ما الذي تقدمه مبادرة رئيس الوزراء إدريس للسلام في السودان؟

الخرطوم- تجدّد الجدل السياسي في السودان بشأن خيارات وقف الحرب، إثر طرح رئيس الوزراء كامل إدريس أمس الاثنين نسخة جديدة من خارطة الحكومة السودانية لإحلال السلام في البلاد أمام مجلس الأمن الدولي.وتأتي زيارة إدريس إلى نيويورك بعد تصاعد الاهتمام الدولي والإقليمي بالأزمة السودانية المستمرة منذ 32 شهرا، خصوصا بعد طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الرئيس الأميركي دونالد ترمب التدخل لإيقاف الحرب.وكان رئيس مجلس السيادة السوداني الانتقالي وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان قد زار الرياض ثم القاهرة مؤخرا، وقالت الخارجية السودانية إن البرهان أكد استعداده للعمل مع السعودية والرئيس ترامب ومبعوثه للشؤون الأفريقية مسعد بولس لإنهاء الحرب.من جهتها حددت واشنطن سقفا زمنيا للتوصل إلى هدنة إنسانية في السودان مع بداية العام المقبل، وأعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن الهدف هو وقف القتال قبل بداية عام 2026 وتحقيق اتفاق يسمح بتوسيع عمليات الإغاثة، ويعرض التقرير التالي أبرز الأسئلة والأجوبة حول أهم ما جاءت به مبادرة إدريس والردود حولها.ما تفاصيل الخطة التي طرحها كامل لإدريس أمام مجلس الأمن الدولي؟طرح رئيس الوزراء إدريس خلال كلمته أمام مجلس الأمن مبادرة تبدأ بوقف إطلاق نار شامل، تحت رقابة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، يعقبه انسحاب مقاتلي الدعم السريع من المدن الخاضعة لسيطرتها إلى معسكرات يتم التوافق عليها تحت إشراف أممي وعربي وأفريقي.وأشار إلى أن الخطة تشمل تنفيذ برامج نزع السلاح والتسريح، وإعادة الإدماج للمقاتلين غير المدانين، بهدف دعم عودتهم إلى الحياة المدنية، كما دعا إلى حوار سوداني/سوداني خلال الفترة الانتقالية للاتفاق على أسس الحكم، على أن تُختتم المرحلة الانتقالية بانتخابات عامة تحت رقابة دولية.وأفاد بأن المبادرة توفر إطارا واقعيا قابلا للتنفيذ، لحماية المدنيين واستعادة سلطة الدولة وفتح المجال للمصالحة الوطنية، مشددا على أنها لا تهدف إلى الفوز في الحرب وإنما لإنهاء دائرة العنف. إعلان وشدد إدريس على أن المبادرة تؤكد عدم إمكانية تحقيق السلام بدون مساءلة، كما أن الاستقرار لن يتحقق بدون سلطة موحدة، موضحا أن المبادرة تعد تكاملا لخارطة الطريق التي طرحتها الحكومة السودانية ومبادرة السعودية ومصر.ما الذي يميز مبادرة إدريس عن المبادرات السابقة؟سلّم مجلس السيادة السوداني في العاشر من مارس/آذار الماضي خارطة طريق إلى الأمم المتحدة، تضمنت رؤية وخطوات عملية لوقف النزاع وترتيبات مرحلة الانتقال بعد الحرب، ونصّت على وقف إطلاق النار بالتزامن مع انسحاب الدعم السريع من المدن وتجميع قواته في مناطق دارفور تقبل بوجودها، خلال 10 أيام.ووضعت الخارطة فترة 3 أشهر لعودة النازحين ودخول الإغاثة، بعدها يحدث تفاوض حول مستقبل الدعم السريع وتشكيل حكومة مستقلة، وإطلاق حوار سوداني/سوداني شامل داخل البلاد برعاية الأمم المتحدة.ما أوجه الشبه أو الاختلاف مع مبادرة الرباعية وما طرحته الحكومة السودانية في منبر جدة؟في 12 سبتمبر/أيلول الماضي، طرحت مجموعة الرباعية -التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات- خطة تدعو إلى هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تقود لوقف دائم لإطلاق النار، ثم عملية انتقالية جامعة وشفافة خلال 9 أشهر، تحقق تطلعات الشعب السوداني نحو حكومة مدنية مستقلة.وفي السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أعلن الدعم السريع في السودان موافقته على الهدنة، في حين ردّت الحكومة السودانية برؤيتها التي سلمتها للأمم المتحدة في مارس/آذار الماضي، وحملت مطالبها للسلام.أما إعلان جدة -الموقع في مايو/أيار 2023- فكانت المفاوضات في حينها تركز على حماية المدنيين وتحقيق هدن لتوصيل المساعدات الانسانية، وتحديد قواعد الاشتباك وفق القانون الدولي الانساني، وشمل انسحاب الدعم السريع من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين، ودخل الجانبان في مناقشة الترتيبات الأمنية والعسكرية، لكنها عُلِّقت منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023.ما موقف الدعم السريع تجاه المبادرة الجديدة؟قال مستشار قائد قوات الدعم السريع الباشا طبيق، إن مبادرة كامل إدريس لا تحمل جديدا، بل تُمثّل "إعادة تدوير لخطاب إقصائي متهالك، يشبه في جوهره خطاب رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان".وأوضح طبيق في تدوينة عبر منصة "فيسبوك" أن الحديث عن انسحاب الدعم السريع من مناطق سيطرتها ووصفها بالمليشيا هو طرح أقرب إلى الخيال منه إلى السياسة، ويعكس انفصالا كاملا عن الواقع.وأضاف أن "مثل هذه المبادرات لا تقدم حلولا حقيقية للأزمة السودانية، بل تُستخدم كأدوات لتضليل المجتمع الدولي وإيهام الشعب السوداني بوجود مسار سياسي"، مؤكدا أن قوات الدعم السريع تتمسّك بمواقفه ولن تقبل بأي مبادرات تتجاهل دورها على الأرض.هل كان مجلس الأمن الدولي الجهة المناسبة لطرح مبادرة للسلام؟ وهل كان توقيتها مناسبا؟يوضح المفكر السياسي الواثق كمير، أن جلسة الإحاطة عقدت بطلب من بعثة السودان، من دون حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، واكتفى المجلس بالاستماع إلى تقارير، وهذا أمر معتاد في جلسات الإحاطة.وأضاف "لكنه يُصبح موضع تساؤل حين يسافر رئيس وزراء دولة تُمزّقها الحرب آلاف الكيلومترات ليخاطب قاعة يغلب عليها رؤساء البعثات أو نوابهم، وفي توقيت ميت سياسيا بسبب عطلة أعياد الميلاد ونهاية العام". إعلان ويُعلّق كمير في منشور على خطاب إدريس، ويقول إنه "وُجّه عمليا إلى جمهور يمكن للسفير الدائم للسودان في الأمم المتحدة أن يخاطبه، بدون الحاجة إلى هذه الرحلة المكلفة سياسيا وبروتوكوليا".ألا يعكس طرح المبادرة أمام مجلس الأمن رغبة الحكومة في السلام وتسليط الضوء العالمي على هذه الرؤية؟يقول المفكر كمير إن هدف الزيارة -بحسب الإعلام الرسمي- هو تقديم "نسخة منقحة من خارطة طريق الحكومة لوقف الحرب"، لكنه يعتبر أن "مجلس الأمن ليس منصة تفاوض، ولا جهة لاعتماد المبادرات الوطنية، كما أن عرض خطة للحل في جلسة إحاطة، بدون توافق دولي مسبق أو رعاية مباشرة من قوة مؤثرة، لا ينتج دعما ولا التزاما، بل ينتهي بانتهاء الجلسة".هل يعد ما طرح أمام مجلس الأمن مطالب الحكومة السودانية لإنهاء الحرب أو شروطا وموقفا تفاوضيا؟يقول ياسر عرمان، رئيس الحركة الشعبية -التيار الثوري والقيادي في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود"- إن حديث كامل إدريس بالأمم المتحدة يطرح سؤالا مهما يحدد الموقف منه: هل ما طرحه اشتراطات أم موقف تفاوضي؟ويضيف موضحا أن "الاشتراطات غير قابلة للتفاوض أو المساومة، ولا بد من تلبيتها قبل الجلوس للطرف الآخر، وهذا يعني استمرار الحرب، أما الموقف التفاوضي فهو يطرح مطالب يتم التباحث حولها بالأخذ والعطاء بين الطرفين".ويعتقد عرمان -في بيان له- أن من واجب الوساطة دعوة الطرفين المتحاربين إلى حوار مباشر، إن كان ما طرحه كامل إدريس موقفا تفاوضيا، حيث يملك السودان تجارب واسعة بإمكانها تقريب الحلول إذا توفرت الإرادة السياسية لوقف الحرب عند الطرفين، والإرادة الإقليمية والدولية لتلبية ما هو موضوعي لكل طرف، بعيدا عن الأمنيات غير الواقعية.هل تفتح مبادرة إدريس فرجة للأمل بإنهاء الحرب أم ستستمر الأزمة؟يقول مدير مركز دراسات العلاقات السياسية الدولية بالخرطوم الرشيد محمد إبراهيم، إن الجديد في الخطاب هو وضوح الرؤية وإعادة تعريف الحرب على السودان باعتبارها عدوانا.ويوضح للجزيرة نت أن المبادرة اتجهت مباشرة لوقف إطلاق النار الدائم بدلا من الهدنة المؤقتة، وارتكزت على خطة السعودية الأميركية المصرية ومرجعية "إعلان جدة" وهذا يعني تجاوز المجموعة الرباعية.كما تضع المبادرة -برأيه- الدعم السريع وداعميه والمتحالفين أمام تحد وامتحان كبير، إن كانوا يملكون إرادة السلام ومستعدون لدفع فاتورته.ما فرص نجاح مبادرة إدريس وموقف المجموعة الرباعية منها؟حسب حديث المحلل السياسي، فيصل عبد الكريم، فإن عوامل نجاح أي مبادرة هو قبولها من الطرف الخصم (الدعم السريع)، وقناعة القوى الدولية والإقليمية المؤثرة على المشهد السوداني ومراعاتها للتوازنات.ويقول عبد الكريم للجزيرة نت إن بعض بنود مبادرة إدريس موضوعية، وأخرى تحمل شروطا أقرب للاستسلام منه إلى السلام، وهذا يتطلب تعديلها، كما ينبغي مراعاة موازين القوى على الأرض والتعقيدات العسكرية والاجتماعية التي فرضتها الحرب.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً




