هزم الأسهم و«البيتكوين».. الذهب يقفز 71% في عام «تاريخي»

شهدت أسعار الذهب خلال عام 2025 قفزة تاريخية أعادت المعدن النفيس إلى صدارة المشهد الاستثماري العالمي، في وقت يواصل فيه المستثمرون إعادة تقييم إستراتيجياتهم التقليدية بين الأسهم والسندات والأصول البديلة.
ويأتي هذا الصعود اللافت في ظل عام استثنائي للأسواق؛ إذ أغلق مؤشر S&P 500 مرتفعًا بنسبة 0.46% مسجلًا مستوى قياسيًا جديدًا عند 6,909.79 نقطة. لترتفع مكاسبه منذ بداية العام إلى 17.48%، وهو ما جعل الكثيرين يعتبرون 2025 عامًا ذهبيًا للأسهم.
ومع ذلك، وبينما كان المستثمرون يحتفلون بأداء الأسواق الأمريكية، كان الذهب يسلك مسارًا مختلفًا تمامًا. إذ ارتفعت أسعار الذهب بنسبة مذهلة بلغت 71% منذ بداية العام، لتستقر حاليًا قرب مستوى 4,514 دولارًا للأونصة الترويسية. وهو ما يفوق بكثير عوائد معظم فئات الأصول الأخرى.
وبناءً على ذلك وجد من استثمر في الذهب نفسه بموقع متقدم مقارنةً بحملة الأسهم. لا سيما أولئك الذين ركزوا على أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى المعروفة باسم Magnificent Seven.
وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل أن هذه القفزة الحادة في أسعار الذهب جاءت في توقيت بالغ الحساسية. إذ لم يتبقَّ سوى أسبوع عيد الميلاد الهادئ قبل نهاية عام 2025؛ ما عزز قناعة شريحة واسعة من المستثمرين بأنهم أمام تحوّل هيكلي قد لا يكون مؤقتًا. بل ربما يعكس مرحلة جديدة في تسعير الذهب عالميًا.
العوامل التقليدية وراء صعود أسعار الذهب
عادةً ما يفسَّر ارتفاع أسعار الذهب بسردية تقليدية مفادها بأن المعدن الأصفر يزدهر في أوقات عدم اليقين. وكان عام 2025 حافلًا بعوامل القلق، بدءًا من الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأثرت في حركة التجارة العالمية، مرورًا باستمرار الغزو الروسي لأوكرانيا.
ووصولًا إلى المخاوف المتزايدة من فقاعة محتملة في أسهم التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
وإضافةً إلى ذلك لم تقدّم البيتكوين الأداء المنتظر هذا العام؛ إذ تراجعت بنسبة 7%. في حين اتجه التضخم إلى الارتفاع مجددًا؛ ما دفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة. وفي مثل هذه الأجواء ينظر تقليديًا إلى الذهب كأداة تحوّط فعّالة ضد الاضطرابات الاقتصادية، وهو ما دعم الطلب وأسهم في دفع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية.
لكن، وعلى الرغم من وجاهة هذه التفسيرات، فإنها لا تقدم الصورة الكاملة. فبحسب أبحاث حديثة نسبيًا لكل من كلود إرب وكامبل هارفي؛ من كلية فوكا للأعمال بجامعة ديوك، فإن هذه العوامل، رغم أهميتها، لا تفسر وحدها الطفرة الحالية. حيث يشير الباحثان إلى وجود أسباب هيكلية أعمق تقف خلف هذا الصعود المستدام في أسعار الذهب.
صناديق الذهب المتداولة
يرى إرب وهارفي أن التحول الحقيقي في مسار أسعار الذهب بدأ مع إطلاق صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب في عام 2004. والتي جعلت الاستثمار في الذهب سهلًا تمامًا مثل شراء الأسهم.
هذا التطور غيّر طبيعة الطلب على الذهب، وحوّله من أصل تقليدي محدود السيولة إلى أداة استثمارية عالمية واسعة الانتشار.
ووفقًا لورقة بحثية صادرة في أكتوبر 2025 فإن إجمالي الأصول في صناديق الذهب المتداولة في أمريكا الشمالية يقترب من 200 مليار دولار. في حين تمثل الصناديق خارج الولايات المتحدة نحو 175 مليار دولار إضافية.
وتلك التدفقات الضخمة، بحسب الباحثين، لم ترفع الطلب فحسب، بل أسهمت في دفع أسعار الذهب إلى مستوى أعلى بشكل دائم، وليس مؤقتًا.
وعلاوة على ذلك يشير الباحثان إلى أن إدخال الذهب إلى منظومة الأسواق المالية الحديثة؛ عبر أدوات استثمارية سهلة التداول، وفر طلبًا مستمرًا لا يتأثر فقط بالأزمات. بل بالتحولات الهيكلية في سلوك المستثمرين، وهو ما يفسر بقاء أسعار الذهب مرتفعة حتى في فترات هدوء نسبي للأسواق.
الذهب المرمّز وحدود كونه تحوطًا طويل الأجل
وإلى جانب صناديق الذهب المتداولة برز عامل جديد قد يدفع أسعار الذهب إلى مزيد من الارتفاع. ويتمثل في العملات المستقرة المرمّزة والمدعومة بالذهب.
هذه الأصول الرقمية، المرتبطة مباشرةً بسعر الذهب، تتيح للمستثمرين استخدامها في أنشطة استثمارية أخرى، مثل: “الرهن” ضمن أصول عالية المخاطر كالسندات. ما يوسع نطاق الطلب على الذهب بشكل غير مسبوق.
ومع ذلك يحذر إرب وهارفي من الإفراط في التفاؤل؛ إذ يؤكدان أن الذهب، على المدى الطويل، ليس تحوطًا مثاليًا ضد التضخم. فبينما يعد التضخم ظاهرة منخفضة التقلب نسبيًا، تتسم أسعار الذهب بتقلبات حادة. ما قد يعرّض المستثمرين لفترات طويلة من الخسائر إذا كان هدفهم الأساسي هو مجاراة التضخم أو التفوق عليه.
كما تظهر البيانات التاريخية أن الذهب قد يقضي سنوات طويلة في اتجاهات هبوطية ممتدة. وهو ما يتضح عند مقارنة أدائه، بالقيمة الاسمية بالدولار، مع أداء الأسهم.
وخلال 40 عامًا مر الذهب بمراحل صعود وهبوط حادة، بينما تفوّق مؤشر S&P 500 عليه بوضوح خلال 20 عامًا الماضية؛ ما يطرح تساؤلات جوهرية حول استدامة الارتفاع الحالي في أسعار الذهب.
هل وصلت أسعار الذهب إلى الذروة؟
يبقى السؤال الأبرز: هل بلغت أسعار الذهب ذروتها؟ الإجابة، بطبيعة الحال، غير محسومة. غير أن المؤشرات المؤسسية توحي بأن الذهب لا يزال يحتفظ بجاذبيته.
وأفادت تقارير بأن بنوكًا استثمارية كبرى، مثل: Société Générale وMorgan Stanley وMitsui، وسّعت فرق تداول المعادن الثمينة لديها خلال هذا العام. في إشارة إلى تنامي الاهتمام المؤسسي بالمعدن النفيس.
وفي الوقت ذاته تدرس بنوك أخرى العودة إلى نشاط «الخزائن» المتعلق بتخزين احتياطيات الذهب. وهو ما يعكس توقعات باستمرار الطلب القوي. وبينما تظل أسعار الذهب رهينة لعوامل متعددة، فإن ما شهده عام 2025 قد يشكّل نقطة تحوّل تاريخية في طريقة تسعير الذهب ودوره داخل المحافظ الاستثمارية العالمية.
الرابط المختصر :
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه





