Syria News
جاري تحميل الأخبار العاجلة...
3 ساعات

صدام سياسي وضغط اقتصادي.. "مأزق مزدوج" يواجه رئيس وزراء فرنسا الجديد

الجمعة، 12 سبتمبر 2025
صدام سياسي وضغط اقتصادي.. "مأزق مزدوج" يواجه رئيس وزراء فرنسا الجديد

في لحظة سياسية دقيقة تمر بها فرنسا، عيّن الرئيس إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، وزير الجيوش سيباستيان لوكورنو رئيساً للوزراء، خلفاً لفرانسوا بايرو، الذي سقطت حكومته في البرلمان بعد أقل من تسعة أشهر، ليصبح بذلك خامس شخص يتولى هذا المنصب خلال أقل من عامين.

وجاء تعيين لوكورنو، في وقت تتقاطع فيه أزمة سياسية حادة مع ضغوط اقتصادية متفاقمة، كمحاولة لضبط المشهد وتمرير الموازنة في برلمان منقسم واحتواء الغضب الشعبي، في وقت تطالب فيه المعارضة اليسارية بعزل ماكرون.

وخلال تسلمه مهامه، في قصر "ماتينون" (مقر رئاسة وزراء فرنسا) ، أعلن لوكورنو رغبته في إحداث "تغييرات جذرية" في المشهد السياسي المعقد، في ظل غياب الأغلبية في الجمعية الوطنية ( البرلمان)، وفق صحيفة "لوموند" الفرنسية.

وتشهد فرنسا ضغوطاً اقتصادية تتمثل في خفض عجزها المالي، الذي يبلغ نحو ضعف الحد الأقصى المحدد من قبل الاتحاد الأوروبي والبالغ 3%، إلى جانب تراكم الديون التي تشكل نحو 114% من الناتج المحلي الإجمالي.

وحذّر سياسيون فرنسيون تحدثوا لـ"الشرق" من مأزق مزدوج سياسي واقتصادي، يواجه البلاد، مع انسداد في الأفق وتآكل الثقة في المؤسسات، بسبب عدد من الأزمات التي تعيق رئيس الوزراء الجديد عن الوصول لأغلبية مستقرة وتنفيذ إصلاحات، مما يطرح تساؤلات حول قدرة لوكورنو على تجاوز تلك التحديات.

تعيين مفاجئ.. بأبعاد أمنية

وجاء اختيار لوكورنو لتولي المنصب، من وسط خيارات أخرى كانت أمام ماكرون، بينها شخصيات من اليسار أو التكنوقراط.

وترى عضوة البرلمان الفرنسي السابقة ناديا إيسيان، أن تعيين لوكورنو لم يكن ضمن التوقعات "لكنه يبدو منطقياً"، مشيرة إلى أنه يُعد من المقرّبين من ماكرون، ويحظى باحترام المؤسسة العسكرية، وهو ما اعتبرته "أمراً ثميناً في ظل تصاعد السلوك العدائي من جانب روسيا، وإدراك أوروبا لحاجتها إلى تنظيم أمنها بشكل مستقل".

وأوضحت إيسيان، وهي عضوة حزب الديمقراطيين "المتحالف مع ماكرون" أن لوكورنو "يُعرف بحسه العالي في الحوار"، معتبرة أن هذه الصفة قد تساعده في محاولة تشكيل أكثرية سياسية في البرلمان، رغم صعوبة المشهد.

وأشارت إلى أن تعيين وزير من حزب آخر "لم يكن ليضمن غالبية برلمانية"، لافتة إلى أن لوكورنو سيحاول التوصل إلى اتفاق بشأن الموازنة العامة، "رغم عدم وجود ما يضمن نجاحه في ظل الحراك الاجتماعي القوي ورغبة المعارضة اليسار والتجمع الوطني (يمين متطرف) في إسقاط ماكرون".

واعتبرت أن الوضع الحالي في البلاد "بالغ الخطورة"، مشيرة إلى أن "حل البرلمان يبقى خياراً مطروحاً بقوة في المرحلة المقبلة."

رسائل تهدئة

في أولى خطواته بعد التعيين، شدد لوكورنو على أسلوب عملي وتغييرات جذرية في الشكل والمضمون، واعداً بإبداعية وانفتاح تجاه المعارضة، حسبما أوردت صحيفة "لوموند" التي لفتت إلى أنه سيبدأ مهامه بـ"التواضع والاقتصاد".

وحذر لوكورنو من أن تباعد التفاهم بين الأحزاب سيؤدي إلى نتائج لا يمكن تفاديها، وبدأ سريعاً مشاوراته مع قادة كتل سياسية رئيسية، على أن تستكمل لاحقاً مع باقي القوى بما في ذلك اليساريون، في المقابل، لم يتلق حزب "التجمع الوطني" دعوة رسمية حتى الآن، بحسب ما أكده مقربون من زعيمة الحزب مارين لوبان".

وقد يرى ماكرون في نهاية المطاف أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، لكنه يقاوم حتى الآن دعوات حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان وحزب فرنسا الأبية بزعامة جون لوك مليونشون لحل البرلمان مرة ثانية، وفق "رويترز".

فيما ترى إيسييان أن "استبعاد ماكرون لفكرة حل الجمعية الوطنية، رغم تصاعد الضغوط، يعود إلى أن تجربة حل البرلمان السابقة زادت من حالة عدم الاستقرار".

من جانبها، أعادت عضوة مجلس الشيوخ الفرنسي (معارضة) ناتالي جوليه سقوط حكومة بايرو إلى غياب الثقة، وعدم التواصل بين رؤساء الوزراء المعينين من ماكرون والقوى السياسية، داعية لوكورنو إلى تجنب هذا الأسلوب.

فيما اعتبر رئيس حزب "التجمع الوطني" جوردان بارديلا، أن لوكورنو يتولى رئاسة الحكومة بـ"تفويض هش للغاية"، محذراً رئيس الوزراء الجديد من "قطيعة سياسية" ودعاه إلى الابتعاد عن سياسات بما سماه بـ"المعسكر الماكروني".

وأوضح أنه إذا استمر لوكورنو في اتباع النهج ذاته، فسينتهي به الحال إلى الفشل تماماً كما حدث مع رئيسي الوزراء السابقين ميشيل بارنييه وفرانسوا بايرو.

برلمان بلا أغلبية

وفشلت جميع القوى السياسية في الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في يوليو 2024 في تحقيق الأغلبية البرلمانية، وسط تغيرات متكررة في أعضاء التكتلات وفق نظام برلماني يسمى "تعديلات في تشكيل المجموعات".

وأدّى ذلك إلى تعقيد حساب عدد المقاعد اللازمة لنيل الأغلبية المطلقة داخل الجمعية الوطنية المكونة من 577 مقعداً، ونتج عنه برلماناً معلقاً يزيد من صعوبة تشكيل حكومة مستقرة ذات أغلبية، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.

وعلى الرغم أن التكتل اليساري (الجبهة الشعبية الجديدة) يملك 182 مقعداً، إلا أنه لا يزال بعيداً عن عتبة الأغلبية المطلقة البالغة 289 مقعداً.

كما يملك تكتل الوسط "معاً من أجل الجمهورية" 168مقعداً، يليه حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، بـ143 مقعداً وفق "لوموند".

وفي آخر انتخابات برلمانية، وقبل تشكيل التكتلات داخل الجمعية الوطنية، حصل حزب التجمع الوطني على 123 مقعداً، تلاه تحالف "معاً من أجل الجمهورية" بـ91 مقعداً، و«فرنسا الأبية" بـ71 مقعداً، وبلغ إجمالي المقاعد الموزعة 574 من أصل 577، مع وجود 3 مقاعد شاغرة، وفق الموقع الرسمي للجمعية الوطنية الفرنسية.

أبرز التكتلات في البرلمان

اليسار (تحالف الجبهة الشعبية الجديدة): 182مقعداًيشمل حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي، والاشتراكيين، والخضر.

الوسط (تحالف "معاً من أجل الجمهورية" المؤيد لماكرون): 168مقعداًيضم أحزاب النهضة، وآفاق، والديمقراطيين، وحركات ليبرالية أخرى.

اليمين المتطرف (التجمع الوطني): 143مقعداًحزب مناهض للهجرة بقيادة مارين لوبان.

اليمين الوسطي: 46 مقعداًيضم أحزاب عدّة أبرزها "الجمهوري"، وهو حزب يميني معتدل مستقل.

سيناريو "الجمهورية الرابعة"

وفي ما يخص المخاوف المقبلة، يرى كريستوفر ديتايور هنري، المحلل السابق في الإدارة الإقليمية للمالية العامة في باريس، أن غياب أغلبية واضحة في الجمعية الوطنية يعيد فرنسا إلى أجواء شبيهة بالجمهورية الرابعة (1946-1958)، والتي أفضت إلى دستور 1958.

ويشير هنري إلى ذلك الدستور أسفر آنذاك عن حكومات هشة وسلطات تنفيذية ضعيفة، معتبراً أن يتكرر اليوم في الجمهورية الخامسة، التي تواجه بدورها حكومات غير مستقرة، وبرامج مرفوضة، وضعفاً في السلطة التنفيذية.

الميزانية.. نقطة انفجار قادمة

بدوره، يتابع الاتحاد الأوروبي بقلق تفاقم الأزمة في فرنسا، التي تسجل أعلى مستوى من العجز في منطقة اليورو كنسبة من الناتج المحلي، وسط مخاوف من أن تؤدي الأزمة السياسية والمالية إلى تراجع نفوذ ماكرون أوروبياً، وفق "رويترز".

وفي وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات، مع دعوات أطلقتها حركة "لنمنع كل شيء"، وإضرابات نقابية مرتقبة، قال وزير المالية الفرنسي إريك لومبارد إن تشكيل الحكومة الجديدة سيؤدي حتماً إلى تخفيف خطة خفض العجز.

من جانبه، أكد المحلل الاقتصادي كريتسوفر ديتايور هنري، أن الوضع الاقتصادي الفرنسي "مقلق للغاية"، موضحاً أن البلاد تواجه تباطؤاً في النمو، وديوناً عامة عند مستويات قياسية، وتراجعاً في القدرة التنافسية.

وأضاف هنري أن "سقوط حكومة بايرو، يثبت أن التقشف وحده لا يكفي"، ما يستدعي من لوكورنو بناء مسار اقتصادي يوازن بين الانضباط المالي وتوسيع آفاق النمو.

أجمعت ناتالي جوليه وناديا إيسييان على أن الموازنة المرتقبة تمثل جوهر الأزمة الفرنسية الراهنة، وتشكل اختباراً حاسماً لحكومة لوكورنو.

وقالت جوليه إن رئيس الوزراء الجديد "لن يملك الوقت أو الصلاحيات لتعديل الموازنة"، التي يتعين تقديمها مطلع أكتوبر بموجب الدستور، ووصفتها بأنها "ميزانية أزمة"، محذرة من أن الحكومة "محكوم عليها بالسقوط ما لم يتحقق توافق سياسي استثنائي، وقد تنهار خلال 3 أشهر".

وأضافت: "المعضلة الأساسية تكمن في الموازنة، إذ لا يمكن تمريرها في ظل التوازنات السياسية الحالية".

فيما قالت إيسييان إن "الميزانية تمثل صلب الاحتجاجات والمطالب الشعبية"، مشيرة إلى أن أي حكومة جديدة مطالبة بتقديم رؤية متوازنة تشمل السياسة الاجتماعية، ودعم القطاع الخاص، وتحسين الخدمات العامة، لإعادة بناء الثقة المفقودة بين الفرنسيين وقياداتهم السياسية.

ضيق الأفق السياسي

من جانبه، اعتبر برونو آتال، عضو حزب "الاستعادة" (أقصى اليمين)، أن الهامش السياسي أصبح ضيقاً للغاية، مشيراً إلى أن بعض الأحزاب تدفع باتجاه العودة إلى صناديق الاقتراع. لكنه تساءل عن جدوى ذلك في ظل احتمال أن يعزز اليسار الراديكالي موقعه البرلماني بـ30 أو 40 مقعداً إضافياً، أو أن يحقق "التجمع الوطني" (اليمين المتطرف) أغلبية نسبية أو حتى مطلقة.

واعتبر آتال أن "استقالة ماكرون، رغم أنها ستكون بمثابة اعتراف بالفشل، إلا أنها قد تُفهم أيضاً كتعبير عن التواضع وتحمل المسؤولية أمام الشعب"، لافتاً إلى أن "انتخابات عامة جديدة قد تسفر عن رئيس جديد يتمتع بأغلبية واضحة، إذا تبيّن أن الانسداد القائم لا يمكن تجاوزه عبر المناورات البرلمانية.

بدوره، رأى كريستوفر ديتايور هنري ثلاثة سيناريوهات محتملة لكنها غير مجدية في الوقت الراهن: حكومة وحدة وطنية (مستبعدة بسبب عمق الانقسامات)، أو حكومة أقلية (مرهونة بالمساومات اليومية)، أو حل الجمعية الوطنية (الذي قد يوضح المشهد أو يزيده ارتباكاً).

Loading ads...

واختتم قائلاً: "في غياب وضوح سياسي، قد تبقى فرنسا عالقة في دائرة لا تنتهي من عدم الاستقرار الحكومي، بما يهدد مستقبلها الاقتصادي أكثر من أي وقت مضى".

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه