عام على سقوط الأسد: وعود الحكومة السورية بين الإنجاز والتأجيل

يحتفل السوريون في 8 كانون أول/ديسمبر الحالي بمرور عام على الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وما لحقه من تغيير سياسي شهدته سوريا، في حين ما زالت الآمال معلقة على تحقيق الوعود الحكومية التي أُطلقت بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، خاصة فيما يتعلق بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

ورغم تنفيذ بعض الخطوات المحدودة خلال الأشهر الماضية، بقيت أجزاء كبيرة من تلك الوعود مؤجلة، ما جعل سكان دمشق يعيشون بين واقع يزداد صعوبة وآمال معلّقة على وعود العام الجديد.

وخلال الفترة الماضية، واجه الأهالي موجة جديدة من الأعباء اليومية، بدءاً من ارتفاع سعر الخبز، وازدياد فواتير الكهرباء، وغلاء الأسواق دون ضبط فعلي للأسعار، إلى جانب الرسوم الجمركية المرتفعة التي أضيفت على البالة، في وقت لم تشهد فيه العديد من الأرياف أي تحسن حتى في أبسط الخدمات.

بين تحسن الرواتب وتضخم النفقات

هذه التطورات لم تعد مجرد تفاصيل اقتصادية، بل تحولت إلى ضغوط تمس حياة الناس في كل جانب من يومهم، رغم التحسن الذي طرأ على الرواتب، والتي بقيت عاجزة عن اللحاق بارتفاع الأسعار المتسارع.

سوريون يحتفلون بسقوط نظام الأسد في كانون أول/ديسمبر 2024 – انترنت

يقول فراس الكيلاني، موظف في إحدى المؤسسات الخدمية لـ “الحل نت“، إن من الإيجابيات التي لمسناها هي تحسن في زيادة الرواتب، لكن الواقع عاد سريعاً ليبتلع أثرها.

“أكيد الزيادة ساعدتنا بالبداية، بس بعدها الأسعار طلعت بسرعة ما لحّقنا نتنفس، الخبز أغلى، الكهرباء صارت عبء، والطلبات اليومية عم تكبر بالنهاية، التحسن كان شعور أولي، وبعدها رجع كل شي أصعب.”

فراس الكيلاني لـ “الحل نت”

يرى فراس أن الناس باتوا ينتظرون إجراءات واضحة تضبط الأسعار وتخفف الأعباء، لأن “المعيشة عم تركض أسرع من أي خطوة حكومية”.

أما ليلى برهوم، مدرسة من ريف دمشق، فترى أن سقوط نظام الأسد وخروج المعتقلين كانا من أكثر اللحظات التي شعر فيها الناس بتحسن معنوي واضح، لكنها تقول إنهم ما زالوا ينتظرون تحسناً حقيقياً في حياتهم اليومية.

“ما في شك إنو سقوط النظام كان أهم شي صار معنا، حسّينا إنو في باب جديد انفتح وهذا خلانا نصدّق إنو في تغيير جاي بس بهي السنة أكلنا وعود أكتر ما أكلنا لحم وخضرة، في تحسينات ما بننكرها بس الوعود يلي ما شفنا منها شي كانت أكتر، حتى نحن بالأرياف عم نحس حالنا منسيين”، تضيف برهوم لـ “الحل نت“.

الحكومة تركز على الصورة وتترك الأولويات

وفي جانب آخر من الواقع المعيشي، نُفذت خلال الأشهر الماضية مجموعة مشاريع تتعلق بتنشيط الحركة داخل العاصمة دمشق، ما دفع السكان إلى التساؤل حول طبيعة هذه المشاريع ومدى ارتباطها باحتياجاتهم اليومية.

سيدة سورية تُلوِّح بعلامة النصر وتحمل باقة ورود في ساحة الأمويين بدمشق احتفالاً بإعلان الإطاحة بالأسد (أ.ف.ب)

يقول خالد شعبان، عامل من المزة، إن جزءاً من الخلل يظهر في اختيار الأولويات، إذ يتم الاهتمام بالمظهر الخارجي قبل الملفات الأساسية.

“رمموا طرقات ما كانت بحاجة ترميم، وركبوا إضاءة جديدة بمناطق مضاءة أصلاً، بينما أزمة النفايات من أكبر المشاكل يلي عم يواجها الناس ولا حدا عم يرد على الشكاوي ما حدا شايفا، ولا الأرياف يلي نصها على الأرض وما شافت شي لسا، الناس بدها تشوف شي يفيدها مباشرة مو شغلات شكلية.”

خالد شعبان لـ “الحل نت”

يعتبر خالد في حديث لـ “الحل نت“، أن هذا التوجه خلق شعوراً بأن العمل يجري “للكاميرا أكثر مما يجري لبيوت الناس”، مؤكداً أن الأولويات المعيشية ما تزال تنتظر دورها.

من جهته، يقول عابد الحسن، تاجر بالة من منطقة البرامكة، إنه كان ينتظر أن يشهد القطاع تحسناً بعد التغيير، خصوصاً أن البالة كانت متنفساً أساسياً للناس، لكن فرض رسوم جمركية مرتفعة عقدت عملهم أكثر.

ويوضح: “كنا مفكرين أنو رح نخلص من الجمارك ونحسن نشتغل متل باقي العالم بس فرضوا علينا رسوم كتير مرتفعة بهي الحالة رح نغلي البضاعة ورح يزيد العبء على المواطنين يلي اعتمادهم الأساسي ع البالة، كنا ناطرين بهي السنة تكون القرارات يلي عم تنزل لصالح الناس بس يلي شفناه كان عكس توقعاتنا.

يرى عابد أن هذا القرار “خنق قطاعا كاملا” كان السوريون يعتمدون عليه لتأمين ملابس بأسعار مقبولة.

بين الوعود والتنفيذ

رغم مرور عام كامل، تكتفي الجهات الرسمية بالحديث عن مرحلة إعادة ترتيب، بينما ينتظر المواطنون خطوات عملية تتناسب مع حجم الأعباء التي يعيشونها، خصوصاً مع استمرار موجات الغلاء واتساع الفجوة بين الدخل وتكاليف الحياة.

إذ مايزال الأمل موجوداً لدى كثير من السوريين بأن يشهد العام القادم خطوات أكثر وضوحاً، وأن تتحول الوعود المؤجلة إلى إجراءات ملموسة تخفف العبء عنهم، داخل دمشق وفي أريافها على حد سواء.

فبين موظف يحاول موازنة راتبه مع احتياجات أسرته، ومعلمة تأمل بمرحلة جديدة أفضل، وتاجر ينتظر تخفيف العبء بدل زيادته، يبقى الأمل بأن يتحول العام الثاني إلى بداية فعلية للتغيير، استجابة لأولويات السوريين التي لم تعد تحتمل مزيداً من التأجيل.