مع اقتراب نهاية مهلة 10 آذار.. ما موقف العشائر العربيّة تجاه قسد؟
في ظلّ التطورات الميدانيّة والسياسية المتسارعة في شمال وشرق سوريا، ومع قرب انتهاء مهلة اتفاق 10 آذار، تعود العلاقة المتوترة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والعشائر العربية إلى الواجهة من جديد، وسط حالة احتقان شعبي قد ينفجر في أي لحظة، ورغم أن الرغبة العشائرية تميل إلى التمرّد على واقع التهميش والإقصاء، وهذا ما ظهر في بيانين منفصلين أحدهما لعشيرة الجبور، والآخر لإبراهيم الهفل أحد شيوخ قبيلة العكيدات، إلا أن التجارب السابقة في الساحل السوري والسويداء ما زالت حاضرة بقوة، كعامل ردع يمنع تحوّل الغضب إلى انتفاضة مفتوحة.
وفي حين تسيطر "قسد" على مساحات واسعة من شمال وشرق سوريا، تشمل كامل محافظة الحسكة باستثناء مدينة رأس العين وأجزاء كبيرة من محافظة الرقّة ودير الزور، وهي مناطق ذات غالبية عربية عشائرية، ورغم أنّ خطاب قسد يروّج للشراكة مع أبناء المنطقة، إلا أن الواقع الميداني يعكس عكس ذلك ويشير إلى تهميش وإقصاء واضحين، وما يشير إلى ذلك هو أنّ قسد حتّى اليوم لم تنفّذ مخرجات مؤتمر تعزيز الأمن والاستقرار الذي عقد مع العشائر العربيّة في دير الزور قبل أكثر من عامين.
يقول ناشط يقيم في ريف الرقّة، فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنيّة، إنّ العلاقة بين قسد والعشائر العربية في مناطق سيطرتها تعكس واقعًا متوتّرا، يتناقض مع الخطاب الإعلامي الرسمي عن الشراكة والانفتاح، فـقسد تحرص على عقد لقاءات دورية مع الشيوخ والوجهاء في الحسكة والرقة ودير الزور، لكنها غالبًا ما تبقى شكلية وإعلامية، دون أن تمنح العشائر دورًا فعليًا في اتخاذ القرار السياسي أو الاقتصادي أو الأمني.
ويضيف خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا أنّ كثيرا من أبناء العشائر يشعرون بأنّ دورهم محصور في تقديم غطاء اجتماعي أو تهدئة الاحتقان، لا في المشاركة الحقيقية في إدارة شؤون مناطقهم، أما المواقف العشائرية فتتفاوت بين الرافضين، الذين يشعرون بالإقصاء والتهميش، والمتكيّفين مع قسد لمصالح ضيقة، وبين المتردّدين الذين يخشون المواجهة المفتوحة بسبب التجارب السابقة والدعم الأميركي لقسد.
الاستقطاب مقابل الامتيازات
تعتمد قسد في علاقتها مع بعض شيوخ العشائر على سياسة الاستقطاب وتقديم الامتيازات، إذ تلبّي لهم مطالب ببعض التعيينات أو إخراج موقوفين، أو تقديم دعم مالي مباشر وغير مباشر، وإعطاء بعض الامتيازات الاقتصاديّة كتضمين بعض آبار النفط لفترات محدودة، حيث عزّزت هذه السياسة نفوذ بعض الشخصيات داخل عشائرها، مقابل ضمان الولاء لتعزيز قبول قسد داخل عشائرهم.
وتسعى قسد لاستثمار هذه الامتيازات الممنوحة إلى بعض الشخصيات العشائرية لتعزيز قبولها والحصول على الشرعيّة الاجتماعيّة والسياسية داخل تلك العشائر، لكن سرعان ما تصطدم بالواقع عند أي احتجاج يحدث في المنطقة.
بالمقابل سعت قسد إلى تفكيك البنى العشائرية الكبرى التي لم تواليها في مشروع الإدارة الذاتيّة، ويظهر هذا جليّا في حالة الصراع الذي حدث مع إبراهيم الهفل أحد شيوخ قبيلة العكيدات وما تبعه من أحداث أدت إلى انقسام داخل القبيلة إذ أعطت امتيازات إلى شخصيات من ذات القبيلة على حساب الهفل.
يؤكّد أحد وجهاء قبيلة العكيدات في مناطق سيطرة قسد، في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أنّ العشائر العربية بطبيعتها ترفض الخضوع لأي طرف، ولا سيما إذا كان هذا الخضوع لقوة احتلال، مشيرًا إلى أنّ التاريخ القريب والبعيد يثبت نزوع هذه العشائر إلى التمرّد، من مقاومة الاحتلال الفرنسي وصولًا إلى مشاركتها في الثورة السورية عام 2011.
ويضيف أنّ العائق الحقيقي أمام تحرّك العشائر لا يكمن في ضعفها، بل في الدعم الأميركي الذي تحظى به قسد، إذ تُواجَه أي تحرّكات احتجاجية باتهامات جاهزة بالانتماء إلى تنظيم داعش، لتُفتح بعدها حملات ملاحقة أمنية واسعة.
ويرى أنّ أي تبدّل في الموقف الأميركي تجاه قسد من شأنه أن يغيّر موازين القوى، مؤكّدًا أنّ عشائر المنطقة قادرة، في هذه الحالة، على إنهاء وجود قسد خلال أقل من 48 ساعة.
من جانبه يقول الباحث محمد سليمان، لموقع تلفزيون سوريا، إنّه في الوقت الراهن لا ترغب العشائر العربية في التخلي عن وجودها في أراضيها الخاضعة لسيطرة قسد لكي لا تحرم منها مستقبلاً، مضيفا أنّ ذلك أيضاً أدى إلى سوء الحالة الاقتصادية التي نتجت عن سياسات ونهج قسد تجاه سكان المنطقة.
ويرى أنّ احتكار الموارد النفطية والغذائية والتحكم بأسعار المحاصيل الزراعية وفرض الإتاوات من المنشآت الكبيرة والصغيرة، أدّى إلى دفع أبناء القبائل والعشائر العربية للبقاء في مناطق سيطرة قسد وانخراط قسم من أبناء العشائر ليكونوا مجندين ضمن صفوفها، وعليه فإن العلاقة بين العشائر العربية وقسد هي علاقة مؤقتة ومن المتوقع أن ينتفض المكون العربي، في حال انسحاب قوات التحالف من المنطقة أو رفع الدعم الأميركي والغربي عن قسد، بالانفكاك عنها ومحاربتها والسعي إلى استئصالها من المنطقة.
ويضيف أنّ قسد لا تمثل التنوع الديموغرافي الحقيقي في المنطقة ولا تعكسه، إذ إن قياداتها الأساسية من الأجانب، بينما يتكون الصف الثاني والثالث من أفراد من المكونين العربي والكردي، وهذا الواقع لا يدل على امتلاك قسد وزناً ديموغرافياً حقيقياً في المنطقة، وحتى أبناء القبائل والعشائر العربية الذين يعملون مع قسد، فإن وجودهم ضمنها مؤقت وهم لا يظهرون ثقلهم في الواجهة، لإدراكهم أن قسد لا تمثلهم ولا تمثل أهلهم من المكون الكردي أيضاً.
تنامى الشعور العربي السنّي بعد سقوط النظام البائد في 8 ديسمبر من عام 2024 وما تبعه من تحرير أجزاء واسعة كانت ميليشيا قسد تبسط سيطرتها عليها، وعلى رأسها مدينة منبج التي تعدّ أهم عقدة اقتصاديّة للتنظيم.
هذا التحرير عزّز لدى العشائر العربيّة فكرة أنّ التنظيم يمكن أن يقاوم في مناطق أخرى، إذا ما ضمنت عدم مساندة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتّحدة، ومن هنا جاء اتفاق 10 آذار ليضع خريطة طريق، وفتح بابا من الانتظار لدى العشائر العربيّة، انتظار قد لا يدوم طويلا إلا أنّه يشكّل بارقة أمل.
هذا الاتفاق دفع العشائر إلى التريّث الحذر، غير أنّ الوقائع الميدانية تشير إلى أنّ قسد تعاملت مع الاتفاق كأداة لشراء الوقت وامتصاص الغضب، أكثر من كونه التزامًا سياسيًا ملزمًا، فلم تُسجّل أي تغييرات جوهرية في الاندماج مع حكومة دمشق، وبقيت القرارات السيادية بيد الحلقة الضيقة المرتبطة بالقيادة العسكرية والأمنية، في حين استمر التعامل مع العشائر بوصفها خزّانًا بشريًا أو غطاءً اجتماعيًا عند الحاجة، لا شريكًا فعليًا.
يقول الباحث وائل علوان، لموقع تلفزيون سوريا، إنّه مع اقتراب الموعد المحدد لنهاية مدة تنفيذ اتفاق 10 آذار مارس 2025 وبالتزامن مع زيارة الوفد التركي رفيع المستوى وتصريحات وزير الخارجية التركي ووزير الخارجية السوري حول رؤيتهم إلى عدم التزام قسد وتسويفها ومماطلتها، جاءت هذه الهجمات وهي ليست الأولى من نوعها لخلط الأوراق خلط الأوراق، وطبعا كان هناك بروبوغندا مجهزة لاتهام الحكومة السورية بأنها من أخلّت بالاتفاق وما إلى هنالك
ويرى أنّه في النهاية كان هناك عمل ميداني ترجو منه قسد الضغط السياسي على دمشق من أجل إرباك دمشق، إذ إنّ قسد تريد تمديد اتفاق 10 آذار لمدّة ستة أشهر أخرى، معتقدا أنّ الولايات المتحدة الأميركية باشرت فور هذا التصعيد إلى تواصل مع الطرفين وحملهم على وقف إطلاق النار مباشرة، والولايات المتحدة الأميركية ستسعى جاهدة إلى عدم انهيار اتفاق 10 آذار، وكذلك الحكومة السورية لا تريد أن ينهار الاتفاق، في حين إن قسد تريد ممارسة ضغط شديد على دمشق من أجل تنازلات تريدها من حكومة دمشق تتعلق بهذا الاتفاق وطريقة الاندماج.
ولا يتوقع علوان أن تكون هناك معارك قادمة كبيرة لكن من الممكن أن تستمر قسد في استثمار جبهة مدينة حلب للضغط على دمشق، أي أن تكون هناك عودة إلى مثل هذا القصف أو الاشتباكات وتحميل الحكومة المسؤولية بالإضافة للضغوطات التي يمكن أن تمارسها الحكومة على قسد في على طول خط الفرات.
وفي حين تسعى الولايات المتّحدة إلى تقريب وجهات النظر بين الحكومة السوريّة وتنظيم قسد، وعقد اتّفاق عسكري يهدف إلى ضم نحو 90 ألف مقاتل من قسد في ثلاث فرق تتبع لوزارة الدفاع، يرى محللون أنّ هذا الاتّفاق قد لا يتوافق مع رغبة تركيا، ويشكّل خطرا على أمنها القومي، لا سيما أنّ هذه الفرق ستكون على تماس مباشر مع الحدود التركيّة، ما يعني استمرار التهديد لها، لاسيما إذا كانت قيادة تلك الفرق من المقاتلين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه




