في كل زاوية من غزة مقبرة مؤجلة وعائلات بأكملها رحلت دون وداع
على ركام منزل مهدم بجوار برج الشوا وحصري وسط مدينة غزة، اصطف عدد من الناجين من عائلة "سالم" يترقبون لحظة اللقاء، ليس مع أحباء أحياء، بل مع رفات عظامٍ طال احتجازها تحت الركام لعامين كاملين.
47 شهيدًا من العائلة، معظمهم من النساء والأطفال، ظلوا طي الظلام والتراب منذ المجزرة التي وقعت في 18 ديسمبر 2023، والتي أودت بحياة 94 فرداً من عائلة واحدة في واحدة من أفظع الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
بدأ الدفاع المدني الفلسطيني في تنفيذ مهمة انتشال الجثامين بعد توقف الحرب، مدفوعاً بنداءات عائلات لم تغلق دفاتر الحزن، إذ لم تجد قبوراً تبكي عندها، ولا أجساداً تودعها.
بحي الرمال، وسط مدينة غزة يقول محمود سالم لـ"الخليج أونلاين": "كنا نعيش بين الركام ننتظر رائحتهم، أو قطعة قماش تعيد لنا وجوههم".
يضيف سالم في حديث مصحوب بدموع وحسرة: "منذ استشهادهم قبل قرابة عامين وهم تحت الركام ولم نستطيع إخراجهم وتكريمهم ودفنهم في مقابر المسلمين، بفعل الحجارة وحاجتنا لمعدات ثقيلة".
تواجدت المعدات عند المنزل الموجود فيه أبناء عائلة سالم، وهي العجلات التي دخلت إلى قطاع غزة بعد توقف الحرب، وبدأ جهاز الدفاع المدني استخدامها في انتشال جثامين الشهداء المتواجدين أسفل ركام منزلهم.
في كل زاوية من غزة، مقبرة مؤجلة، وعائلات بأكملها رحلت دون وداع، وبعضهم قصفوا وهم نائمون، دفنوا في أسرتهم، وتركوا خلفهم أحياء يحلمون فقط بانتشال العظام لدفنها بكرامة.
يريد سالم، كحال 10 آلاف أسرة أبناؤهم مفقودون، الوصول إلى جثامين أحبابهم ودفنهم، وإنهاء آلام العائلة وهي تنتظر إخراجهم من أسفل الركام.
مشهد سيارات الدفاع المدني وهي تنتشل الجثث، تحول إلى مشهد كرامة في نظر الأهالي، لا رعب، فكل رفات ينتشل هو قصة تروى، وجرح يغلق، وعزاء يقام بعد طول صمت.
إمكانيات مفقودة
الناطق باسم جهاز الدفاع المدني الفلسطيني، محمود بصل، أكد أنه بعد يومين من العمل استطاعت طواقم الدفاع المدني انتشال 30 جثمانًا ورفات لشهداء من أصل 94 جثمان، تعود لأفراد من عائلة "سالم"، فقدوا تحت أنقاض منزل لعائلة "أبو رمضان"، كان الاحتلال استهدفهم وهم في داخله بمنطقة الرمال غرب مدينة غزة.
وأوضح بصل في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن طواقم الإنقاذ ستستمر في البحث عن باقي الجثامين المفقودة تحت أنقاض المنزل باستخدام معدات محدودة "باقر وحفار".
وبين بصل أن عمليات البحث لانتشال جثامين الشهداء بدأت من تحت أنقاض المنازل صغيرة الحجم في مدينة غزة والتي دمرها الاحتلال الإسرائيلي على سكانها خلال العدوان.
وأشار إلى أن طواقم الدفاع المدني ستواصل عمليات البحث عن جثامين الشهداء تحت الأنقاض ضمن المشاريع التي تتوفر، وتنتظر مشاركة جهات أخرى لتوفير بواقر وحفارات وكباشات لاستكمال المهام الإنسانية لعمليات البحث.
ولفت إلى أن طواقم الدفاع المدني لا تمتلك أي معدات إنقاذ ثقيلة، وتعمل في تنفيذ مهماتها بأدوات بسيطة، بعدما دمر الاحتلال معظم مقدرات الجهاز وإمكانياته خلال الحرب.
يواجه الدفاع المدني، وفق بصل، صعوبات وتحديات كبير في انتشال جثامين الشهداء بسبب الإجراءات والقيود التي يضعها جيش الاحتلال على إدخال الآليات لقطاع غزة، ويعمل من خلال آلية واحدة وفرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وذكر أن القانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف تدعو إلى العمل على احترام جثامين الموتى وصون كرامتهم، فيما تتضمن أحكاماً توجب الكشف عن مصيرهم، داعياً المنظمات الدولية بالتدخل العاجل لإدخال المعدات والآلات الثقيلة لأعمال البحث عن المفقودين.
اختفاء قسري
الباحث في الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني محمد أسليم، أكد أن الهيئة سجلت 10067 بلاغاً عن مفقودين ومختفين قسراً، من بينهم 352 حالة مجهولة المصير كلياً، في ظل انعدام المعلومات الرسمية وغياب أي آليات فاعلة للبحث والإنقاذ.
وأوضح إسليم في حديثه لــ"الخليج أونلاين" أن تقديرات دولية تشير إلى وجود أكثر من 9000 ضحية ما زالوا تحت الأنقاض، بينهم آلاف الأطفال والنساء، نتيجة القصف المكثف وتدمير الأحياء السكنية، واستهداف فرق الدفاع المدني، والنقص الحاد في المعدات الثقيلة اللازمة لانتشال الجثامين.
وبين أن حالات الفقدان والاختفاء القسري نتجت عن مجموعة من العوامل، أبرزها القصف الواسع ودفن المدنيين تحت الركام، والاعتقال الميداني خلال العمليات البرية، ونقل مصابين وجرحى إلى أماكن مجهولة، إضافة إلى النزوح القسري وفقدان الاتصال بين أفراد العائلات، وعمليات الدفن العشوائي في مقابر جماعية دون توثيق.
ولفت أسليم إلى وجود مؤشرات قوية على سياسة إسرائيلية ممنهجة للإخفاء القسري، تشمل عدم نشر قوائم المعتقلين، واحتجاز أشخاص في مواقع وسجون غير معلنة، ومنع الزيارات، واستخدام التعتيم المتعمد كأداة حرب، إلى جانب تطبيق قوانين تسمح بالاحتجاز دون محاكمة.
ويشير إلى أن ملف المفقودين والمختفين قسراً في قطاع غزة يمثل أحد أخطر وجوه الإبادة الجماعية الجارية، لافتاً إلى ضرورة تدخل المجتمع الدولي إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، والضغط على الاحتلال للكشف عن مصير المفقودين والمعتقلين، وتمكين الصليب الأحمر من زيارة أماكن الاحتجاز دون قيود.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً






