الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة السردية الإسرائيلية؟

يمثل الصراع على الرواية في الحرب الإسرائيلية على غزة جبهة لا تقل شراسة عن المواجهة العسكرية، فقد أحكمت إسرائيل سيطرتها على السردية الإعلامية، مستندة إلى منظومة دعائية نجحت في توجيه الرأي العام.وتكمن خطورة هذه الجبهة -كما عرض في برنامج "للقصة بقية"- في أنها تستهدف الوعي الجمعي العالمي، عبر تطويع الكلمة والصورة، وتحويل الإعلام إلى أداة تبرير سياسي وأخلاقي لجرائم الاحتلال، مستفيدة من نفوذها داخل كبرى المؤسسات الإعلامية والثقافية والفنية في الغرب.بيد أن هذه الهيمنة الإعلامية تعرضت لهزة غير مسبوقة مع حرب غزة، حين تمكنت مشاهد الدمار والقتل المنقولة مباشرة من داخل القطاع، عبر الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي من اختراق الجدار السميك للرواية الرسمية الإسرائيلية، وكشف التناقض الصارخ بين الخطاب الإعلامي الغربي والواقع الميداني.وفي هذا السياق، برز دور الناشطين والمؤثرين الفلسطينيين والمتضامنين حول العالم، الذين نجحوا في كسر احتكار السردية، وهو ما دفع متحدثين إسرائيليين سابقين إلى الاعتراف بخسارة إسرائيل المعركة على وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبارها "الجبهة الأخطر" في هذه الحرب.آلة دعائية منظمةوسلطت الحلقة الضوء على جهاز "الهسبارا" الإسرائيلي، الذي يمثل الذراع الدعائية الرسمية للاحتلال، ويعمل على توجيه التغطية الإعلامية الغربية من خلال تزويد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بروايات جاهزة، ومعلومات منتقاة، وأطر لغوية محددة تخدم أهداف الحرب، بالتوازي مع منع الصحفيين الأجانب من دخول قطاع غزة.وأظهرت تقارير ودراسات إعلامية، من بينها تحقيقات لموقعي "ذي إنترسبت" و"الغارديان"، ودراسات لمجلات بحثية ومراكز رصد إعلامي، وجود انحياز منهجي في التغطية الغربية، سواء عبر اختيار المصطلحات، أو ترتيب الأخبار، أو نوعية الضيوف، أو تغييب السياق التاريخي والسياسي للصراع.وأشارت إحدى الدراسات إلى أن الإعلام البريطاني، على سبيل المثال، صور الإسرائيليين كضحايا بنسبة تفوق تصوير الفلسطينيين بأكثر من 10 أضعاف، رغم الأعداد الهائلة للضحايا المدنيين في غزة، معظمهم من النساء والأطفال.تضليل عاطفي وتقنيات رقميةكما تناول البرنامج اعتماد إسرائيل على بث روايات صادمة وغير مثبتة، من بينها ادعاءات "قطع رؤوس الأطفال"، التي انتشرت بسرعة في الإعلام الغربي رغم غياب الأدلة، مستفيدة من التوظيف العاطفي للأخبار في لحظات الصدمة الأولى.وكشفت تحقيقات صحفية عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وحسابات وهمية ممولة حكوميا، لنشر معلومات مضللة والتأثير على الرأي العام، في إطار حرب رقمية موازية تهدف إلى تشويه الرواية الفلسطينية وتقويض مصداقيتها.استقالات وتمرد مهنيوفي مقابل هذا الأداء، عرضت الحلقة شهادات لصحفيين غربيين قدموا استقالاتهم من مؤسسات إعلامية كبرى، احتجاجا على ما وصفوه بتحريف متعمد للواقع، وتحويل الإعلام إلى أداة تبرر الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة.وأكد بعض هؤلاء أن الخطاب الإعلامي السائد حاول حصر ما يجري في إطار "مواجهة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)"، في حين بات الرأي العام يدرك بشكل متزايد أن ما يحدث هو استهداف ممنهج لشعب بأكمله.واقع إعلامي مأزوموفي نقاش الأستوديو، أشار الإعلامي والناشط السياسي الأميركي جينك يوجور إلى أن الإعلام الأميركي يعاني انحيازا بنيويا لصالح إسرائيل، لافتا إلى أن أي محاولة لوصف ما يحدث في غزة بالإبادة تُواجه باتهامات جاهزة بمعاداة السامية، في إطار سياسة تخويف وإقصاء تستهدف الأصوات الناقدة.من جهتها، أوضحت الصحفية والأكاديمية الفلسطينية سمر جراح أن طبيعة الإعلام الأميركي الربحية، وملكيته من قبل نخب اقتصادية نافذة، تجعل حياده أمرا مستحيلا، مؤكدة أن التحول الحقيقي جاء من داخل غزة نفسها، حيث بات الفلسطيني هو الصحفي والراوي والشاهد، ناقلا صور الألم والمعاناة بلا وسطاء.وخلصت الحلقة إلى أن معركة الرواية لم تحسم بعد، لكنها شهدت تحولا لافتا كسر احتكار الإعلام التقليدي، وفرض واقعا جديدا يتحدى السرديات المهيمنة، ويضع المؤسسات الإعلامية الغربية أمام اختبار تاريخي لمصداقيتها وأخلاقياتها المهنية، في واحدة من أكثر الحروب دموية في العصر الحديث.Published On 22/12/2025|آخر تحديث: 23:39 (توقيت مكة)
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً

هل تنجح تركيا في محاصرة سوق المراهنات؟
منذ 5 دقائق



