انتهاء "قانون قيصر" يلوح في الأفق.. هل يعود الأمل للاقتصاد السوري؟

بعد خمسة أعوام عجاف فُرض فيها حصار قاسٍ وصعب على الشعب السوري بموجب “قانون قيصر”، الذي أضحى الحلقة الأكثر إيلامًا في سلسلة العقوبات المتواصلة المفروضة على سوريا منذ عام 1979، يبدو أن الأفق قد بدأ يلوح بتغيير جذري.

ففي الوقت الذي انتهك فيه هذا القانون معيشة السوريين وزاد من معاناتهم وفقرهم، واستغله النظام السابق لتبرير الإخفاقات والفساد والإصرار على رواتب متدنية لا تكفي لأيام، وتعميق أزمات الوقود والغاز والغلاء والتضخم والإفراط في الجباية وتحجيم الدعم، تشير التوقعات المستندة إلى وعود وتفاهمات من الجانب الأميركي إلى أن الأمور تتجه بجدية نحو إلغاء وشيك للقانون.

مسودة الإلغاء تتبلور

تفيد مصادر مطلعة بأن مسودة قرار الإلغاء يجري العمل على صياغتها حاليًا في واشنطن، وأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي وقع على فرض القانون رسميًا في العشرين من كانون الأول/ديسمبر عام 2020 خلال ولايته الأولى، هو نفسه من يدعم إلغاءه الآن، انطلاقًا من اعتقاده بأن سوريا تستحق فرصة للازدهار والتطور، وفق “إندبندنت عربية”.

التوقعات المتفائلة داخل دمشق، سواء لدى المسؤولين أو المتخصصين، تجزم بأن هذا العام لن ينتهي قبل أن يكون قد أخذ معه واحدًا من أقسى قوانين المعاقبة والحصار.

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبراء أن دمشق تقترب فعلًا من توديع هذا القانون الذي دخل حيز التنفيذ الكامل في السابع عشر من حزيران/يونيو عام 2020، كجزء من قانون موازنة الدفاع الأميركي، والذي كان يهدف في الأصل إلى معاقبة داعمي النظام وقطع التمويل عنه لإجباره على الحل السياسي، إلا أن تأثيره المباشر كان وبالًا على حياة المواطن البسيط.

قانون يستهدف النظام فأصاب الشعب

على الرغم من أن الهدف المعلن من “قانون قيصر” كان معاقبة الأفراد والكيانات الداعمة للحكومة السورية عسكريًا أو ماليًا أو تقنيًا، مع التركيز على قطاعات الطاقة والبناء والمصارف، وإجبار النظام على وقف انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن الواقع كان مغايرًا ومأساويًا.

القانون لم يعاقب النظام أو أتباعه الذين تمكنوا من التحايل عليه، بل زاد من فقر السوريين الذين يحتاج منهم 16 مليون نازح إلى مساعدات غذائية، بينما يواجه 5.6 مليون سوري في الداخل انعدامًا في الأمن الغذائي، وتنتشر بينهم ظواهر سوء التغذية والتقزم بين الأطفال، وارتفاع مقلق في نسب البطالة والتسرب من المدارس.

وفي إطار التفاؤل الحذر الذي يخيم على الأجواء، توقعت مصادر مصرفية أن يتمكن القطاع المصرفي السوري من العودة لممارسة التحويلات الدولية دون قيود، بمجرد الإعلان عن إلغاء “قيصر”، حيث صرح مدير أحد البنوك الخاصة بعبارة تعكس عمق الأمل: “كما أن إلغاء قانون قيصر يبدو كمعجزة، نتمنى ألا تحدث معجزة تمنع إلغاءه”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟

انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

مؤشرات من الكونغرس الأميركي

تأكيدًا لهذا التوجه، أدلى السياسي والإعلامي السوري – الأميركي أيمن عبدالنور بتصريحات خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق – وهي الأولى له منذ 18 عام – حيث أكد أن “قانون قيصر في المراحل الأخيرة من الإلغاء والتفكيك الكامل في الكونغرس”.

وأوضح أن الكونغرس هو صاحب الصلاحية والحق الوحيد في قرار الإلغاء، وليس الرئيس الأميركي الذي يملك فقط حق تجميد القانون لمدة 180 يومًا، متوقعًا أن تنتهي الصياغة النهائية لمشروع قرار الإلغاء خلال أيام قليلة، ليُناقش بعدها في الكونغرس ويحظى بموافقة قيادات مجلسي النواب والشيوخ، ليتم التصويت عليه في غرفتي الكونغرس ربما ما بين الخامس عشر والتاسع عشر من كانون الأول/ ديسمبر الجاري.

وأشار إلى أن الصيغة النهائية لإلغاء القانون ستكون مرتبطة بعدد قليل من البنود والشروط التي يجب أن تفي بها الحكومة السورية، وتتعلق بالتزامات قُدمت للرئيس الأميركي وأعضاء الكونغرس الذين زاروا دمشق مؤخرًا، موضحًا أنه بعد تنفيذ بعض الالتزامات مثل انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، يتوقع أن يتقلص عدد البنود المتبقية ليصبح ما بين ثلاثة وأربعة بنود فقط.

استثمارات أميركية محتملة

الأهم من ذلك، لفت عبدالنور إلى أن البنود المصاحبة لقانون الإلغاء لن تكون ضاغطة على المستثمرين والشركات الراغبة في الدخول إلى سوريا، حيث تم تجاوز آلية “إعادة تطبيق عقوبات قانون قيصر كاملًا” في حال عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها بعد فترتين تقييميتين مدة كل منهما ستة أشهر.

زيارة وفد من شركة “شيفرون” الأميركية لدمشق مؤخرًا، والتي رافقها المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم براك، مؤشر قوي على الاهتمام الأميركي الكبير بالاستثمار في البلاد، مشددًا على أن الاستثمارات الأميركية، خاصة في قطاعات النفط، ستكون لها الأولوية في المناطق الواقعة تحت نفوذ الحكومة السورية، خصوصًا في المنطقة الوسطى والساحل والمياه الإقليمية بعد ترسيم الحدود البحرية، كما توقع أن يمتد نشاط الشركات الأميركية ليشمل قطاعات تحويل الأموال ونظم الدفع الإلكتروني.

وفيما يتعلق بالاندماج المصرفي، أكد أنه يسير ببطء شديد بسبب استمرار عقوبات “قيصر” حاليًا، متوقعًا أن يتغير المشهد الاقتصادي والمصرفي برمته بعد الإلغاء، مشيرًا إلى جهود حاكم مصرف سوريا المركزي لبناء الثقة مع المصارف والبنوك المركزية العالمية، ومؤكدًا أنها خطوة أساسية لضمان قبول البنوك المراسلة لتشغيل نظام “سويفت” العالمي مع سوريا.

طريق التعافي الاقتصادي

ختامًا، أكد عبدالنور أن التعافي الاقتصادي المنشود يتطلب إطلاق النشاطات والأعمال الاقتصادية، ودعم دور المجتمع السوري كقوة شرائية واستهلاكية أساسية، مشددًا على حاجة دمشق إلى برنامج اقتصادي واضح يدعم الأعمال، يخلق فرص العمل، ويطور البنية التحتية، وينهض بآليات الإقراض.

والأهم من ذلك، شدد على ضرورة تبني خطاب مباشر وصادق لإدارة البلاد يضمن مشاركة جميع المواطنين، وزيادة اللحمة المجتمعية، والعمل على زيادة القوة الشرائية للمواطن من خلال تحسين دخله، وتوفير مناخ استثماري جاذب ومرن مدعوم بإعلام حر ومحاكم تجارية وغرف تحكيم دولية.

كما دعا إلى برامج تدريب واسعة تهدف إلى الانتقال بالعمالة السورية من فكرة “العمالة الرخيصة” إلى “العمالة المدربة” كمنطلق للنهوض بالإنتاج والأجور معاً.

يشار إلى أن عضو المجلس السوري الأميركي، محمد علاء غانم، أعلن أنه تم تثبيت مادة لإلغاء قانون قيصر المفروض على سوريا في النسخة النهائية لموازنة وزارة الدفاع الأميركية، التي اتفق عليها مجلسا الشيوخ والنواب والتي سيجري التصويت عليها بعد أيام قليلة، ومؤكدًا أنه بعد اليوم، لا مجال لإجراء أي تعديل على هذه المادة، وفقًا لـ”سانا”.