الانفتاح الاقتصادي.. هل يصل إلى جيوب السوريين أم يتوقف عند الأسواق؟

يواجه الاقتصاد السوري في المرحلة الراهنة اختبارًا مصيريًا تتشابك فيه خيوط السياسة بآلام الواقع المعيشي، حيث يقف المجتمع السوري أمام مفارقة حادة بين ملامح انفتاح تجاري يلوح في الأفق وبين إرث ثقيل من الانكماش والعزلة خلفته سنوات الحرب الطويلة.
ولم يعد المشهد اليوم صراعًا بين نظريات اقتصادية فحسب، بل تحول إلى تساؤل اجتماعي ملحّ حول قدرة هذا الانفتاح المفترض على النفاذ إلى جيوب المواطنين المنهكة وتغيير واقعهم اليومي، أم أنه سيكتفي بكونه حركة استعراضية في الأسواق لا تلامس عمق الأزمة المعيشية أو توفر الأمان الاقتصادي المنشود.
الشفافية شرط البداية
في قراءة متأنية للواقع يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عامر شهدا أن الانفتاح الاقتصادي، كي يتحول إلى مسار مستقر ومثمر، يحتاج أولًا إلى شفافية شاملة لا تقتصر على طمأنة المستثمرين، بل تشمل المجتمع بأكمله، بحسب ما نقلت عنه “صحيفة الحرية”.
وأشار إلى أن غياب البيانات الدقيقة حول المالية العامة، وميزان التجارة، وحجم الناتج المحلي الحقيقي، ومعدلات البطالة والفقر، يجعل الخطاب الاقتصادي أقرب إلى التقديرات العامة منه إلى التخطيط العلمي، وأن هذا الغموض، لا يضعف ثقة المستثمرين فقط، بل ينعكس مباشرة على المزاج الاجتماعي، إذ يشعر المواطن بأن التحولات الجارية لا يمكن قياسها أو مساءلتها، ما يعمّق حالة عدم اليقين.
وأفاد بأن الاقتصاد السوري خرج فعليًا من نموذج اقتصادي موجّه ومترهّل، لكنه لم يدخل بعد في نموذج واضح المعالم، لا ليبرالي منضبط ولا مختلط بتوازنات محددة، موضحًا أن هذا الفراغ في الرؤية يجعل القرارات الاقتصادية تبدو متفرقة، بلا خريطة طريق معلنة، ويمنع المجتمع من تقييم المسار أو توقّع نتائجه، قائلًا إن المواطن الذي يُطلب منه تحمّل كلفة الانتقال يحتاج، في المقابل، إلى وضوح حول الاتجاه والنتائج المتوقعة.
إعادة تشغيل لا تعافٍ فعلي
يؤكد شهدا أن ما يحدث اليوم هو إعادة تشغيل للاقتصاد، لا تعافيًا حقيقيًا، وأن عودة الحد الأدنى من النشاط لا تعني تلقائيًا تحسنًا في مستوى المعيشة، لأن التعافي يُقاس بخلق فرص عمل مستقرة، وضبط الأسعار، وتراجع معدلات الفقر، لا بمجرد حركة الاستيراد أو دوران رأس المال في قطاعات محدودة.
هذا الفارق ينعكس مباشرة على جيوب السوريين، حيث لم يواكب الانفتاح تحسنًا في الأجور أو سياسات حماية الدخل، ما جعل كثيرين يشعرون بأن السوق تحرّكت من دونهم.
الخبير الاقتصادي الدكتور عامر شهدا
ويحذّر من أن توسيع الاستيراد في غياب استراتيجية إنتاجية واضحة لا يؤدي إلى انتعاش اقتصادي، بل يفاقم العجز التجاري، ويضغط على الليرة السورية، ويزيد البطالة، وهو ما ينعكس سريعًا على الأسعار ومستوى المعيشة، لافتًا إلى أن الانفتاح الذي لا يحفّز الإنتاج المحلي، ولا يعيد تشغيل المصانع والزراعة، يتحول إلى عبء اجتماعي، يدفع كلفته المستهلك محدود الدخل.
أموال نائمة خارج الدورة الاقتصادية
كما يشير شهدا إلى أن الاقتصاد السوري يمتلك موارد نائمة، من مدخرات مجمّدة داخل المنازل، وشركات مساهمة وأسواق مالية غير مفعّلة، كان يمكن أن تشكّل رافعة للنمو وخلق فرص العمل، إلا أن غياب أدوات الثقة والإدارة الرشيدة أبقى هذه الأموال خارج الدورة الاقتصادية، في وقت يحتاج فيه المجتمع إلى كل فرصة تخفف من حدة الفقر والبطالة.
في المحصلة، يبقى الانفتاح الاقتصادي في سوريا تحت اختبار اجتماعي حقيقي، فهو إما أن يتحول إلى مسار يعيد الثقة، ويحسّن الدخل، ويخفف الضغط عن جيوب السوريين، أو أن يبقى حركة أسواق لا تتجاوز الأرقام والمؤشرات، فيما يظل المواطن خارج معادلة التعافي، يدفع كلفة التحوّل دون أن يجني ثماره.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه





