من التضخم إلى سياسات التجار.. لماذا تختلف الأسعار بين سوق وآخر في سوريا؟

تشهد الأسواق المحلية السورية حالة من الارتباك السعري المتصاعد، باتت مصدر شكوى يومية لغالبية المواطنين، في ظل فروقات لافتة في أسعار السلعة الواحدة من سوق إلى آخر، وأحيانًا من متجر إلى آخر ضمن الحي نفسه، دون وجود معيار واضح أو تسعير موحّد يمكن الاستناد إليه.
وبينما يعزو التجار هذا التفاوت إلى تذبذب سعر الصرف واختلاف أجور النقل وتكاليف التوريد، يجد المستهلك نفسه الحلقة الأضعف في معادلة تسعير غير منضبطة، تستهلك دخله وتضعف قدرته الشرائية بشكل متسارع.
شبكة أسباب تتجاوز عاملًا واحدًا
في هذا السياق، يوضح الخبير الاقتصادي فاخر القربي، أن تفاوت الأسعار ليس ظاهرة عشوائية أو ناتجة عن سبب واحد، بل هو نتاج شبكة معقدة من العوامل الاقتصادية واللوجستية والتنظيمية التي تتداخل وتؤثر في بنية التسعير، وفقًا لصحيفة “الحرية”.
ويشير إلى أن العرض والطلب يشكلان القاعدة الأساسية في تحديد الأسعار، حيث يؤدي ارتفاع الطلب مع ثبات العرض إلى زيادة الأسعار، بينما يؤدي تراجع الطلب أو زيادة المعروض إلى خفضها، غير أن هذه القاعدة التقليدية لم تعد تعمل بمعزل عن مؤثرات أوسع فرضتها الظروف الاقتصادية الراهنة.
ويرى أن التضخم يلعب دورًا محوريًا في تعميق الفجوة السعرية، إذ يؤدي إلى تآكل القيمة الشرائية للعملة الوطنية، ما ينعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات، خصوصًا في اقتصاد يعتمد بدرجة كبيرة على المستوردات، كما أن أسعار الفائدة والسياسات النقدية السائدة تؤثر في تكاليف التمويل وتدفقات الاستثمار، وهو ما ينعكس بدوره على تكاليف الإنتاج والتسعير النهائي للسلع في الأسواق.
سعر الصرف والعوامل الخارجية
يضيف القربي أن تقلبات سعر الصرف تشكل أحد أكثر العوامل تأثيرًا في تفاوت الأسعار، ولا سيما بالنسبة للسلع المستوردة أو تلك التي يدخل في إنتاجها مكونات مستوردة، إذ يؤدي أي تغير في سعر الصرف إلى إعادة تسعير فورية، غالبًا ما تكون باتجاه الارتفاع، حتى في الحالات التي لا تشهد فيها الأسواق انخفاضًا مماثلًا عند تحسن سعر العملة، ما يخلق حالة من عدم التوازن المستمر.
لا تقتصر العوامل المؤثرة في الأسعار على الجوانب الاقتصادية الداخلية فحسب، بل تمتد إلى عوامل خارجية ومحلية ترتبط بكلف العرض والإنتاج، مثل الأزمات الجيوسياسية، والظروف المناخية، وارتفاع أسعار الطاقة، واضطراب سلاسل التوريد، إضافة إلى السياسات الضريبية والرقابية، التي تنعكس مباشرة على كلفة الإنتاج والنقل والتخزين، مؤكدًا أن أي خلل أو تشدد غير مدروس في هذه السياسات ينعكس سريعًا على الأسعار النهائية التي يتحملها المستهلك.
الخبير الاقتصادي فاخر القربي
ويشير إلى أن أحد أبرز مظاهر التخبط السعري يتمثل في اختلاف تسعير السلعة الواحدة تبعًا لاستراتيجيات التجار أنفسهم، حيث يعتمد البعض على التسعير وفق التكلفة وهامش الربح، فيما يربط آخرون السعر بحجم الطلب والاستهلاك، أو بتفضيلات المستهلكين، ولا سيما الإقبال المرتفع على السلع ذات العلامات التجارية المعروفة، وهو ما يسمح برفع الأسعار إلى مستويات تفوق الكلفة الحقيقية، مستندين إلى سلوك استهلاكي غير رشيد في كثير من الأحيان.
حزمة حلول بديلة للقرارات الظرفية
أمام هذا الواقع، يؤكد القربي أن معالجة إشكالية تفاوت الأسعار لا يمكن أن تتم بإجراء واحد أو قرار ظرفي، بل تتطلب حزمة متكاملة من السياسات والحلول القابلة للتنفيذ، مشددًا على أهمية تعزيز الرقابة التموينية بشكل فعّال ومنهجي، بعيدًا عن الطابع الموسمي أو الانتقائي، إلى جانب تأطير الرقابة المالية والمصرفية بما يحد من المضاربات ويضبط حركة السيولة.
كما يدعو إلى رسم سياسة ضريبية تشجيعية تقوم على تخفيض الأعباء في مفاصل الإنتاج الأساسية بدل تحميلها للتاجر أو المستهلك، وسن تشريعات اقتصادية محفزة للاستثمار والإنتاج بدل القوانين المنفرة التي تعيق النشاط الاقتصادي.
ويرى أن دعم الصادرات يشكل ركيزة أساسية لتنشيط المنتج الوطني ورفع قدرته التنافسية في الأسواق الخارجية، بما يسهم في زيادة القطع الأجنبي وتحسين التوازن في السوق المحلية.
الاستثمار والإنتاج كصمام أمان للأسعار
يضيف القربي أن خلق بيئة إدارية وهيكلية جاذبة للاستثمارات المحلية والخارجية من شأنه توسيع القاعدة الإنتاجية، وخلق فرص عمل جديدة، وزيادة تنوع السلع المعروضة، وهو ما ينعكس مباشرة على كبح الأسعار عبر توسيع العرض.
كما يشدد على ضرورة تقديم دعم حقيقي للصناعات المحلية، من خلال إعفاء مستوردات المواد الأولية من الرسوم، وتوفير قروض ميسرة أو بلا فائدة، ورفع حجم الكتلة المالية المخصصة لدعم التأمينات الاجتماعية للعاملين في القطاع الخاص.
وفي المحصلة، يرى القربي أن ضبط الأسعار لا ينفصل عن إصلاح اقتصادي أوسع يعيد التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، ويضبط السياسات النقدية والضريبية والرقابية ضمن رؤية واحدة، تضع حماية القدرة الشرائية للمواطن في صلب أولوياتها، وتعيد للأسواق حدًا أدنى من العدالة والاستقرار المفقودين.
يشار إلى أن وزارة الاقتصاد والتجارة أصدرت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قرارًا يُلزم جميع المنتجين والمستوردين بتدوين السعر النهائي للمستهلك على جميع السلع، في خطوة تهدف إلى ضبط الأسواق السورية ورفع مستوى الشفافية وقد أثار القرار جدلاً بين التجار والمستهلكين حول آلية تطبيقه وتأثيره الفعلي على الأسعار.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه





