تحقيق يكشف عن خطة منظمة تمّت لتهجير البدو في السويداء
إعلان موول
سوريا
2025/09/11
5:32 م
وقت القراءة المتوقع: 12 دقائق
نشرت جريدة الثورة تحقيقا صحفيا حول المجازر وعمليات التهجير القسري التي تعرضت لها العشائر البدوية في السويداء، على أيدي ميليشيات تابعة لحكمت الهجري، في تموز الماضي.
وكشف التحقيق تفاصيل اجتماع سرّي في مزرعة تزعمه حكمت الهجري بمشاركة قادة فصائل محلية، حيث وُضعت خطة منظمة لطرد البدو بالقوة بعد انسحاب القوات النظامية وترك فراغ أمني كبير، ما أدى لحدوث عمليات تطهير عرقي في المحافظة.
وكان من أشنع المشاهد “بقر بطن امرأة حامل في مدينة شهبا بريف محافظة السويداء، حيث سُحب جنينها من رحمها، قبل أن تُترك جثتها على قارعة الطريق، تنهش الكلاب والضواري وجهها”، كما قُطع رأس طفل برشاش “دوشكا”، فيما بقيت أمه غارقة في دمائها، وقد وُجد اسماهما ضمن قائمة مكتوبة بخط اليد تضم عشرات القتلى من العشائر البدوية في السويداء، بينهم نساء وأطفال، كتبها نازحون من شهبا لتوثيق من عرفوا من القتلى.
وفي صباح 17 تموز/يوليو 2025، انسحبت قوى الجيش والأمن السوري من المحافظة، ليملأ الفراغ مقاتلون محليون من فصائل محلية بعضها مرتبطة بالمجلس العسكري في السويداء، حيث ارتكبت عمليات قتل ميداني وحرق ونهب للمنازل بشكل ممنهج في أكثر من 9 قرى وأحياء بينهم حي المقوس وشهبا وسهوة بلاطة والكفر.
وتؤكد شهادة أحد الحاضرين في الاجتماع الذي تزعمه الهجري ذلك اليوم، أن ما جرى لم يكن صداماً عابراً، بل عملية معدّة مسبقاً استهدفت المدنيين البدو، حيث وثّق ناجون من شهبا والمقوس في اليوم نفسه مقتل ما لا يقل عن 60 شخصاً من أقاربهم وجيرانهم عبر قوائم مكتوبة بخط اليد، وقد دفنوهم على عجل، فيما بقي عشرات آخرون في عداد المفقودين حتى اليوم.
ويبيّن التحقيق أن ما لا يقل عن 11 موقعاً شهدت عمليات قتل وتهجير، بينها المقوس، وشهبا، وسهوة بلاطة، والكفر، وولغا، وأم الزيتون، وصلخد، وريمة اللحف، والمزرعة، وأيضا في طريقي الهروب نحو درعا ودمشق حيث تعرّض الفارون عبرهما للاستهداف.
هاجم مسلحون بدو شاحنة خضار على طريق دمشق – السويداء، في 11 تموز/ يوليو 2025، واعتدوا على سائقها المنتمي إلى الطائفة الدرزية وسرقوا الشاحنة، ولم تمضِ ساعات حتى ردّت مجموعات بخطف عدد من البدو، ليتبعهم البدو بخطفٍ مماثل، وخلال يومين فقط، تحولت حوادث الخطف إلى مواجهات عنيفة غرب محافظة السويداء وداخلها، تخللها قصف للقرى وحصار للأحياء البدوية، وسقط خلالها قتلى وجرحى من الطرفين، بينهم مدنيون، وفقا للتحقيق.
وفي 14 تموز، دخلت قوات الجيش والأمن السوري المحافظة لمحاولة فرض النظام كقوة فصل، لكنها اصطدمت برفض الفصائل المحلية المرتبطة بالهجري، وتعرضت تلك القوات لكمائن متزامنة في عدة مواقع داخل السويداء، انتهت بمقتل وأسر عدد من عناصرها، وسط انتشار مقاطع فيديو عن تمثيل بالجثث وعمليات قتل ميداني.
في الوقت نفسه، شنت الطائرات المسيّرة الإسرائيلية ضربات داخل السويداء امتدت لاحقاً إلى دمشق، حيث استهدفت وزارة الدفاع ومحيط قصر الشعب (القصر الرئاسي).
ومع فجر 17 تموز/يوليو 2025، بدأ الانسحاب فعلياً، وتثبّت القرار في خطاب تلفزيوني عاجل ألقاه الرئيس السوري أحمد الشرع، أعلن فيه أنّ قوى الجيش والأمن السوري “خفّضت مهامها في السويداء” وأن مسؤولية الأمن أُحيلت إلى الفصائل المحلية ومشايخ العقل، مبرّراً ذلك بـ”المصلحة الوطنية العليا” بعد أن تعرضت دمشق، ومعها وحدات الجيش التي حاولت التدخل في السويداء، لقصف إسرائيلي مباشر.
وقد رافق الانسحاب إجراءات للحد من الفراغ الأمني، أبرزها التنسيق مع وجهاء السويداء ومشايخ العقل لمنع الفوضى، بينما شدّد الشرع في خطابه على أن الدولة ستُحاسب “كل من انتهك حقوق الدروز، فهم جزء لا يتجزأ من نسيج الوطن”، في محاولة لطمأنة المجتمع المحلي وامتصاص التوتر.
وعقب الفراغ الذي سببه انسحاب الجيش والأمن، تم تنفيذ انتهاكات بحق البدو؛ ورغم كونها انتهاكات تجلت بالقتل والنهب والتهجير والاعتقال القسري، فقد تم تصويرها من قبل وسائل إعلام على أنها رد فعل على الانتهاكات التي قام بها عناصر الجيش والأمن، لكن الوثائق والأدلة/ من بينها شهادات، تظهر خلاف ذلك وسرعان ما تبيّن أن هذا الإعلان لم يوقف الفوضى، بل ترك المحافظة في فراغ أمني شامل استغلّته الفصائل المسلحة لبدء تنفيذ مخططها ضد الأحياء البدوية.
التحريض والتهيئة للانفجار
لم يكن ما صدر عن اجتماع المزرعة قراراً مفاجئاً؛ في الساعات التي سبقت الاجتماع وخلال يوم 17 تموز نفسه، كان وسم “السويداء_تحارب_الإرهاب” يسجّل قفزة غير مسبوقة؛ نحو 17,826 منشوراً خلال 24 ساعة، وفق تحليل بيانات من مصادر مفتوحة؛ وفي اليوم التالي ارتفع العدد إلى 19,583 منشوراً، ما مثّل الذروة الرقمية للحملة.
وكان أكثر من ثلاثة أرباع هذا النشاط إعادة تدوير لمحتوى أصلي محدود، في مؤشر على حملة تعبئة منسقة؛ أما الكلمات الأكثر تكراراً تحت الوسم فشملت: “ذبح، اقتلاع، إرهاب، ثأر، الكرامة”.
وجرى التحقق من هذه البيانات عبر تحليل نشاط الوسوم باستخدام أدوات رصد رقمية مفتوحة المصدر، ومطابقة النتائج مع أرشيف النشر العام، ما أظهر منحنىً واضحاً يؤكد أن الحملة لم تكن تفاعلاً عفوياً، بل تعبئة منسقة بلغت ذروتها في 17 و18 تموز
وتوازى هذا الانفجار الرقمي مع مقاطع مصوّرة تداولتها منصات محلية، عن كمائن استهدفت الجيش السوري وتمثيل بجثث عناصره، إضافة إلى اعتقالات عشوائية طالت مدنيين بدو داخل المدينة.
ومع تزايد الخطاب المتشنج تحت الوسم، راحت صفحات شخصية تُضخّم التحريض بشكل مباشر؛ على فيسبوك كتب المدعو حيدر إياد السهناوي داعياً إلى الفزعة الى شهبا: “اقتلو الرضيع قبل الكبير من هالخنازير”، وفي تعليقات أخرى على منشورات للمقاتل حسام بريك، تكررت عبارات مثل: “اليوم يومكم لتطهير المحافظة”، و”ما لازم يضل واحد منهم بينا”، و”كل البدو لازم يترحلوا وبيوتهم تنمحي عن وجه الأرض”.
هذا التزامن بين التصعيد الميداني والتضخيم الرقمي ساهم في تصوير البدو كـ”خطر وجودي يجب اقتلاعه”، الأمر الذي هيّأ الأرضية لاجتماع المزرعة، حيث اتخذ القرار الفعلي بالهجوم، وبعد ساعات قليلة من الانسحاب المفاجئ لقوى الجيش والأمن السوري من السويداء فجر 17 تموز/يوليو 2025، بدأت حركة غير مألوفة تشق طريقها نحو أطراف بلدة قنوات.
هناك، في مزرعة شبه مهجورة تحوّل المكان إلى مركز تخطيط سرّي، اجتمع فيه أبرز قادة الفصائل المحلية كـ عميد جريرة، وبهاء الشاعر، وأبو ذياب، وطارق الشوفي، إلى جانب شخصيات عسكرية ومحلية من الصف الأول، بهدف وضع خطة لطرد العشائر البدوية بالقوة.
العنصر في المجلس العسكري “رائد” (اسم وهمي)، والذي يعمل مرافقاً لطارق الشوفي، يقول إنه في السابعة والنصف صباحاً من يوم الخميس جُهّز مع مجموعته بالكامل، ثم نقلوهم إلى مكان مجهول، ليتضح لاحقاً أنها مزرعة تقع في محيط بلدة قنوات.
وبحسب “رائد” فإن طارق الشوفي ما إن ولج إلى إحدى غرف المزرعة حتى اتجه مباشرة نحو طاولة خشبية كبيرة في المنتصف، فرد عليها خرائط عسكرية للمنطقة، شيئاً فشيئاً راحت السيارات الإضافية تصل تباعاً؛ عميد جريرة، وبهاء الشاعر، وأبو ذياب، وتبعهم آخرون من بينهم زاهر الخطيب واسامة علبة وبسام حمزة.
في تلك اللحظة، كما يصف رائد، تحولت المزرعة إلى ما يشبه غرفة عمليات متكاملة بقيادة الشيخ حكمت الهجري؛ الأصوات انخفضت، والخرائط مُدت على الطاولة، والأقلام بدأت ترسم خطوط الهجوم وتوزيع المجموعات.
الاجتماع الذي استمر لأكثر من ساعة خرج بقرار واضح؛ يكون الهجوم الأول على حي المقوس، ثم يتبعه هجوم كامل على باقي القرى، مع تأكيد صريح على احتجاز أكبر عدد ممكن من البدو، ودفع من تبقى منهم قسراً باتجاه دمشق أو درعا.
رواية رائد لم تكن الوحيدة؛ “أبو رامي” (اسم مستعار)، مزارع من قنوات، أكد أنه شاهد بأم عينه عشرات السيارات تتجه إلى المزرعة صباح ذلك اليوم، قبل أن تخرج مجتمعة بعد ساعة أو أكثر، معظمها كانت سيارات عسكرية، ولاحظ على إحداها شعاراً بارزاً كُتب عليه “بيرق قاهرون”.
هذه الشهادات تلاقت مع دلائل رقمية وثقت توقيت التحركات؛ عند الساعة 10:05 صباحاً من يوم 17 – 07 – 2025 نشر رياض الشاعر مقطع فيديو من داخل حي المقوس أعلن أنه في أحياء البدو “سابقاً”، ما يؤكد أنه كان الهدف الأول للهجوم.
بعد ذلك بأقل من 10 دقائق، أي عند الساعة 10:12 صباحاً، ظهر حسام بريك على صفحته في فيسبوك بصورة مع مجموعة مسلحة في ساحة الكرامة داخل مدينة السويداء أي قبل دخوله مدينة شهبا، ليعود ويظهر مجدداً بفيديو قام بحذفه بعد ساعة من نشره من داخل مدينة السويداء أي بعد الانتهاء من حي المقوس مهدداً برفقة صديقه بالذبح بالسكين، جاء النشر الساعة 10:55 صباحاً، أي قبل نصف ساعة من دخوله أحياء البدو في مدينة شهبا.
وقد أكد عدد من الشهادات وجود حسام بريك في شهبا وارتكابه عمليات تصفية ميدانية، هذا التزامن كشف أن العمليات جرى تنسيقها مسبقاً لتبدأ وفق خطة موحدة.
المدنيون البدو من قرى السويداء أكدوا أن الهجوم الشامل بدأ قرابة الساعة 11:50 صباح يوم الخميس، وهو ما يتقاطع مع منشورات عناصر الفصائل التي حضرت اجتماع المزرعة.
وتعكس شهادات من داخل شهبا جانباً آخر من التخطيط، هيثم شباط، أحد سكان المدينة، قال: “العملية كانت مدبرة مسبقاً أعلمنا بعض أهالي شهبا الشرفاء أن المجزرة كانت قادمة، وأن هناك ترتيباً سرياً قبل تنفيذها”، أما حسن حسين المهدي من شهبا فأكد قائلاً: “الساعة 11 من يوم 17-7، الهيئة الروحية ومشايخ العقل أعطوا أمراً بترحيل البدو وتهجيرهم خلال ساعة، لكنهم خلفوا الوعد، وبعد خمس دقائق فقط بدأ الهجوم، جاءت الفصائل بسلاح ثقيل وبدأت عمليات القتل”.
من جانبه قال راكان الخضير رئيس تجمع أحرار عشائر الجنوب: “نُحمّل شيخ طائفة الدروز حكمت الهجري أولاً، وعصابته المسلحة كل المسؤولية، ثم باقي المجتمع المحلي في السويداء بسبب سكوتهم في البداية عن حصار حي المقوس واستهدافه، ثم استهداف باقي الأحياء وفتح معركة ذهب ضحيتها كثير من الناس من الطرفين.. هوية المسلحين كانت من دروز السويداء يتبعون للهجري والمجلس العسكري، وتوريط بعض الشباب في هذه المعركة، واللعب على الوتر الطائفي بحجة أن هؤلاء سيأتون ليقتلوكم ويعدموكم، واستثارة مشاعر الناس واستغلال عاطفتهم وتخويفهم، وتفرد الهجري بالقرار“.
إعلان موول
أحدث المقالات
الأكثر قراءة
تحقيق يكشف عن خطة منظمة تمّت لتهجير البدو في السويداء
سوريا
سبتمبر 11, 2025
5:32 م
وقت القراءة المتوقع: 12 دقائق
نشرت جريدة الثورة تحقيقا صحفيا حول المجازر وعمليات التهجير القسري التي تعرضت لها العشائر البدوية في السويداء، على أيدي ميليشيات تابعة لحكمت الهجري، في تموز الماضي.
وكشف التحقيق تفاصيل اجتماع سرّي في مزرعة تزعمه حكمت الهجري بمشاركة قادة فصائل محلية، حيث وُضعت خطة منظمة لطرد البدو بالقوة بعد انسحاب القوات النظامية وترك فراغ أمني كبير، ما أدى لحدوث عمليات تطهير عرقي في المحافظة.
وكان من أشنع المشاهد “بقر بطن امرأة حامل في مدينة شهبا بريف محافظة السويداء، حيث سُحب جنينها من رحمها، قبل أن تُترك جثتها على قارعة الطريق، تنهش الكلاب والضواري وجهها”، كما قُطع رأس طفل برشاش “دوشكا”، فيما بقيت أمه غارقة في دمائها، وقد وُجد اسماهما ضمن قائمة مكتوبة بخط اليد تضم عشرات القتلى من العشائر البدوية في السويداء، بينهم نساء وأطفال، كتبها نازحون من شهبا لتوثيق من عرفوا من القتلى.
وفي صباح 17 تموز/يوليو 2025، انسحبت قوى الجيش والأمن السوري من المحافظة، ليملأ الفراغ مقاتلون محليون من فصائل محلية بعضها مرتبطة بالمجلس العسكري في السويداء، حيث ارتكبت عمليات قتل ميداني وحرق ونهب للمنازل بشكل ممنهج في أكثر من 9 قرى وأحياء بينهم حي المقوس وشهبا وسهوة بلاطة والكفر.
وتؤكد شهادة أحد الحاضرين في الاجتماع الذي تزعمه الهجري ذلك اليوم، أن ما جرى لم يكن صداماً عابراً، بل عملية معدّة مسبقاً استهدفت المدنيين البدو، حيث وثّق ناجون من شهبا والمقوس في اليوم نفسه مقتل ما لا يقل عن 60 شخصاً من أقاربهم وجيرانهم عبر قوائم مكتوبة بخط اليد، وقد دفنوهم على عجل، فيما بقي عشرات آخرون في عداد المفقودين حتى اليوم.
ويبيّن التحقيق أن ما لا يقل عن 11 موقعاً شهدت عمليات قتل وتهجير، بينها المقوس، وشهبا، وسهوة بلاطة، والكفر، وولغا، وأم الزيتون، وصلخد، وريمة اللحف، والمزرعة، وأيضا في طريقي الهروب نحو درعا ودمشق حيث تعرّض الفارون عبرهما للاستهداف.
هاجم مسلحون بدو شاحنة خضار على طريق دمشق – السويداء، في 11 تموز/ يوليو 2025، واعتدوا على سائقها المنتمي إلى الطائفة الدرزية وسرقوا الشاحنة، ولم تمضِ ساعات حتى ردّت مجموعات بخطف عدد من البدو، ليتبعهم البدو بخطفٍ مماثل، وخلال يومين فقط، تحولت حوادث الخطف إلى مواجهات عنيفة غرب محافظة السويداء وداخلها، تخللها قصف للقرى وحصار للأحياء البدوية، وسقط خلالها قتلى وجرحى من الطرفين، بينهم مدنيون، وفقا للتحقيق.
وفي 14 تموز، دخلت قوات الجيش والأمن السوري المحافظة لمحاولة فرض النظام كقوة فصل، لكنها اصطدمت برفض الفصائل المحلية المرتبطة بالهجري، وتعرضت تلك القوات لكمائن متزامنة في عدة مواقع داخل السويداء، انتهت بمقتل وأسر عدد من عناصرها، وسط انتشار مقاطع فيديو عن تمثيل بالجثث وعمليات قتل ميداني.
في الوقت نفسه، شنت الطائرات المسيّرة الإسرائيلية ضربات داخل السويداء امتدت لاحقاً إلى دمشق، حيث استهدفت وزارة الدفاع ومحيط قصر الشعب (القصر الرئاسي).
ومع فجر 17 تموز/يوليو 2025، بدأ الانسحاب فعلياً، وتثبّت القرار في خطاب تلفزيوني عاجل ألقاه الرئيس السوري أحمد الشرع، أعلن فيه أنّ قوى الجيش والأمن السوري “خفّضت مهامها في السويداء” وأن مسؤولية الأمن أُحيلت إلى الفصائل المحلية ومشايخ العقل، مبرّراً ذلك بـ”المصلحة الوطنية العليا” بعد أن تعرضت دمشق، ومعها وحدات الجيش التي حاولت التدخل في السويداء، لقصف إسرائيلي مباشر.
وقد رافق الانسحاب إجراءات للحد من الفراغ الأمني، أبرزها التنسيق مع وجهاء السويداء ومشايخ العقل لمنع الفوضى، بينما شدّد الشرع في خطابه على أن الدولة ستُحاسب “كل من انتهك حقوق الدروز، فهم جزء لا يتجزأ من نسيج الوطن”، في محاولة لطمأنة المجتمع المحلي وامتصاص التوتر.
وعقب الفراغ الذي سببه انسحاب الجيش والأمن، تم تنفيذ انتهاكات بحق البدو؛ ورغم كونها انتهاكات تجلت بالقتل والنهب والتهجير والاعتقال القسري، فقد تم تصويرها من قبل وسائل إعلام على أنها رد فعل على الانتهاكات التي قام بها عناصر الجيش والأمن، لكن الوثائق والأدلة/ من بينها شهادات، تظهر خلاف ذلك وسرعان ما تبيّن أن هذا الإعلان لم يوقف الفوضى، بل ترك المحافظة في فراغ أمني شامل استغلّته الفصائل المسلحة لبدء تنفيذ مخططها ضد الأحياء البدوية.
التحريض والتهيئة للانفجار
لم يكن ما صدر عن اجتماع المزرعة قراراً مفاجئاً؛ في الساعات التي سبقت الاجتماع وخلال يوم 17 تموز نفسه، كان وسم “السويداء_تحارب_الإرهاب” يسجّل قفزة غير مسبوقة؛ نحو 17,826 منشوراً خلال 24 ساعة، وفق تحليل بيانات من مصادر مفتوحة؛ وفي اليوم التالي ارتفع العدد إلى 19,583 منشوراً، ما مثّل الذروة الرقمية للحملة.
وكان أكثر من ثلاثة أرباع هذا النشاط إعادة تدوير لمحتوى أصلي محدود، في مؤشر على حملة تعبئة منسقة؛ أما الكلمات الأكثر تكراراً تحت الوسم فشملت: “ذبح، اقتلاع، إرهاب، ثأر، الكرامة”.
وجرى التحقق من هذه البيانات عبر تحليل نشاط الوسوم باستخدام أدوات رصد رقمية مفتوحة المصدر، ومطابقة النتائج مع أرشيف النشر العام، ما أظهر منحنىً واضحاً يؤكد أن الحملة لم تكن تفاعلاً عفوياً، بل تعبئة منسقة بلغت ذروتها في 17 و18 تموز
وتوازى هذا الانفجار الرقمي مع مقاطع مصوّرة تداولتها منصات محلية، عن كمائن استهدفت الجيش السوري وتمثيل بجثث عناصره، إضافة إلى اعتقالات عشوائية طالت مدنيين بدو داخل المدينة.
ومع تزايد الخطاب المتشنج تحت الوسم، راحت صفحات شخصية تُضخّم التحريض بشكل مباشر؛ على فيسبوك كتب المدعو حيدر إياد السهناوي داعياً إلى الفزعة الى شهبا: “اقتلو الرضيع قبل الكبير من هالخنازير”، وفي تعليقات أخرى على منشورات للمقاتل حسام بريك، تكررت عبارات مثل: “اليوم يومكم لتطهير المحافظة”، و”ما لازم يضل واحد منهم بينا”، و”كل البدو لازم يترحلوا وبيوتهم تنمحي عن وجه الأرض”.
هذا التزامن بين التصعيد الميداني والتضخيم الرقمي ساهم في تصوير البدو كـ”خطر وجودي يجب اقتلاعه”، الأمر الذي هيّأ الأرضية لاجتماع المزرعة، حيث اتخذ القرار الفعلي بالهجوم، وبعد ساعات قليلة من الانسحاب المفاجئ لقوى الجيش والأمن السوري من السويداء فجر 17 تموز/يوليو 2025، بدأت حركة غير مألوفة تشق طريقها نحو أطراف بلدة قنوات.
هناك، في مزرعة شبه مهجورة تحوّل المكان إلى مركز تخطيط سرّي، اجتمع فيه أبرز قادة الفصائل المحلية كـ عميد جريرة، وبهاء الشاعر، وأبو ذياب، وطارق الشوفي، إلى جانب شخصيات عسكرية ومحلية من الصف الأول، بهدف وضع خطة لطرد العشائر البدوية بالقوة.
العنصر في المجلس العسكري “رائد” (اسم وهمي)، والذي يعمل مرافقاً لطارق الشوفي، يقول إنه في السابعة والنصف صباحاً من يوم الخميس جُهّز مع مجموعته بالكامل، ثم نقلوهم إلى مكان مجهول، ليتضح لاحقاً أنها مزرعة تقع في محيط بلدة قنوات.
وبحسب “رائد” فإن طارق الشوفي ما إن ولج إلى إحدى غرف المزرعة حتى اتجه مباشرة نحو طاولة خشبية كبيرة في المنتصف، فرد عليها خرائط عسكرية للمنطقة، شيئاً فشيئاً راحت السيارات الإضافية تصل تباعاً؛ عميد جريرة، وبهاء الشاعر، وأبو ذياب، وتبعهم آخرون من بينهم زاهر الخطيب واسامة علبة وبسام حمزة.
في تلك اللحظة، كما يصف رائد، تحولت المزرعة إلى ما يشبه غرفة عمليات متكاملة بقيادة الشيخ حكمت الهجري؛ الأصوات انخفضت، والخرائط مُدت على الطاولة، والأقلام بدأت ترسم خطوط الهجوم وتوزيع المجموعات.
الاجتماع الذي استمر لأكثر من ساعة خرج بقرار واضح؛ يكون الهجوم الأول على حي المقوس، ثم يتبعه هجوم كامل على باقي القرى، مع تأكيد صريح على احتجاز أكبر عدد ممكن من البدو، ودفع من تبقى منهم قسراً باتجاه دمشق أو درعا.
رواية رائد لم تكن الوحيدة؛ “أبو رامي” (اسم مستعار)، مزارع من قنوات، أكد أنه شاهد بأم عينه عشرات السيارات تتجه إلى المزرعة صباح ذلك اليوم، قبل أن تخرج مجتمعة بعد ساعة أو أكثر، معظمها كانت سيارات عسكرية، ولاحظ على إحداها شعاراً بارزاً كُتب عليه “بيرق قاهرون”.
هذه الشهادات تلاقت مع دلائل رقمية وثقت توقيت التحركات؛ عند الساعة 10:05 صباحاً من يوم 17 – 07 – 2025 نشر رياض الشاعر مقطع فيديو من داخل حي المقوس أعلن أنه في أحياء البدو “سابقاً”، ما يؤكد أنه كان الهدف الأول للهجوم.
بعد ذلك بأقل من 10 دقائق، أي عند الساعة 10:12 صباحاً، ظهر حسام بريك على صفحته في فيسبوك بصورة مع مجموعة مسلحة في ساحة الكرامة داخل مدينة السويداء أي قبل دخوله مدينة شهبا، ليعود ويظهر مجدداً بفيديو قام بحذفه بعد ساعة من نشره من داخل مدينة السويداء أي بعد الانتهاء من حي المقوس مهدداً برفقة صديقه بالذبح بالسكين، جاء النشر الساعة 10:55 صباحاً، أي قبل نصف ساعة من دخوله أحياء البدو في مدينة شهبا.
وقد أكد عدد من الشهادات وجود حسام بريك في شهبا وارتكابه عمليات تصفية ميدانية، هذا التزامن كشف أن العمليات جرى تنسيقها مسبقاً لتبدأ وفق خطة موحدة.
المدنيون البدو من قرى السويداء أكدوا أن الهجوم الشامل بدأ قرابة الساعة 11:50 صباح يوم الخميس، وهو ما يتقاطع مع منشورات عناصر الفصائل التي حضرت اجتماع المزرعة.
وتعكس شهادات من داخل شهبا جانباً آخر من التخطيط، هيثم شباط، أحد سكان المدينة، قال: “العملية كانت مدبرة مسبقاً أعلمنا بعض أهالي شهبا الشرفاء أن المجزرة كانت قادمة، وأن هناك ترتيباً سرياً قبل تنفيذها”، أما حسن حسين المهدي من شهبا فأكد قائلاً: “الساعة 11 من يوم 17-7، الهيئة الروحية ومشايخ العقل أعطوا أمراً بترحيل البدو وتهجيرهم خلال ساعة، لكنهم خلفوا الوعد، وبعد خمس دقائق فقط بدأ الهجوم، جاءت الفصائل بسلاح ثقيل وبدأت عمليات القتل”.
من جانبه قال راكان الخضير رئيس تجمع أحرار عشائر الجنوب: “نُحمّل شيخ طائفة الدروز حكمت الهجري أولاً، وعصابته المسلحة كل المسؤولية، ثم باقي المجتمع المحلي في السويداء بسبب سكوتهم في البداية عن حصار حي المقوس واستهدافه، ثم استهداف باقي الأحياء وفتح معركة ذهب ضحيتها كثير من الناس من الطرفين.. هوية المسلحين كانت من دروز السويداء يتبعون للهجري والمجلس العسكري، وتوريط بعض الشباب في هذه المعركة، واللعب على الوتر الطائفي بحجة أن هؤلاء سيأتون ليقتلوكم ويعدموكم، واستثارة مشاعر الناس واستغلال عاطفتهم وتخويفهم، وتفرد الهجري بالقرار“.
أحدث المقالات
الأكثر قراءة
تحقيق يكشف عن خطة منظمة تمّت لتهجير البدو في السويداء
سوريا
سبتمبر 11, 2025
5:32 م
نشرت جريدة الثورة تحقيقا صحفيا حول المجازر وعمليات التهجير القسري التي تعرضت لها العشائر البدوية في السويداء، على أيدي ميليشيات تابعة لحكمت الهجري، في تموز الماضي.
وكشف التحقيق تفاصيل اجتماع سرّي في مزرعة تزعمه حكمت الهجري بمشاركة قادة فصائل محلية، حيث وُضعت خطة منظمة لطرد البدو بالقوة بعد انسحاب القوات النظامية وترك فراغ أمني كبير، ما أدى لحدوث عمليات تطهير عرقي في المحافظة.
وكان من أشنع المشاهد “بقر بطن امرأة حامل في مدينة شهبا بريف محافظة السويداء، حيث سُحب جنينها من رحمها، قبل أن تُترك جثتها على قارعة الطريق، تنهش الكلاب والضواري وجهها”، كما قُطع رأس طفل برشاش “دوشكا”، فيما بقيت أمه غارقة في دمائها، وقد وُجد اسماهما ضمن قائمة مكتوبة بخط اليد تضم عشرات القتلى من العشائر البدوية في السويداء، بينهم نساء وأطفال، كتبها نازحون من شهبا لتوثيق من عرفوا من القتلى.
وفي صباح 17 تموز/يوليو 2025، انسحبت قوى الجيش والأمن السوري من المحافظة، ليملأ الفراغ مقاتلون محليون من فصائل محلية بعضها مرتبطة بالمجلس العسكري في السويداء، حيث ارتكبت عمليات قتل ميداني وحرق ونهب للمنازل بشكل ممنهج في أكثر من 9 قرى وأحياء بينهم حي المقوس وشهبا وسهوة بلاطة والكفر.
وتؤكد شهادة أحد الحاضرين في الاجتماع الذي تزعمه الهجري ذلك اليوم، أن ما جرى لم يكن صداماً عابراً، بل عملية معدّة مسبقاً استهدفت المدنيين البدو، حيث وثّق ناجون من شهبا والمقوس في اليوم نفسه مقتل ما لا يقل عن 60 شخصاً من أقاربهم وجيرانهم عبر قوائم مكتوبة بخط اليد، وقد دفنوهم على عجل، فيما بقي عشرات آخرون في عداد المفقودين حتى اليوم.
ويبيّن التحقيق أن ما لا يقل عن 11 موقعاً شهدت عمليات قتل وتهجير، بينها المقوس، وشهبا، وسهوة بلاطة، والكفر، وولغا، وأم الزيتون، وصلخد، وريمة اللحف، والمزرعة، وأيضا في طريقي الهروب نحو درعا ودمشق حيث تعرّض الفارون عبرهما للاستهداف.
هاجم مسلحون بدو شاحنة خضار على طريق دمشق – السويداء، في 11 تموز/ يوليو 2025، واعتدوا على سائقها المنتمي إلى الطائفة الدرزية وسرقوا الشاحنة، ولم تمضِ ساعات حتى ردّت مجموعات بخطف عدد من البدو، ليتبعهم البدو بخطفٍ مماثل، وخلال يومين فقط، تحولت حوادث الخطف إلى مواجهات عنيفة غرب محافظة السويداء وداخلها، تخللها قصف للقرى وحصار للأحياء البدوية، وسقط خلالها قتلى وجرحى من الطرفين، بينهم مدنيون، وفقا للتحقيق.
وفي 14 تموز، دخلت قوات الجيش والأمن السوري المحافظة لمحاولة فرض النظام كقوة فصل، لكنها اصطدمت برفض الفصائل المحلية المرتبطة بالهجري، وتعرضت تلك القوات لكمائن متزامنة في عدة مواقع داخل السويداء، انتهت بمقتل وأسر عدد من عناصرها، وسط انتشار مقاطع فيديو عن تمثيل بالجثث وعمليات قتل ميداني.
في الوقت نفسه، شنت الطائرات المسيّرة الإسرائيلية ضربات داخل السويداء امتدت لاحقاً إلى دمشق، حيث استهدفت وزارة الدفاع ومحيط قصر الشعب (القصر الرئاسي).
ومع فجر 17 تموز/يوليو 2025، بدأ الانسحاب فعلياً، وتثبّت القرار في خطاب تلفزيوني عاجل ألقاه الرئيس السوري أحمد الشرع، أعلن فيه أنّ قوى الجيش والأمن السوري “خفّضت مهامها في السويداء” وأن مسؤولية الأمن أُحيلت إلى الفصائل المحلية ومشايخ العقل، مبرّراً ذلك بـ”المصلحة الوطنية العليا” بعد أن تعرضت دمشق، ومعها وحدات الجيش التي حاولت التدخل في السويداء، لقصف إسرائيلي مباشر.
وقد رافق الانسحاب إجراءات للحد من الفراغ الأمني، أبرزها التنسيق مع وجهاء السويداء ومشايخ العقل لمنع الفوضى، بينما شدّد الشرع في خطابه على أن الدولة ستُحاسب “كل من انتهك حقوق الدروز، فهم جزء لا يتجزأ من نسيج الوطن”، في محاولة لطمأنة المجتمع المحلي وامتصاص التوتر.
وعقب الفراغ الذي سببه انسحاب الجيش والأمن، تم تنفيذ انتهاكات بحق البدو؛ ورغم كونها انتهاكات تجلت بالقتل والنهب والتهجير والاعتقال القسري، فقد تم تصويرها من قبل وسائل إعلام على أنها رد فعل على الانتهاكات التي قام بها عناصر الجيش والأمن، لكن الوثائق والأدلة/ من بينها شهادات، تظهر خلاف ذلك وسرعان ما تبيّن أن هذا الإعلان لم يوقف الفوضى، بل ترك المحافظة في فراغ أمني شامل استغلّته الفصائل المسلحة لبدء تنفيذ مخططها ضد الأحياء البدوية.
التحريض والتهيئة للانفجار
لم يكن ما صدر عن اجتماع المزرعة قراراً مفاجئاً؛ في الساعات التي سبقت الاجتماع وخلال يوم 17 تموز نفسه، كان وسم “السويداء_تحارب_الإرهاب” يسجّل قفزة غير مسبوقة؛ نحو 17,826 منشوراً خلال 24 ساعة، وفق تحليل بيانات من مصادر مفتوحة؛ وفي اليوم التالي ارتفع العدد إلى 19,583 منشوراً، ما مثّل الذروة الرقمية للحملة.
وكان أكثر من ثلاثة أرباع هذا النشاط إعادة تدوير لمحتوى أصلي محدود، في مؤشر على حملة تعبئة منسقة؛ أما الكلمات الأكثر تكراراً تحت الوسم فشملت: “ذبح، اقتلاع، إرهاب، ثأر، الكرامة”.
وجرى التحقق من هذه البيانات عبر تحليل نشاط الوسوم باستخدام أدوات رصد رقمية مفتوحة المصدر، ومطابقة النتائج مع أرشيف النشر العام، ما أظهر منحنىً واضحاً يؤكد أن الحملة لم تكن تفاعلاً عفوياً، بل تعبئة منسقة بلغت ذروتها في 17 و18 تموز
وتوازى هذا الانفجار الرقمي مع مقاطع مصوّرة تداولتها منصات محلية، عن كمائن استهدفت الجيش السوري وتمثيل بجثث عناصره، إضافة إلى اعتقالات عشوائية طالت مدنيين بدو داخل المدينة.
ومع تزايد الخطاب المتشنج تحت الوسم، راحت صفحات شخصية تُضخّم التحريض بشكل مباشر؛ على فيسبوك كتب المدعو حيدر إياد السهناوي داعياً إلى الفزعة الى شهبا: “اقتلو الرضيع قبل الكبير من هالخنازير”، وفي تعليقات أخرى على منشورات للمقاتل حسام بريك، تكررت عبارات مثل: “اليوم يومكم لتطهير المحافظة”، و”ما لازم يضل واحد منهم بينا”، و”كل البدو لازم يترحلوا وبيوتهم تنمحي عن وجه الأرض”.
هذا التزامن بين التصعيد الميداني والتضخيم الرقمي ساهم في تصوير البدو كـ”خطر وجودي يجب اقتلاعه”، الأمر الذي هيّأ الأرضية لاجتماع المزرعة، حيث اتخذ القرار الفعلي بالهجوم، وبعد ساعات قليلة من الانسحاب المفاجئ لقوى الجيش والأمن السوري من السويداء فجر 17 تموز/يوليو 2025، بدأت حركة غير مألوفة تشق طريقها نحو أطراف بلدة قنوات.
هناك، في مزرعة شبه مهجورة تحوّل المكان إلى مركز تخطيط سرّي، اجتمع فيه أبرز قادة الفصائل المحلية كـ عميد جريرة، وبهاء الشاعر، وأبو ذياب، وطارق الشوفي، إلى جانب شخصيات عسكرية ومحلية من الصف الأول، بهدف وضع خطة لطرد العشائر البدوية بالقوة.
العنصر في المجلس العسكري “رائد” (اسم وهمي)، والذي يعمل مرافقاً لطارق الشوفي، يقول إنه في السابعة والنصف صباحاً من يوم الخميس جُهّز مع مجموعته بالكامل، ثم نقلوهم إلى مكان مجهول، ليتضح لاحقاً أنها مزرعة تقع في محيط بلدة قنوات.
وبحسب “رائد” فإن طارق الشوفي ما إن ولج إلى إحدى غرف المزرعة حتى اتجه مباشرة نحو طاولة خشبية كبيرة في المنتصف، فرد عليها خرائط عسكرية للمنطقة، شيئاً فشيئاً راحت السيارات الإضافية تصل تباعاً؛ عميد جريرة، وبهاء الشاعر، وأبو ذياب، وتبعهم آخرون من بينهم زاهر الخطيب واسامة علبة وبسام حمزة.
في تلك اللحظة، كما يصف رائد، تحولت المزرعة إلى ما يشبه غرفة عمليات متكاملة بقيادة الشيخ حكمت الهجري؛ الأصوات انخفضت، والخرائط مُدت على الطاولة، والأقلام بدأت ترسم خطوط الهجوم وتوزيع المجموعات.
الاجتماع الذي استمر لأكثر من ساعة خرج بقرار واضح؛ يكون الهجوم الأول على حي المقوس، ثم يتبعه هجوم كامل على باقي القرى، مع تأكيد صريح على احتجاز أكبر عدد ممكن من البدو، ودفع من تبقى منهم قسراً باتجاه دمشق أو درعا.
رواية رائد لم تكن الوحيدة؛ “أبو رامي” (اسم مستعار)، مزارع من قنوات، أكد أنه شاهد بأم عينه عشرات السيارات تتجه إلى المزرعة صباح ذلك اليوم، قبل أن تخرج مجتمعة بعد ساعة أو أكثر، معظمها كانت سيارات عسكرية، ولاحظ على إحداها شعاراً بارزاً كُتب عليه “بيرق قاهرون”.
هذه الشهادات تلاقت مع دلائل رقمية وثقت توقيت التحركات؛ عند الساعة 10:05 صباحاً من يوم 17 – 07 – 2025 نشر رياض الشاعر مقطع فيديو من داخل حي المقوس أعلن أنه في أحياء البدو “سابقاً”، ما يؤكد أنه كان الهدف الأول للهجوم.
بعد ذلك بأقل من 10 دقائق، أي عند الساعة 10:12 صباحاً، ظهر حسام بريك على صفحته في فيسبوك بصورة مع مجموعة مسلحة في ساحة الكرامة داخل مدينة السويداء أي قبل دخوله مدينة شهبا، ليعود ويظهر مجدداً بفيديو قام بحذفه بعد ساعة من نشره من داخل مدينة السويداء أي بعد الانتهاء من حي المقوس مهدداً برفقة صديقه بالذبح بالسكين، جاء النشر الساعة 10:55 صباحاً، أي قبل نصف ساعة من دخوله أحياء البدو في مدينة شهبا.
وقد أكد عدد من الشهادات وجود حسام بريك في شهبا وارتكابه عمليات تصفية ميدانية، هذا التزامن كشف أن العمليات جرى تنسيقها مسبقاً لتبدأ وفق خطة موحدة.
المدنيون البدو من قرى السويداء أكدوا أن الهجوم الشامل بدأ قرابة الساعة 11:50 صباح يوم الخميس، وهو ما يتقاطع مع منشورات عناصر الفصائل التي حضرت اجتماع المزرعة.
وتعكس شهادات من داخل شهبا جانباً آخر من التخطيط، هيثم شباط، أحد سكان المدينة، قال: “العملية كانت مدبرة مسبقاً أعلمنا بعض أهالي شهبا الشرفاء أن المجزرة كانت قادمة، وأن هناك ترتيباً سرياً قبل تنفيذها”، أما حسن حسين المهدي من شهبا فأكد قائلاً: “الساعة 11 من يوم 17-7، الهيئة الروحية ومشايخ العقل أعطوا أمراً بترحيل البدو وتهجيرهم خلال ساعة، لكنهم خلفوا الوعد، وبعد خمس دقائق فقط بدأ الهجوم، جاءت الفصائل بسلاح ثقيل وبدأت عمليات القتل”.
من جانبه قال راكان الخضير رئيس تجمع أحرار عشائر الجنوب: “نُحمّل شيخ طائفة الدروز حكمت الهجري أولاً، وعصابته المسلحة كل المسؤولية، ثم باقي المجتمع المحلي في السويداء بسبب سكوتهم في البداية عن حصار حي المقوس واستهدافه، ثم استهداف باقي الأحياء وفتح معركة ذهب ضحيتها كثير من الناس من الطرفين.. هوية المسلحين كانت من دروز السويداء يتبعون للهجري والمجلس العسكري، وتوريط بعض الشباب في هذه المعركة، واللعب على الوتر الطائفي بحجة أن هؤلاء سيأتون ليقتلوكم ويعدموكم، واستثارة مشاعر الناس واستغلال عاطفتهم وتخويفهم، وتفرد الهجري بالقرار“.
أخبار سوريا, السويداء, الميليشيات, تهجير قسري
أحدث المقالات
الأكثر قراءة
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه