تحذير اقتصادي من "الإغراق الممنهج": يضرب الصناعة السورية ويضعها في مأزق

يعاني القطاع الصناعي السوري من ضغوط هيكلية غير مسبوقة نتيجة ما يصفه خبراء اقتصاديون بأنه “إغراق ممنهج” للأسواق المحلية بمنتجات أجنبية مدعومة من دول الجوار، في حين تظل الصناعة الوطنية غير مزودة بحماية أو دعم متكافئ.
ويعمق هذا الوضع أزمة القاعدة الإنتاجية المحلية، كما يفاقم تراجع مساهمة القطاع الصناعي في اقتصاد يعاني بالفعل من آثار الحرب والعزلة الاقتصادية الطويلة.
منافسة غير عادلة
أظهرت بيانات اقتصادية أن الاقتصاد السوري تراجع بشكل حاد منذ بداية الصراع عام 2011، إذ تقلص الناتج المحلي بشكل كبير، وتراجع حجم الصادرات من حوالي 18.4 مليار دولار في 2010 إلى نحو 1.8 مليار دولار في 2021، مع انخفاض الإيرادات من النفط والزراعة أيضًا.
وفي هذا السياق، يشير المحللون إلى أن تراكمات ضعف الإنتاج المحلي وسلسلة التبعية للاستيراد جعلت الصناعة الوطنية أكثر عرضة للمنافسة غير العادلة من المنتجات التركية والمصرية وغيرها، التي تدخل الأسواق السورية بأسعار أقل من كلفتها الحقيقية بفضل حزم دعم شاملة من دول منشئها.
وبحسب النائب السابق لرئيس غرفة صناعة دمشق ورئيس لجنة التصدير، لؤي نحلاوي، خلال تصريح إعلامي، تمثل هذه المنافسة أحد أبرز التحديات الهيكلية التي تواجه الصناعة السورية، حيث تُضطر المصانع الوطنية إلى العمل بتكاليف إنتاج مرتفعة دون أي دعم حكومي فعّال، بينما تتدفق المنتجات المستوردة بأسعار مدعومة تقلل من القدرة التنافسية للمنتج المحلي.
انخفاض الإنتاج وفقدان الوظائف
رأى نحلاوي أن آثار هذه السياسات تظهر بشكل مباشر في انخفاض إنتاجية المصانع الوطنية أو توقفها الجزئي، ما يؤدي إلى فقدان آلاف فرص العمل وتراجع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي،
المشكلة تتفاقم بفعل المعوقات الجمركية وغير الجمركية التي تفرضها بعض دول الجوار على المنتجات السورية، حيث لا يتم السماح بدخولها إلا عبر موافقات خاصة وبكميات محدودة، كما هو الحال مع الأردن، ما يعيق حركة التصدير ويحد من قدرة الصناعي السوري على الوصول إلى الأسواق الإقليمية.
النائب السابق لرئيس غرفة صناعة دمشق ورئيس لجنة التصدير، لؤي نحلاوي
وبيّن أن هذا يتزامن مع فتح الأسواق السورية أمام المستوردات الأجنبية دون قيود مماثلة، ما يؤدي إلى اختلال واضح في الميزان التجاري، إذ تجاوزت المستوردات حجم الصادرات بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، مما يميل بالميزان التجاري نحو استنزاف القطع الأجنبي بدلًا من دعمه.
الضغط على سعر الصرف واستقرار الاقتصاد
اعتبر نحلاوي أن استمرار هذا الوضع يزيد الضغوط على سعر الصرف ويعقد جهود تحقيق استقرار نقدي مستدام، كما يعمّق التفاوت بين المنتج الوطني والمستورد، ويهدد قدرة الصناعي على مواجهة المنافسة، مشيرًا إلى أن الحلول تحتاج إلى تدخلات حكومية عاجلة ومتعددة الجوانب، تشمل خفض كلف الإنتاج ودعم الطاقة، وتقديم إعفاءات أو تسهيلات للإنتاج والتصدير، إلى جانب تبني سياسات ضريبية محفزة وتشريعات اقتصادية تشجع على الاستثمار المحلي والخارجي.
ويؤكد أن حماية السوق الوطنية من الإغراق الممنهج تتطلب اعتماد مبدأ “المعاملة بالمثل” في السياسات الجمركية والتجارية، بما يضمن تكافؤ الفرص بين المنتج السوري ونظيره الأجنبي، مضيفًا أن تعزيز الصادرات السورية ودعم الصناعات المحلية من خلال توفير مواد أولية بأسعار تنافسية، وقروض ميسرة، ورفع حجم الكتلة المالية لدعم التأمينات الاجتماعية للعاملين في القطاع الخاص، من شأنه زيادة القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية ورفع نسبة المعروض السلعي، ما يساعد في كبح الأسعار وحماية المستهلك.
وتشير المؤشرات الاقتصادية إلى أن إصلاح القطاع الصناعي وتعزيز إنتاجيته يعد أمرًا محوريًا لأي خطة للتعافي الاقتصادي، إذ يرتبط استقرار السوق المحلي واستدامة الميزان التجاري بوجود قاعدة صناعية قوية تستطيع المنافسة، وتحقيق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.
المعاملة بالمثل وحماية المنتج الوطني
يؤكد نحلاوي أن أي تجاهل لهذه التحديات سيجعل السوق السورية مجرد سوق استهلاكية للمنتجات الأجنبية المدعومة، على حساب الاقتصاد الوطني والقدرة الإنتاجية المحلية، ما يعيد طرح أسئلة جوهرية حول دور الدولة في حماية الصناعة الوطنية وتعزيز قدرتها على مواجهة الإغراق الممنهج.
في ضوء هذه المعطيات، فإن القطاع الصناعي بحاجة ماسة إلى دعم فوري وحزمة من السياسات المتكاملة، تشمل رقابة فعالة، تشجيع الاستثمار، حماية المصانع الوطنية، وإعادة النظر في السياسات الجمركية والتجارية.
وأكد أن ذلك يشكل ضمان لاستمرار الصناعات المحلية وحماية الوظائف وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، بما يمكّن سوريا من الخروج من دوامة الاستهلاك المرتبط بالمنتجات المدعومة خارجيًا إلى مرحلة إنتاجية حقيقية تعزز الاقتصاد الوطني وتدعم التنمية المستدامة.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه





