بات العبث بالآثار والمتاحف في مناطق سيطرة جماعة “الحوثي”، نمطاً واضحاً يمس جوهر الهوية اليمنية، عبر استهداف منظم للذاكرة التاريخية والثقافية للبلاد، في سياق يتجاوز الإهمال إلى توظيف مباشر للموروث الثقافي، خارج وظيفته الأصلية.
أحدث هذه الوقائع، تمثّل في قيام جماعة “الحوثي” بتأجير مبنى متحف محافظة إب وسط البلاد لأحد المقاولين، مع تخصيص جزء منه ليٌستخدم كموقع أمني تابع لها، بذريعة تراكم مستحقات مالية.
وأثارت هذه الخطوة، انتقادات واسعة في الأوساط الثقافية اليمنية، باعتبار المتحف أحد أبرز معالم مدينة إب القديمة، وواجهة لذاكرتها التاريخية.
فضاء ثقافي أم موقع أمني؟
بحسب مصادر محلية تحدثت لـ”الشرق الأوسط“، فإن تحويل غرفتين داخل المتحف إلى موقع أمني، جعل إعادة افتتاحه في الوقت الراهن أمراً بالغ الصعوبة، خصوصاً مع رفض قيادات “حوثية” إخلاء الموقع، خلال السنوات الماضية.
المتحف الوطني في إب
وتعكس هذه الخطوة، طريقة تعامل جماعة “الحوثي” مع المواقع التراثية، بوصفها أصولاً قابلة للاستخدام الأمني أو التجاري، لا رموزاً للهوية الوطنية.
ويؤكد مهتمون بالشأن الثقافي، أن ما جرى في متحف إب، ينسجم مع ممارسات مشابهة طالت مواقع أثرية في محافظات أخرى، تعرضت لعمليات نبش ونهب، أو أٌلحقت بها أضرار مباشرة، في ظل غياب أي إجراءات لحمايتها.
اعتراف نادر يقر بالخطر
اللافت أن هذه الانتهاكات، قوبلت مؤخراً باعتراف من هيئة الآثار والمتاحف في صنعاء، الخاضعة لسيطرة جماعة “الحوثي”، أقرت فيه بتعرض الآثار اليمنية لأعمال “نهب وتدمير ممنهج، إضافة إلى سرقة المتاحف”، محذرة من خطر جسيم يهدد التراث الثقافي والتاريخي للبلاد.
صنعاء القديمة
ويكشف هذا الاعتراف، حجم الأزمة التي يعيشها قطاع الآثار في مناطق سيطرة جماعة “الحوثي”، ويشير إلى أن ما يجري من تجريف للهوية اليمنية، بلغ مستوى يصعب تجاهله أو إنكاره.
وفي هذا السياق، يصف الباحث المتخصص في الآثار عبد الله محسن ما يحدث بأنه “ثلاثية مدمرة”، تشمل التدمير والنهب وسرقة المتاحف، مؤكداً أن هذه الممارسات لا يمكن فصلها عن سياق منظم يستهدف تفريغ التاريخ اليمني من رمزيته ومعناه.
هوية مهددة بالتآكل
وتشير تقارير محلية ودولية، إلى أن عمليات النهب شملت قطعاً أثرية نادرة، ومخطوطات ولوحات تاريخية، إلى جانب تدمير مواقع أثرية قديمة، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة “الحوثي”.
دار الحجر التاريخي في اليمن
وتمتد آثار هذه الانتهاكات، لضرب الذاكرة الجمعية لليمنيين، وإضعاف صلتهم بتاريخهم، في وقت أصبح فيه التراث الوطني، عرضة للتآكل البطيء، وربما الضياع غير القابل للتعويض.
ولا يمكن فصل ما يجري اليوم للآثار اليمنية، عن سياق “إعادة تشكيل الوعي والهوية”، الأمر الذي يجعل الحاجة إلى تحرك جاد لحماية ما تبقى من تاريخ البلاد، ضرورة ملحّة أكثر من أي وقت مضى.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه






