقية

تشهد الساحة السياسية العراقية في الآونة الأخيرة حراكًا لافتًا يتجاوز في دلالاته حدود التنافس التقليدي على الحقائب الوزارية، ليعكس تحوّلًا أعمق في خطاب عدد من قادة الفصائل والكتل المنضوية ضمن "الإطار التنسيقي".
ويبرز هذا التحوّل من خلال تصاعد التصريحات الداعية إلى "حصر السلاح بيد الدولة"، في مشهد يوحي بانتقال محسوب نحو لغة أكثر واقعية، تفرضها تعقيدات الداخل العراقي وتشابكاته الإقليمية والدولية، بالتوازي مع ضغوط دبلوماسية أميركية متزايدة.
جاء بيان الأمين العام لفصيل كتائب “الإمام علي”، شبل الزيدي، ليشكّل أولى الإشارات العلنية على هذا المسار، حين شدد على أهمية تعزيز العمل المؤسسي واحترام الأطر القانونية والتشريعية.
ولم يكن هذا الموقف معزولًا، إذ تزامن مع طرحٍ مماثل قدّمه زعيم تيار "الحكمة الوطني"، عمار الحكيم، الذي ربط بشكل واضح بين بناء دولة قوية ومقتدرة وبين حصر السلاح بيد الدولة وتعزيز سيادة القانون.
وسرعان ما اتسع هذا الاتجاه ليشمل الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، الذي أعلن دعمه لحصر السلاح، قبل أن ينضم إلى هذا الخطاب الأمين العام لحركة "أنصار الله الأوفياء"، حيدر الغراوي، مؤكدًا أن الانتقال إلى "منطق الدولة" يقتضي حصر السلاح بيدها، ممثلةً بالقائد العام للقوات المسلحة، معتبرًا ذلك في صدارة الأولويات الوطنية.
هذا "الانسجام الجماعي" في الخطاب لا يمكن فصله عن الرسائل الواضحة القادمة من واشنطن. فقد أكد المبعوث الأميركي الخاص إلى العراق، مارك سافايا، في تدوينة على منصة “إكس” بتاريخ 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن “حكومة الولايات المتحدة أوضحت بصراحة أنه لا مكان لجماعات مسلّحة تعمل خارج سلطة الدولة:
"استقرار العراق وازدهاره يعتمدان على توحيد القوات الأمنية تحت قيادة الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة".
وإذا كانت الإدارة الأميركية قد صاغت موقفها بلغة دبلوماسية مباشرة، فإن نبرة الكونغرس بدت أكثر حدّة، وربطت صراحةً مستقبل الدعم الأميركي لبغداد بخطوات عملية على الأرض.
في هذا السياق، حذّر عضو الكونغرس كوري ميلز من أن نفوذ ما وصفها بالميليشيات يشكّل عائقًا أمام استقرار العراق ونهوض اقتصاده، داعيًا إلى إعادة تقييم الشراكة الأميركية مع بغداد بناءً على قدرتها على كبح هذا النفوذ.
وفي الاتجاه نفسه، ألمح عضو مجلس النواب الأميركي جو ويلسون إلى إمكانية ربط المساعدات الأمنية الأميركية بمدى جدية الحكومة العراقية في إنهاء وجود السلاح خارج سيطرتها، وضمان السيادة الوطنية.
هي رسائل لا تبدو عابرة، بل يُرجَّح أنها وصلت بوضوح إلى غرف صناعة القرار داخل "الإطار التنسيقي"، ودفعت باتجاه إعادة ضبط الخطاب السياسي بما يراعي هذه الاشتراطات.
وفي هذا السياق، يمكن قراءة هذا التوجه بوصفه شكلًا من "إعادة التموضع الاستراتيجي". فالقوى المنضوية ضمن الإطار تدرك أن طموحها في إدارة الدولة والحصول على وزارات سيادية يصطدم بجدار من التحفظات الدولية، لا سيما الأميركية.
ومن هنا، يبدو طرح فكرة حصر السلاح في هذا التوقيت الحساس أشبه بـ"جسر عبور" سياسي يهدف إلى تبديد الهواجس الخارجية، وتأمين حدٍّ أدنى من القبول الدولي للحكومة المرتقبة.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه





